هكذا ملأت #السعوديّة أفواه الصحافيين ذهباً.. وثائق أمن الخمسينات: عن «أسطورة» السلطة الرابعة اللبنانيّة

 

صحيفة الأخبار اللبنانية ـ
محمد نزال:هنا بيروت. نحن في منتصف القرن الماضي. السعوديّة، عبر مكاتبها الاستخبارية، المُدارة على الطريقة السلطانيّة، توزّع «صرر الدنانير» على «نُخب» من الصحافيين والكتّاب والسياسيين والمثقفين والشعراء اللبنانيين. هكذا، على ذمّة الوثائق الأمنيّة الرسميّة، كانت تُشترى الذِمَم. وبالمناسبة، أيّ تشابه بين سلوكيات تلك الحقبة والحقبة الحاليّة قد (لا) يمت إلى الواقع بصلة

 

صحيفة الأخبار

 

مِن جملة الوثائق التي احتفظ بها المدير العام الأسبق للأمن العام، فريد شهاب (1908 – 1985)، واحدة تتحدّث عن النشاط السعودي في لبنان. نجت هذه الوثيقة مِن الحرق.

ما خطّه المخبر الأمني، اللبناني، فيها، يدور حول الدعاية الإعلاميّة السعوديّة تحديداً، أو، بمعنى أدق، شراء ذِمَم أصحاب الكثير مِن الصحف اللبنانيّة الناشطة في خمسينات القرن الماضي، لمصلحة السعوديّة.

هذا ما جاء في الوثيقة الأمنيّة – الرسميّة:

مليون ليرة للعويني

“كان النشاط السعودي في لبنان، في النواحي الصحفيّة والسياسيّة، حتى تعين الوزير المفوّض (السعودي) الجديد عبد العزيز الكحيمي (أحد المقرّبين مِن الملك المؤسّس عبد العزيز آل سعود. عمل قنصلاً في القدس، فوزيراً مفوضاً في عمان، فسفيراً في بيروت، ثم في بغداد التي توفي فيها)، متركّزاً كلّه في يد الحاج حسين العويني (1900 – 1971 | رئيس الحكومة اللبنانية). وقد بدأت هذه الثقة الجديدة بالعويني منذ وُضع الحلف التركي العراقي على بساط البحث، وأصبح حقيقة واقعة، فعمل الملك سعود (نجل عبد العزيز) على استرضاء العويني بواسطة الوزير السابق المفوّض (السعودي) عبد العزيز بن زيد، وذلك بعد حادث الجفاء المعهود عندما جاء الملك سعود، وهو ولي العهد، في زيارته الرسمية إلى لبنان وطلب من العويني اقراضه مبلغ مليون ليرة، فامتنع هذا الأخير قبل تلقي أمر بذلك من الملك السابق عبد العزيز بن سعود (الأب | 1876 – 1953) الذي كان لا يزال على قيد الحياة.

وقد تمّت إزالة آخر آثار الجفاء عقب الزيارة التي قام بها العويني إلى المملكة العربية السعودية، للتعزية بالملك المتوفى، باجتماعه بالملك سعود، الذي تولى العرض بعد وفاة أبيه وتفاهم الاثنان. وعلى مر الأيام، ولشعور الملك سعود بضعف النشاط السعودي في لبنان، أطلق يد العويني في إدارة هذا النشاط الذي يستهدف بالدرجة الأولى إبعاد لبنان عن الحلف العراقي، والعمل لإسقاط الرئيس شمعون (كميل شمعون 1900 – 1987 | رئيس الجمهورية اللبنانية) الذين يعتبره السعوديون صديقاً لسياسة بغداد. وأطلقت يد العويني في الإنفاق، وأًصبحت له شيفرة خاصة ـــ يُراسل بواسطتها الملك سعود مباشرة، كما كان الحال في عهد الملك السابق، ورصد له مبلغ مليون ليرة لبنانية في كل عام لإنفاقه بالشكل الذي يراه مناسباً. وقد مارس العويني نشاطه بالشكل المعروف مدعوماً بالمال الوافر، والذي أسفر عن قيام مؤتمر الأحزاب والهيئات والشخصيات”.

