هل تطيح عملة بريكس الجديدة الدولار الأميركي؟

موقع قناة الميادين-

إبراهيم علوش:

لعل أحد دوافع التسرّع في حديث بعض المتحمّسين عن قرب أجل الدولار الأميركي هو زيادة عدد الاتفاقات البينية دولياً لإجراء المبادلات التجارية بالعملات المحلية أو باليوان الصيني.

صرّحت نالدي باندور، وزيرة خارجية جنوب أفريقيا، أنّ إنشاء عملة بريكس جديدة سيكون بنداً رئيسياً في جدول أعمال قمة البريكس المقبلة، في جوهانسبرغ في 22 آب/أغسطس، داعيةً في الآن عينه إلى مقاربة الموضوع بحذر، “لأنها مسألة يجب أن نناقشها، وأن تناقَش بصورةٍ صحيحة، وعلينا ألا نفترض دوماً أن الفكرة ستنجح، لأن اقتصادياتها صعبة جداً، وعلينا أن نأخذ بعين الاعتبار ظروف كل البلدان، خصوصاً في حالة النمو الاقتصادي المنخفض عندما تكون خارجاً من أزمات”، بحسب موقع “بلومبيرغ” في 10/5/2023.

لعل أحد دوافع التسرّع في حديث بعض المتحمّسين عن قرب أجل الدولار الأميركي هو زيادة عدد الاتفاقات البينية دولياً لإجراء المبادلات التجارية بالعملات المحلية أو باليوان الصيني.

اندفعت الأرجنتين مؤخراً، على سبيل المثال، إلى دفع ثمن مستورداتها من الصين باليوان، نتيجة الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد والتي فاقمها جفافٌ قضى على قسمٍ أساسيٍ من صادراتها الزراعية، مجفّفاً عائدات صادرات الأرجنتين الزراعية من الدولار الأميركي، ومن احتياطياتها منه.

ترافق ذلك مع رفع الاحتياطي الفيدرالي معدلات الفائدة الأميركية مراتٍ متتالية، الأمر الذي يزيد قوة الدولار الأميركي إزاء العملات الأخرى (مع بقاء العوامل الأخرى ثابتة)، ويفاقم عجز الموازين التجارية للدول التي تضعف عملاتها، لأنه يرفع تكاليف الاستيراد محلياً بمقدار ما يجري بالدولار، ويسرّع تالياً معدل التضخم، وهو ما يعادل “استيراد التضخم” مع ارتفاع قيمة الدولار إزاء العملة المحلية.

وما يجري على الأرجنتين هنا ينسحب على غيرها من الدول التي تجد نفسها في مواجهة دولار صاعد مقابل عملة محلية هابطة، ليخلق لديها حافزاً للبحث عن بديل للدولار وسيطاً نقدياً دولياً.

اتفاقات بينية مع الصين تعزّز أهمية اليوان في المؤشرات المالية الدولية
لكنّ مثال الأرجنتين التي جنحت نحو شراء مستورداتها من الصين باليوان بدلاً من الدولار، والذي أفردت له صحيفة “واشنطن بوست” تقريراً في 16/5/2023، يظل اتفاقاً بينياً أرجنتينياً-صينياً عزّزته الصين بالسماح للشركات الأرجنتينية باقتراض اليوان منها. وهذا يقيّده حدّان:

أ – عدم رغبة الصين بمراكمة بيزو أرجنتيني منهارٍ، بما يوازي رغبة الأرجنتين في يوان صيني مستقر.

ب – عدم رغبة بعض المصدّرين الأرجنتينيين في بيع منتجاتهم باليوان، بمقدار ما قد يرفض بعض أهم المورّدين، مثل الولايات المتحدة وألمانيا، تلقّي اليوان مقابل ما يصدّرونه للأرجنتين.

يدخل تحت بند الاتفاقات البينية أيضاً اتفاق البرازيل مع الصين على المتاجرة بالعملات المحلية نهاية آذار/مارس الفائت، مع العلم أن التجارة بين البلدين بلغت أكثر من 171 مليار دولار عام 2022، وأن البرازيل أكبر اقتصاد في أميركا اللاتينية، لكنّ الشركات والمستثمرين البرازيليين ما برحوا متردّدين في تداول اليوان على نطاقٍ واسع.

