هل تملك الدولة اللبنانيّة خطة لمكافحة الإرهاب

Gal.syria_.free_.army

لا يمكن ربط وجود ارهابيين في لبنان بالازمة السورية، لقد تواجدت بعض الجماعات الارهابية في لبنان قبل سنوات عديدة من تاريخ اندلاع الثورة في درعا وتمددها باتجاه المناطق المتاخمة للبنان. جرت محاولات عديدة سابقة لانشاء قواعد لمنظمات جهادية او ارهابية في بعض المناطق، وخصوصا في مخيمي عين الحلوة ونهر البارد. وكان للقوى العسكرية والامنية مواجهات قاسية من اجل اقتلاعها (كما جرى في نهر البارد مع تنظيم فتح الاسلام)، اي من اجل محاصرتها وشلها على غرار ما حدث في عين الحلوة. سعت هذه المنظمات للاستفادة من الانقسام المذهبي الحاصل في لبنان، والذي ساهم في اضعاف عمل الاجهزة الامنية في بعض المناطق، كما حال دون تجريد الفلسطينيين من سلاحهم، واخضاع المخيمات لسلطة الامن اللبناني.

تحوّل جزء من مخيم عين الحلوة الى قاعدة للتنظيمات الاسلامية المتطرفة (امثال عصبة الانصار التي يقودها ابو محجن السعدي)، كما حضنت كتيبة زياد الجراح التابعة «لكتائب عبدالله عزام»، بالاضافة الى مجموعات من المطلوبين للعدالة. تمكنت الاجهزة اللبنانية من كشف وملاحقة العديد من الخلايا والقيادات الارهابية التي كانت مقيمة داخل المخيم او في حي التعمير الملاقصق له.

في التقييم العام يمكن الاستنتاج بأن تنظيم «القاعدة» وكل متفرعاته لم ينجح في اقامة قواعد امنة له في لبنان باستثناء حي الصفصاف في مخيم عين الحلوة وبأن الحالة الارهابية ما زالت في بداياتها، وهذا ما يفسر نجاح الاجهزة اللبنانية وخصوصا مديرية المخابرات في ملاحقة وتوقيف معظم اعضاء الخلايا العاملة في لبنان، والتي تتكون من مزيج من اللبنانيين والسوريين والفلسطينيين، وبعض السعوديين.

يبدو ايضا بأن هذه التنظيمات لم تنجح في اقامة قاعدة لوجستية لها، وهذا ما اكدته التحقيقات التي اجريت مع العناصر الارهابية التي جرى توقيفها، حيث اعترفت بقدوم السيارات المفخخة والعبوات التي استعملت في الهجمات المنفذة من الداخل السوري.

لكن يبقى من غير الواقعي الاستنتاج بأن لبنان قد نجح في استئصال الجماعات الارهابية، بالرغم من كل عمليات المكافحة الناجحة التي نفذتها مديرية المخابرات. سيبقى لبنان عرضة للمخاطر الارهابية الداخلية او تلك العابرة للحدود طالما بقيت الدول العربية مسرحاً لعمل الجهاديين والارهابيين، حيث تسيطر الجماعات الارهابية والمتطرفة على مناطق واسعة في عدد من الدول العربية، وطالما استمرت الجماعات الممولة لهذه المنظمات في نشاطها لجمع الاموال لدعم عملياتها.

لا يمكن للبنان ان ينتصر على الارهاب في ظل حالة الضعف التي تشكو منها معظم الدول العربية في مواجهتها للمتطرفين والارهابيين. ان السيناريو الناجع للحرب على الارهاب يتطلب جهودا عربية ودولية منسقة وحاسمة من اجل ملاحقة الارهابيين وشل قدراتهم. وانه من الضروري جداً وقف عمليات التمويل للمنظمات المتطرفة، بالاضافة الى ضبط الخطاب الديني الذي يشجع على التطرف والجهادية.