بين الكحيمي والعويني وشمعون

هذا النص الحرفي لمقدمة الوثيقة، وهو بمثابة شرح تمهيدي للمرحلة السابقة، التي سيليها شرح مسهب للمرحلة التي كُتبت فيها الوثيقة، وذلك بغية جعل المدير العام للأمن العام (شهاب) محيطاً بالواقع من كافة جوانبه، وبالتأكيد مع مقاطعة ما جاء هنا مع معطيات أخرى، قبل نقل هذه المعلومات (الأجواء) إلى “القصر” خاصة ومِن ثم إلى دوائر القرار في السلطة عامة.

وتُكمل الوثيقة سردها (حرفيّاً):

“خلال تلك الفترة، كانت علاقة العويني بالوزير السعودي السابق (بن زيد) علاقة استشارة في بعض الأمور، وتفاهم على البعض الآخر، وكان العويني يطلعه على ما يرى من المناسب إطلاعه عليه. وأما علاقته الرسميّة فكانت ولا تزال مع الديوان الملكي في الرياض، إلى أن شاء الملك سعود أن يعزز التمثيل الدبلوماسي الرسمي لبلاده في بيروت، فأوفد (الشيخ) عبد العزيز الكحيمي (الوزير الحالي) لأن الوزير السابق كان معدوم النشاط، مهملاً لمفوضية بيروت ومجريات الأمور في لبنان، بسبب انهماكه في أمور السياسة السوريّة في دمشق بحكم أنه سفير لبلاده فيها.

وبالمناسبة فقد روى الوزير الكحيمي نفسه، بعد تعيينه بأيام، لأحد المقربين إليه أن حميد فرنجيّة (1907 – 1981 | سياسي ونائب في البرلمان – والد النائب السابق سمير فرنجيّة) أبلغه أن الرئيس شمعون عندما تلقت الحكومة اللبنانية من الحكومة السعودية السؤال الدبلوماسي التقليدي، عما إذا كانت توافق على تعيين الكحيمي بلبنان، لم يكن راغباً في الموافقة، (وذلك) عندما علم أن الكحيمي نفسه هو الذي كان وزيراً في عمان، وخرج أو أخرج منها بعد سلسلة من الأزمات الداخلية التي أثارها. ولكن حميد فرنجية اقترح على الرئيس شمعون الموافقة، وكان إذ ذاك وزيراً للخارجية، حتى لا يزيد رفض لبنان في تأزم العلاقات الرسمية بين البلدين، فأخذ فخامة الرئيس اللبناني برأيه.
رصدت السعودية مليون ليرة سنوياً لحسين العويني يصرفها بما يخدم سياستها في لبنان

ومن جهة أخرى يمكن التأكيد بأن الحاج حسين العويني كان أكثر الجميع استياء من تعيين الكحيمي، كما أن هذا الأخير لا يضمر له شيئاً من الود، لشعور الأول بأنه سيكون حيال مزاحم خطر ومراقب نشيط لشؤونه وأعماله، وبخاصة طرق انفاق المبالغ المرصدة له في كل عام، ولشعور الثاني بأن العويني يمارس بالفعل صلاحية وزير مفوض المملكة السعودية، بكل ما في هذه الكلمة من معنى، وأنه سيجد نفسه مضطراً لخوض معركة دبلوماسية صامتة حتى ينتزع صلاحياته التقليدية المفروضة، في الوقت الذي يتظاهر فيه كل واحد منهما للثاني بالود والمحبة وبالرغبة الخالصة في التعاون المثمر.

ولكن هذا النزاع لم يكن مقدراً له أن يظل مستتراً وراء قناع من الرياء المتبادل، فوقعت سلسلة من الازمات كما سيأتي تفصيله فيما بعد. وظهرت هذه الأزمات جليّة في التقارير المرسلة من الطرفين سواء إلى وزارة الخارجية أو إلى القصر الملكي. كذلك أحيطت وزارة الخارجية السعودية علماً بما يدور من تنازع على الصلاحيات من قبل مكتب الاستخبارات السعودي، الذي يديره الصحافي السوري صديق بطرس، فكان أن استدعي الحاج حسين العويني إلى مقابلة الشيخ يوسف ياسين (سوري الأصل ــــ أحد مستشاري الملك عبد العزيز المقرّبين جدّاً)، وكيل وزارة الخارجية (وقتذاك) الموجود حالياً في مصر. سافر العويني لمقابلته وبحث موضوع الخلاف بالتفصيل، ولا يزال العويني حتى اليوم في الإسكندرية لهذا الغرض.