السبب هو أن حصة اليوان دولياً، وبالتالي مقبوليته، تظل متواضعة بحسب مؤشرات دولية عديدة، فهو يمثّل 2.19% فحسب من تمويل التجارة دولياً، و3.5% في بورصة “فوركس” للعملات الأجنبية، و2.76% من احتياطيات العملة الصعبة في البنوك المركزية.

لكنها معدلات تتصاعد بسرعةٍ مذهلة، فمن المتوقّع أن تتصاعد تلك النسب، لكنْ حتى يحدث ذلك، ما برح اليوان لاحقاً للدولار واليورو بالضرورة، وقد بدأ للتو في منافسة الين الياباني والجنيه الإسترليني، ثالث ورابع أهم عملتين دولياً على التوالي، في بعض المؤشرات.

يمكن القول إذاً إن اليوان حالياً بصدد القفز من خامس إلى رابع أهم عملة دولياً. أما في المعاملات التجارية مع الصين نفسها، فقد تخطى اليوانُ الدولارَ في شهر آذار/مارس الفائت ليحتل 48.4% من المبادلات البينية، مقارنةً بالدولار الذي تراجع إلى 46.7%، الأمر الذي يفسّر بعضاً من تحسّن موقف اليوان في المؤشرات الدولية، إذ إن الصين أكبر مصدِّر وثاني أكبر مستورد وثاني أكبر موئل للاستثمار الأجنبي المباشر دولياً.

لكنّ ذلك لا يعكس بالضرورة تزايد مقبولية اليوان دولياً بالنسبة ذاتها، أي أن زيادة التعامل مع الصين باليوان هو، على الأرجح، العامل الرئيس في ارتفاع حصته مؤخّراً في مؤشرات العملات دولياً.

يذكر أن قيمة الريال البرازيلي تصاعدت مقابل الدولار خلال الأسابيع الفائتة، ولكنه اليوم أضعف 250% مقارنةً بما كان عليه قبل 10 سنوات، إذ كان أقلّ من ريالين مقابل الدولار الأميركي عام 2013، أصبح نحو 5 ريالات الآن، ووصل في قاع أزمة كوفيد-19 إلى 6 ريالات، ومثل هذا التذبذب في أسعار الصرف يُحدِث اضطراباً شديداً في المؤشرات الاقتصادية الأساسية للبلاد.

ومن المعلوم أن لولا دا سليفا أطلق نداءً حاراً من الصين الشهر الفائت دعا فيه دول البريكس لزيادة مبادلاتها بالعملات المحلية، وصولاً إلى إنشاء عملة مشتركة جديدة خاصة بها. ولم يكن الأول طبعاً، إذ صرّح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الصيف الفائت “أن مسألة إنشاء عملة احتياطٍ دولية تقوم على سلة عملات بلداننا (البريكس) هي قيد المراجعة”، بحسب وكالة “تاس” في 22/6/2022.

وكانت الصين قد أسست “بورصة الطاقة الدولية” في شنغهاي منذ عام 2018 لمداولة عقود شحنات النفط من روسيا وفنزويلا وإيران باليوان حصرياً. وكانت الصين قد بدأت تشتري النفط من إيران باليوان منذ عام 2012.

يذكر أيضاً أن شركة صينية اشترت 65 ألف طن من الغاز الطبيعي المسال من شركة فرنسية متعدية الحدود، في آذار/مارس الفائت، باليوان. وتعد تلك أيضاً تجارة بينية، مع أنها مهمة كخرقٍ نوعيٍ، ما برح يتسع، لهيمنة الدولار الأميركي على تسعير أسواق الطاقة دولياً، وهي أحد أهم مصادر قوته.

يضاف أن اليوان صار أكثر عملة تداولاً في سوق العملات الأجنبية الروسية، بنسبة 39%، يليه الدولار الأميركي بنسبة 34%، بحسب المصرف المركزي الروسي في 10/4/2023، كما أن اليوان بات عملة التبادل الرئيسة في تجارة روسيا والصين المتصاعدة منذ الأزمة الأوكرانية.

وبات اليوان يحتل المقام الثاني، بعد الدولار الأميركي، في احتياطيات العملة الصعبة في المصرف المركزي البرازيلي، متخطياً اليورو، منذ نهاية عام 2022، بحسب وكالة “رويترز” في 31/3/2023.