تبدو الحاجة ملحة لوضع خطة لبنانية لمواجهة التهديد الارهابي الذي نجح في تهديد الامن والاستقرار من خلال مسلسل التفجيرات التي اصابت مختلف المناطق، بما فيها المربع الامني الخاضع لحزب الله. يخطئ من يعتقد بأن التهديد الارهابي قد انتهى اوتراجع بعد تفكيك عدد من الخلايا التي شاركت في الهجمات الارهابية خلال الاشهر الماضية، او بسبب سيطرة النظام السوري ومعه حزب الله على مناطق ريف حمص ومنطقة القلمون المتاخمة للحدود اللبنانية. ان حالة الهدوء الراهنة لا تعدو كونها هدنة موقتة ويجب توقع تجدد الهجمات بعد استيعاب المتغيرات الميدانية داخل سوريا، وبعد اعادة تنظيم الخلايا العاملة في الداخل اللبناني. يؤشر الاستنفار الذي نفذته «عصبة الانصار الاسلامية» داخل مخيم عين الحلوة بتاريخ 11 ايار 2014، كرد على الخطة الأمنية التي أقرتها المنظمات الاخرى وعلى رأسها «فتح» لضبط الامن في المخيم بالاستناد الى طلب السلطات اللبنانية، وذلك منعاً لتحوله الى ملاذ آمن للارهابيين والتكفيريين، يؤشر الى وجود نوايا مبيتة ضد الدولة اللبنانية، وعن وجود قرار لابقاء بعض احياء المخيم خارج رقابة وسيطرة المنظمات الاخرى، وبالتالي استعمال هذه الاحياء كقاعدة للجماعات الاصولية والجهادية، وكملاذ آمن للارهابيين. يبدو ان وزير الداخلية نهاد المشنوق قد شعر بمكامن الخطر وهذا ما دفعه الى الدعوة جهاراً وتكراراً بضرورة نزع السلاح الفلسطيني خارج وداخل المخيمات.

تدعو خطورة المرحلة الراهنة الحكومة والقيادات الامنية لوضع خطة فاعلة لمواجهة التهديد الارهابي، والتي يجب ان تقر العمل على اربع جبهات:
1- متابعة ملاحقة الارهابيين والتكفيريين والعملاء اينما وجدوا ويجب ان تكون هذه العملية متواصلة، مع ضرورة ايجاد جهازية للتنسيق بين القوى العسكرية ومختلف الاجهزة الامنية.

2- وضع خطة واسعة من اجل الغاء كل البؤر الامنية الخارجة عن سلطة الدولة بما فيها المخيمات الفلسطينية وضبط السلاح الفلسطيني خارج وداخل المخيمات.

3- العودة الى طاولة الحوار الوطني من اجل تخفيف حدة الانقسام السياسي والمذهبي، والذي تستغله المنظمات المتطرفة والارهابية من اجل تطويع ارهابيين لبنانيين وفلسطينيين، ويمكن من خلال الحوار بحث الخطط اللازمة لتقوية الجيش وزيادة عديدة بعشرين الف جندي اضافي.

4- سد جميع الممرات الحدودية على طول الحدود اللبنانية – السورية من خلال وضعها تحت رقابة الاجهزة العسكرية والامنية وهي تزيد عن 152 ممرا.

5- لا تكفي اعمال الملاحقة للارهابيين او عملية مراقبة الممرات الحدودية لحماية لبنان من هجمات ارهابية جديدة تبدو الحاجة ملحة لانتاج معلومات عن المنظمات والافراد الذين يتعاطون الارهاب في الداخل السوري، وفي المناطق الحدودية ويقتضي هذا الامر تنسيق عمليات جمع المعلومات التي تقوم بها الاجهزة الامنية مع جهاز امن حزب الله، والذي يملك قدرات استعلامية كبيرة داخل الاراضي السورية بسبب تواجده العسكري، وفي مناطق البقاع الشمالي والشرقي.
6- سن تشريعات جديدة، تساعد على مكافحة الارهاب، وتسمح للقضاء باجراء توقيفات احترازية ضد بعض المتطرفين والمشبوهين من اللبنانيين والفلسطينيين واللاجئين الى لبنان.

ان الطريق شاق وطويل، وان النجاح في العبور الى بر الامان يتطلب وحدة السلطة في الرؤية والقرار، وتكاتف الاجهزة الامنية واستبدال التنافس فيما بينها بالتعاون الوثيق وتبادل المعلومات وتوحيد الجهود في ملاحقة الارهابيين.

نزار عبد القادر – صحيفة الديار اللبنانية

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.