والواقع أن الوزير السعودي المفوض الحالي (الكحيمي) عندما تسلم منصبه الجديد في بيروت، لقي نفسه في وضع شاذ وغريب، فدار المفوضية حقيرة والفوضى ضاربة أطنابها بسبب الاهمال الذي استمر طوال أعوام وأعوام، والمخصصات الماليّة الإضافية شبه معدومة. لم تكن المفوضية السعودية في الواقع سوى عبارة عن دائرة تمشية معاملات الجوازات ودائرة بريد، وصلة وصل بين عملاء السعودية في لبنان، تنقل لهم تقاريرهم الموجهة إلى مختلف المراجع في المملكة، دون أن تطلع عليها وتسلمها رسائلهم الواردة منها، وتدفع لهم ما تؤمر بدفعه من أموال دون أن يكون لها أي اطلاع أو رقابة على ما يجري.

ولما جاء الوزير الجديد وأراد استعمال صلاحياته كوزير، اصطدم بسلسلة من المصاعب التي حالت دون تحقيق أهدافه، وكان الحاج حسين العويني بصفة خاصة، وحتى كتابة هذه السطور، وبانتظار ما يحدث من تطور، هو الوزير السعودي المفوض بالفعل”.

«صحافيّون» على باب الملك

وتُكمل الوثيقة: “إلى جانب ما وجده الوزير الكحيمي من عجز، وجد نفسه في وجه طوفان من مطالب الصحفيين والساسة المؤيدين، وكلهم يشكو بأنه كان ساعة مجيئه مظلوماً ومهضومة حقوقه، وأنه لم يقبض الأجراء يسيراً مما يتناسب مع جهوده في خدمة سياسة المملكة. ذلك لأن العويني يؤكد للجميع أنه إنما يدفع من ماله الخاص، وفاء للمملكة العربية السعودية عليه من أفاضل. لذلك وجد عملاء السعوديين، وبخاصة الصحفيين، أن يطالبوا الحكومة السعودية أيضاُ بالدفع ما دام العويني يدفع من جيبه، ولم يكن الوزير أن يطلعهم على الحقيقة، لذلك قامت بينه شخصياً وبين بعض أصحاب الصحف سلسلة من الأزمات وعوامل النفور.

وهكذا، فإن الوضع القائم حالياً بالنسبة للنشاط السعودي يلخص بما يلي:

الحاج حسين يقبض، على دفعات شهرية، من المفوضية مبلغ المليون ليرة وهو الذي يدفع إلى الصحف ورجال السياسة حسبما يرى ذلك ضرورة.

ولا أعتقد أن هناك عاملين في السياسة وأصحاب نفوذ لبنانيين يقبضون بصورة منتظمة، ولكن الدفع يجري عند الاقتضاء أو عند الحاجة لاستمالة أحد الأشخاص، على نحو ما جرى بالنسبة لأحمد الأسعد (1902 – 1961 | رئيس مجلس النواب) الذي قبض مبلغ 150 ألف ليرة لقاء إعلان معارضته في ظروفها ووقائعها المعلومة.

أما الصحف التي تقبض بصورة منتظمة من الحاج حسين العويني فهي:

1 ـ الديار ثلاثة آلاف ليرة في الشهر

2 ـ نداء الوطن: ألف ليرة، تدفع حالياً بسبب تغيب صاحبها إلياس الغريافي (توفي عام 2000) في دمشق بواسطة رشاد عازار، الذي تبين مؤخراً أنه يحتفظ لنفسه بمبلغ 500 ليرة شهرياً ويدفع الباقي للغريافي.

3 ـ الأوريان: ثلاثة آلاف ليرة.

4 – الجريدة: ثلاثة آلاف ليرة.

5 ـ التلغراف: ثلاثة آلاف ليرة.

6 ـ اليوم: ألفا ليرة

7 ـ بيروت المساء: ألفا ليرة، وقد بدأ تخصيص هذه الجريدة بالمعونة بين السعودية منذ تم التفاهم بين صاحبها وبين السعوديين، بواسطة عبدالله بالخير، المشرف على شؤون الدعاية والأنباء السعودية لدى مجيئه لبيروت. وقبض عبدالله المشنوق (1904 – 1988 | صاحب الصحيفة ونائب ووزير لاحقاً) منه لقاء تحوّله عن تأييد الحلف العراقي ــــ التركي إلى مقاومته مبلغ 1500 ألف ليرة.