خروج اليوان من نطاق التعامل البيني مع الصين والمثال البنغلادشي
كانت الصين طرفاً مباشراً في كل تلك الحالات السابقة، وهذا مهمٌ جداً، لكنّ الأهم منه، كمؤشر على الابتعاد عن الدولار الأميركي، هو مدى قبول أطراف ثالثة، غير الصين، أن تبيع سلعها وخدماتها وأصولها لأجانبَ باليوان، لأن ذلك ما يجعله وسيطاً نقدياً دولياً منافساً للدولار وغيره.

ومن ذلك مثلاً، لا حصراً، اتفاق بنغلادش مع روسيا مؤخراً على تسديد القسط المستحق عليها لشركات روسية، تقوم حالياً بتشييد مصنع طاقة نووية في البلاد، باليوان. يبلغ ذلك القسط 318 مليون دولار، من أصل 12 مليار دولار ونيف هي قيمة القرض البنغلادشي المستحق، والمسحوب من روسيا بالدولار الأميركي أصلاً.

كان دافع بنغلادش لعقد اتفاق مع روسيا لدفع قسط ذلك القرض باليوان هو:

أ – انهيار قيمة الـ”تاكا”، عملة بنغلادش، بأكثر من 26% مقابل الدولار الأميركي منذ بداية العام الجاري، ما يزيد من قيمة القسط محلياً بالنسبة ذاتها تلقائياً.

ب – العقوبات المفروضة على روسيا التي تمنع التعامل معها بالدولار الأميركي.

وعلى رغم تواضع مبلغ الـ 318 مليون دولار، بمعايير الاقتصاد الدولي، فإن الإدارة الأميركية التقطت فوراً خطورة الخطوة البنغلادشية كسابقةٍ تهدّد عرش الدولار الأميركي فعلياً، فأرسلت تحذيراً عبر القنوات الرسمية إلى بنغلادش، ووضعت الشركات الروسية الثلاث المعنية بتشييد المصنع النووي البنغلادشي على قائمة العقوبات، ما وضع بنغلادش في الزاوية.

وتشير المواقع البنغلادشية إلى أن التوجّه الآن هو وضع القسط في حساب ضمان escrow account لن يكون متاحاً للشركات الروسية المعنية حتى يرفع الحظر عنها، ما يهدّد استكمال تشييد المصنع البنغلادشي عملياً، وبانتظار التطورات على هذا الصعيد.

التطوّر الآخر المهم هنا هو بالون الاختبار الذي أطلقته مواقع باكستانية قبل 10 أيام، نقلاً عن مصدر مجهول، أنها بصدد التعاقد مع روسيا على شراء 750 ألف برميل من النفط الخام باليوان.

من جهةٍ أخرى، صرّح نائب رئيس الوزراء الروسي ألكسندر نوفاك، يوم 17/5/2023، أنّ روسيا وإيران تناقشان التسويات المتبادلة باليوان الصيني، إضافةً إلى عملتيهما المحليتين. وهي فكرة ما برحت قيد التنفيذ.

مشكلة الهند مع اليوان
تستخدم الهند الدرهم الإماراتي والروبل الروسي لشراء النفط الروسي، ومن غير المرجّح أن تستخدم المصافي الهندية، التي تكرّر النفط الروسي الخام وتعيد تصديره، الروبية الهندية لمحاسبة روسيا، خصوصاً بعد تصريح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في 5/5/2023 أن روسيا راكمت مليارات الروبيات التي لا تستطيع استخدامها.

العبرة أن النفط الروسي لم يعد يباع للهند بالدولار الأميركي أيضاً، وهو خرقٌ آخر لهيمنة الدولار في أسواق الطاقة دولياً يعزز الخرق الذي أحدثته بورصة شنغهاي. لكنّ ملاحظة لافروف عن امتلاك روسيا مليارات الروبيات الهندية التي لا تستطيع استخدامها، والتي اشترت الهند فيها سلعاً روسية، كما هو واضح، يعزز النقطة التي سبق إيرادها أعلاه بأن أي عملة لا تتحوّل إلى عملة دولية تلقائياً لمجرد اتخاذ قرار بهذا الشأن، بل لا بد من أن تكون مطلوبة دولياً.