8 ـ الهدف: ألفا ليرة، وإن وضع صاحبها موضع عبدالله المشنوق، ولكن زهير عسيران (1914 – 2010 | صاحب الصحيفة الذي أصبح نقيباً للصحافة) لم يقبض سوى 75 ألف ليرة.

9 ـ الشرق: ألف ليرة.

10 ـ مجلة الأحد: ألف ليرة.

11 ـ مجلة الخواطر: 500 ليرة.

ويمكن القول إن جميع الصحف اللبنانية الأخيرة تقبض أموالاً سعودية، بطرق مختلفة في الوقت الحاضر، باستثناء جريدتي (الحياة ولوسوار) يكون الدفع إما في مناسبة عيد الملك السنوي، ويتراوح المبلغ بين 3 آلاف و5 آلاف ليرة، وإما من الأمراء بصفة شخصية كبدل اشتراك أو لقاء مديح وإطراء شخصيين.

وأما المفوضية فلا تدفع من أموالها الخاصة شيئاً، إلا ما يردها الأمر بدفعه، مع تعيين الشخص والمبلغ، فتكون بمثابة واسطة لا أكثر ولا أقل.

وليس للوزير السعودي نفقات سريّة يتصرف بها سوى 5 آلاف في الشهر، يدفع منها بدل تقارير للمخبرين وأشياء تخص المفوضية، إلى غير ذلك من طرق الانفاق السياسي.

وذلك من النواحي الصحفية والسياسة العامة، أما من نواحي العمل السياسي والاستعلامات وكتابة التقارير والمعلومات فإن القائمين بذلك لمصلحة السعوديين يقبضون من الجهات التي يتعاملون معها، ويرسلون تقاريرهم ومعلوماتهم بواسطة المفوضية ويقبضون بواسطتها، دون أن يكون للمفوضية إطلاع رسمي على أعمالهم”.

السياسيّون أيضاً «يلحسون»

ميّزت وثيقة الأمن العام بين الصحافيين والسياسيين في المال السعودي، فبعد ذكر الصحف وكيفية توزيع المبالغ على أصحابها، يأتي الآن دور بعض الذين كانوا يلعبون أدواراً سياسيّة وغيرها، وهم مِن المثقفين والنخب وما شاكل. هذه خاتمة الوثيقة (حرفيّاً) حولهم:

“هنا يجدر بالذكر أن ليس في المملكة العربية السعودية جهة معينة بالذات تتلقى التقارير السياسية من الخارج عامة، ومن لبنان خاصة، وأن لكل عميل سعودي مرجعاً يتصل به ويقبض منه.
كان يُدفع للحياة ولوسوار من الأمراء السعوديين بصفة شخصية لقاء المديح والإطراء

ومن هؤلاء رياض طه (1927 – 1980 | صاحب مجلة الأحد ونقيب الصحافة): يُجري اتصاله مع الأمير متعب وكيل وزارة الدفاع (السعودية).

صلاح الأسير (شاعر): اتصاله مع الأمير فيصل ولي العهد (السعودي).

صلاح الدين المختار (كاتب): اتصاله مع الشيخ يوسف ياسين (وكيل وزارة الخارجية السعودية).

أمين نخلة (1901 – 1976 | شاعر وأديب وسياسي): اتصاله مع الشيخ عبد الرحمن الطبيشي (رئيس الديوان الملكي السعودي).

سهيل السيد: اتصاله مع الشيخ عبدالله التويجري (الموظف بالديوان الملكي السعودي).

قدري القلعجي (توفّي عام 1973 – صحافي): اتصاله مع الشيخ عبدالله بالخير (المشرف على شؤون الدعاية والأنباء السعودية) – (كان أيضاً مقرّباً من حكّام الكويت آل الصباح).

صديق بطرس (صحافي سوري): اتصاله مع الشيخ يوسف ياسين.

أمين رويحة (1901 – 1984 | طبيب وناشط سياسي): بدأ يُجدد علاقته مؤخراً مع المملكة السعودية بعد انقطاعها، وكان اتصاله بالدكتور مدحت شيخ الأرض (توفي عام 2001 عن عمر ناهز المئة | كان الطبيب الخاص للملك عبد العزيز (ما يسمى رئيس الصحة الملكية) ثم سفيراً للسعودية في عدد من الدول). فلما عُيّن هذا الأخير سفيراً للمملكة السعودية في اسبانيا، أصبح الدكتور أمين رويحة يتعامل مع الوزير السعودي المفوّض (في لبنان) مباشرة.

ولست أعرف بالضبط مقدار ما يقبضه كل واحد من هؤلاء، باستثناء صديق بطرس، الذي يقبض شهرياً مبلغ 1000 ليرة وصلاح المختار مبلغ 300 ليرة.

وأما الدكتور أمين رويحة فله وضع خاص، إذ أن راتبه الشهري مقداره ثلاثة آلاف ريال، يقبضه على كل حال دون أن يطلب القيام منه بأي عمل، وقد خصص له هذا الراتب مدى الحياة لقاء خدماته السابقة للمملكة في سوريا. لكنه يريد اليوم وبعد أن استطاع تحسين علاقته بعض الشيء أن يزيد فائدته عن طريق تقديم الخدمات للوزير المفوّض، الذي فتح له صدره بخلاف الوزير المفوّض السابق، الذي لم يكن يفسح المجال لأي عمل سياسي بينه وبين أمين رويحة.

مكاتب «العسس» في بيروت

بحسب الوثيقة إيّاها، فإنّه كان للسعودية، منتصف القرن الماضي، ثلاثة مكاتب في بيروت تُدار منها الشؤون السياسية والإعلاميّة والأمنيّة والماليّة.

المكتب الأول: “يديره صديق بطرس (الصحافي السوري) ومهمته تقديم تقرير بخلاصة يومية عما يهم المملكة السعودية بما ينشر في جميع الصحف اللبنانية والسورية، إلى جانب كتابة التقارير والمعلومات العامة السياسية. ويتردد أمين رويحة على هذا المكتب بحكم صداقته لصديق بطرس، وكان هو واسطة تفاهمه مع الخارجية السعودية. ويحاول رويحة عن طريق هذا المكتب خدمة الوزير المفوض السعودي عبد العزيز الكحيمي (الصورة – الى يمين الملك سعود) أيضاً، وزيادة تحسين مركزه، ويقع هذا المكتب قرب المتحف الوطني في بناية الدكتور خالد.

المكتب الثاني: مكتب سهيل السيد. يقع في بناية العازارية، ولا يخرج في مجموع أعماله عن أعمال المكتب السابق.

المكتب الثالث: مكتب الوزير المفوّض. وقد تبيّن أخيراً أن الوزير المفوض قد أسس مكتباً للاستخبارات، عهد به إلى اثنين من السعوديين المقيمين في لبنان هما: فهد المبارك وعبد العزيز البلحيسي، وهو يقع قرب المفوضية تماماً. وهو في الوقت نفسه بمثابة بيت سكن لهذين الشخصين اللذين تربطهما بالوزير روابط قرابة، وهو ينفق عليه من أصل الخمسة آلاف ليرة المخصصة كنفقات سرية للمفوضية، وتنحصر مهمة هذا المكتب في مراقبة نشاط السعوديين المقيمين في لبنان”.

«الأحد» ضد سوريا خدمة للعراق

من بين الوثائق التي نجت من التلف تقرير “سرّي” كتبه أحد المخبرين، بخطّ اليد، ورفعه الى الأمير فريد شهاب في 18 شباط 1953 بعنوان: “مجلة الأحد وأسباب حملتها على سوريا والمملكة السعودية”. النصّ الحرفي للتقرير المؤلف من صفحتين هو الآتي:

“ما إن وقع الإنقلاب العسكري الثالث في سوريا على يدي العقيد أديب الشيشكلي (الصورة)، حتى كانت مجلة «الأحد» الصادرة في بيروت وصاحبها السيد رياض طه يعملان بقوة واندفاع لمصلحة هذا الانقلاب العسكري وصاحبه العقيد الشيشكلي، وذلك بتدخل المشرف على تحرير المجلة عامذاك السيد قدري قلعجي، الذي أصبح في ما بعد مديراً لمكتب صحافة الجيش السوري، وسنداً قوياً للعقيد الشيشكلي.