وإذا كانت المقبولية دولياً لما تتحقق لليوان بعد، فإن الروبية الهندية أبعد عنه من اليوان. تحاول الهند، على العكس تماماً، أن تبتعد عن اليوان في سياق صراعها الجيوسياسي مع الصين في الوعاء الآسيوي الذي تحوّل إلى توترات حدودية وحشودٍ عسكرية، وهو الوتر الذي تلعب عليه الولايات المتحدة لشقّ صفوف البريكس، ولتقويض صعود اليوان.

في الواقع، أشار تقريرٌ لوكالة “رويترز” في 13/3/2023 أن المصرف المركزي الهندي حذر البنوك الخاصة والتجار الهنود من سداد ثمن المستوردات من روسيا باليوان الصيني. وكانت أكبر شركة إسمنت هندية استوردت شحنة من الفحم الروسي العام الفائت سدّدت ثمنها باليوان، ما أثار حفيظة المسؤولين الهنود.

كما أن الهند دخلت على خط “نزع الدولرة” بالترويج لاستخدام الروبية. وفي شهر آذار/مارس الفائت، أعلن مصرف الاحتياطي الهندي (المصرف المركزي) عن السماح للمصارف في 18 بلداً بفتح حسابات في المصارف الهندية بالروبية لتسديد التزاماتهم منها، وهي بمعظمها دولٌ توجد فيها جاليات هندية كبيرة، ما عدا روسيا والكيان الصهيوني، وتلا ذلك اتفاق مع بنغلادش على التبادل بعملتيهما المحليتين.

تتأخّر الهند عن الصين إذاً في دفع عملتها إلى المقدمة دولياً، لكنها معنية مباشرة في عدم تحوّل اليوان إلى بديلٍ للدولار الأميركي في الوقت الذي تحاول فيه جاهدةً التخلص من عبء الأخير، ولهذا فإن صيغة إيجاد عملة خاصة بالبريكس، تستند إلى سلة من عملات دوله، تظل أكثر قابلية للتنفيذ من صيغة تحوّل اليوان إلى عملة بديلة، إذا كان الهدف هو الحفاظ على التماسك السياسي للبريكس.

في ضرورة إيجاد بديلٍ للدولار الأميركي
يبقى الواقع أن الدولار القوي يُضعِف التجارة والاستثمار الدوليين، حتى من دون عقوبات، لأنه يرفع من تكلفة السلع والخدمات والأصول المسعّرة دولياً بالدولار، وما برح أغلبها مسعّراً بالدولار فعلياً. لكنْ مع هيمنة الدولار و”منظومته البيئية” على الساحة الدولية، فإن ذلك يتيح للولايات المتحدة أن تستورد وتشتري بورقة المئة دولار، التي تكلّف طباعتها 17 سنتاً، سلعاً وخدماتٍ وأصولاً من العالم بقيمة مئة دولار تزداد قوتها الشرائية بمقدار ما يقوى الدولار مقابل العملات الأخرى.

كما أن هيمنة الدولار تحوّله إلى سلاح جيوسياسي لمعاقبة الدول ومحاصرتها، ويشير تقرير نشر على موقع الخارجية الصينية في 20/2/2023، تحت عنوان “الهيمنة الأميركية ومخاطرها”، إلى أن 40 دولة حول العالم تقبع حالياً تحت ربقة عقوبات أميركية متفاوتة الحدّة.

أحد الأسباب التي تمكِّن الدولار الأميركي من ممارسة مثل ذلك الدور الاستبدادي هو ما يسمى “أثر الشبكة” Network Effect. فما دام الدولار هو العملة الأهم دولياً كـ:

أ – وسيطٍ نقديٍ للتبادل تجارياً واستثمارياً.

ب – وحدةِ حسابٍ لقيمة السلع والخدمات والأصول، ومنه تسعير الخامات commodities في البورصات دولياً بالدولار.

ج – مخزنٍ للمدخرات والقيم المالية، ومنه احتياطيات البنوك المركزية.

د – أساسٍ للقروض وقبول الدفع المؤجّل، ومنه أن نحو ثلثي القروض الدولية مسحوبة بالدولار، منها 88% ليس الدائن ولا المدين فيها أميركيين، حتى منتصف عام 2022، بحسب بنك التسويات الدولية.

نقول ما دامت الحال هكذا، فإن وجود كتلة أو شبكة بشرية ضخمة ترتبط بالدولار، هو الذي يجعل الدولار قيّماً، وتأثير الشبكة هنا يشبه تأثير فيسبوك مثلاً. فأنت تعرف تماماً أنه يدار صهيونياً بعقلية ديكتاتورية من طرف شخص واحد أو مجلس إدارة صغير، وأنه يفرض عليك قوانين مجحفة، لكن وجود نحو 3 مليارات إنسان فيه هو الذي يجعله قيّماً، ويجعل المقيّد أو المحظور حسابه كأنه حبيس زنزانة انفرادية إلكترونياً، وهذا هو بالضبط ما يجعل الخروج عن الدولار نقدياً شبيهاً بالخروج من العالم الافتراضي إلكترونياً، لا من فيسبوك فحسب.

لا بدّ من انتقال كتلة حرجة اقتصادياً وبشرياً إلى بدائل الدولار إذاً حتى تصبح تلك البدائل ذات قيمة، ولكن حتى يتحقّق ذلك لا بدّ من التغلّب على بعض الصعاب والتحديات لجعل تلك البدائل أكثر جاذبية.

بعض المشكلات المرتبطة بإيجاد عملة خاصة بالبريكس
يصطدم إيجاد عملة جديدة للبريكس، أو أي عملة بديلة للدولار الأميركي، بعشرات الأسئلة والتحديات التي لا تسهل الإجابة عليها، والتي سبق أن طرحت بعضاً منها في مادة “استقلالية المصرف المركزي والدولار الأميركي” في الميادين نت الأسبوع الفائت، كان منها كيفية:

أ – تطوير الأسواق المالية في دول البريكس كي تصبح قادرة على استيعاب المدخرات عالمياً.

ب – توجيه الأسواق المالية لخدمة الاستثمار الحقيقي الذي يخلق الوظائف ويرفع مستوى الإنتاج والمعيشة.

ج – تحسين شفافية الشركات المساهمة من الناحية الإدارية كي تصبح عنصراً جاذباً للمستثمرين.

د – الارتقاء بحكم القانون والتشريعات والإجراءات الخاصة بالمستثمرين والتجار الأجانب.

ه – إيجاد حل لمشكلة ترك العملة التي تصبح دولية خاضعةً لشروط العرض والطلب، في حين قد يؤدي ذلك إلى تقلبات كبيرة في الاقتصاد الكلي، ومن ذلك إمكانية نشوء عجز في الحساب الجاري للدولة التي تصبح عملتها دولية بمقدار إقبال الأجانب عليها، وهو الأمر الذي قد يجعل الصين لا ترغب بأن يصبح اليوان بديلاً تاماً للدولار لأن ذلك قد يطيح بفائضها التجاري إذا قوي اليوان إلى درجة تصبح المنتجات الصينية معها أغلى ثمناً خارج الصين.

أضِف أن إيجاد عملة مشتركة يتطلّب تخلياً عن بعض صلاحيات المصارف المركزية في الدول المصدِّرة لها، وهو ما يعيد طرح مسألة استقلالية المصرف المركزي على بساط البحث. في الاتحاد الأوروبي مثلاً، اقتضى إنشاء عملة اليورو شطب عشرات العملات الأوروبية الأخرى العريقة، وتسليم صلاحيات المصارف المركزية لهيئة نقدية عليا خاصة بالاتحاد الأوروبي.

أما إذا قيل إن العملة الجديدة ستستند إلى الذهب ومعادن ثمينة أخرى، كما طرح مسؤولٌ روسيٌ كبير، فإن ذلك يعيدنا إلى مشاكل ربط العملات بالذهب، ومنها أن المعروض منها يصبح خاضعاً للكميات المكتشفة منها في الأرض وكواكب أخرى. كما أن الذهب لا يدر عائداً بل يشكّل ملجأً من انهيار العملة، وتصبح تكلفة الفرصة البديلة للتمسك فيه عالية جداً في حالة الازدهار الاقتصادي.

أما المعادن الأخرى، ولا سيما النادرة ذات الاستخدام الصناعي، مثل البلاديوم وأخوته، فإن قيمتها تهبط عندما يقل الطلب عليها في فترات الركود الاقتصادي، وتزيد قيمتها في فترات الازدهار، ما يجعلها أقل قيمة بالضبط عندما نحتاجها بدرجة أكبر، وأعلى قيمة عندما نرغب باستخدامها صناعياً.

ما برح الطريق طويلاً أمامنا إذاً، لكن العالم أمسك بطرف الخيط على الأقل.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.