وفي الوقت ذاته كانت هذه المجلة تحمل، في كثير من الأحيان، على بعض الأمراء من أفراد البيت السعودي المالك، وتشهّر بهم، وتنشر صورهم بما لا يتّفق مع كرامتهم مما كان يغضب المفوضية العربية السعودية في بيروت، ويدعو لعرض شكواها على السلطات اللبنانية المختصة سواء بوزارة الخارجية أو مديرية الأنباء في بيروت لاتخاذ بعض الإجراءات ضد هذه المجلة.

لقد كانت المفوضية السعودية في بيروت تظن أولاً: أن أسباب موقف المجلة العدائي من الأمراء السعوديين والمملكة يعود إلى رغبة صاحبها السيد رياض طه في الحصول على مبالغ من المال، ولكنه كان في الواقع يعلن بأنه ليس له أية رغبة في ذلك وإنما هدفه الإصلاح بأن يشمل المملكة السعودية وأمرائها، وكانت السلطات اللبنانية المختصة تتدخل فعلاً لعدم تكرار الحملة.

وبينما المجلة سائرة في موقفها الإيجابي من سوريا والعقيد الشيشكلي والسلبي من المملكة السعودية، فإذا بها تتغيّر فجأة بالنسبة لسوريا فقط، وتحمل على سوريا والشيشكلي، فاتخذت الحكومة السورية بعض الإجراءات ضد المجلة وصاحبها ومنها عدم دخولهما لسوريا.

لقد رحت أراقب أسباب هذا التطور وأبحث عنه، لا سيما والحكومة اللبنانية في حالة التفاوض مع سوريا، وأخيراً تبيّن لي بأن المجلة وصاحبها يسيران بتوجيهات عراقية صرفة. وإليكم الإيضاح كما تلقّيته من شخص لبناني كان في بغداد وعاد منذ ثلاثة أيام فقط إلى بيروت:

أ ــــ لقد ارتبطت مجلة «الأحد» بالسياسة العراقية ارتباطاً وثيقاً، لقاء نفع مادي، وذلك بواسطة المفوضية العراقية في بيروت.

ب ــــ ما إن انتهت الانتخابات النيابية في العراق، حتى سمحت المفوضية العراقية المذكورة لمندوبَي المجلة أحدهما يدعى «توفيق» والثاني يدعى «وديع» بالدخول إلى العراق، فأرسلهما السيد رياض طه في سيارته الخاصة ويسوقها سائق خاص، وكان أحد المندوبين «ويعتقد أنه توفيق» ترافقه زوجته، فوصل الأربعة إلى بغداد ونزلوا في فندق «الجامعة العربية» وذلك لجمع الاشتراكات من العناصر التي صدرت تواصي القصر الملكي العراقي لها بالاشتراك في هذه المجلة. وكان سفرهم من بيروت حوالى منتصف شهر كانون الثاني الماضي.

ج ــــ وفي يوم السبت 24 كانون الثاني الماضي لحق السيد رياض طه صاحب المجلة نفسه بمندوبَيه إلى بغداد، ونزل على حساب الحكومة العراقية أو القصر الملكي في فندق «سميراميس» وراح السيد عبد الرزاق الهلالي أحد كبار موظفي القصر الملكي في بغداد يزوره في الفندق على التوالي، وكذلك شقيق عبد الرزاق نائب البصرة السيد عبد الحميد الهلالي كان يزوره في الفندق لمساعدته في تحصيل الاشتراكات، وإعطاء التوجيهات اللازمة إليه.

د ــــ وفي يوم الأحد الأول من شهر شباط الحالي زار السيد عبد الرزاق الهلالي السيد رياض طه في الفندق وأعلمه بأن سمو الوصي على العرش الأمير عبد الإله على استعداد لاستقباله في ذات اليوم، فاستقبله سموه فعلاً في القصر وقتاً طويلاً وأكرمه مادياً.

هـ ــــ لقد عاد السيد رياض طه من بغداد إلى بيروت في اليوم التالي ــــ أي في يوم الاثنين 2 شباط الجاري ــــ كما عاد مندوباه إلى بيروت بعد أن جمعوا ما أمكن من بدل الاشتراكات والإكراميات الخاصة من القصر الملكي والحكومة.

إن مجلة الأحد أخذت تنتشر في العراق بقوة، بعد هذه الزيارة، فقد راحت تحمل التوجيهات السياسية ضد سوريا والعقيد الشيشكلي بالشكل الذي يحلو لبعض كبار رجالات السياسة والحكم في العراق، مما قد يؤثر في مجرى العلاقات بين لبنان وسوريا”.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.