هل خسر الإعلام الخليجي و الغربي حرب الإعلام في سوريا ؟

syria media comics

اهتمام الإدارة الأمريكية بالجانب الإعلامي في حروبها عبر التاريخ ، خاصة بعد هزيمتها المرة في فيتنام ، مفهوم و متوقع ، فخبراء الإعلام الأمريكان و في نطاق ما يسمى “بحرب البروباغندا” يعتقدون جزما أنه لحسم أية معركة في الشرق الأوسط بالتحديد يجب السعي إلى استمالة أكثر ما يمكن من العقول العربية ، و حتى في الحرب على الإرهاب ، حسب تعريفه “الأمريكي ” طبعا ، و عزل المجموعات الإرهابية التي تهدد المصالح الأمريكية حول العالم ، فهذا يفترض استمالة كتل شعبية عربية و إسلامية كبيرة حتى لا يرى البعض في الحرب الأمريكية نوعا من صراع الحضارات و الهجوم على الدين الإسلامي.

بطبيعة الحال ، إسقاط الرئيس الأسد و نظامه عملية معقدة و تحتاج إلى تضافر عدة عوامل ايجابية أهمها على الإطلاق “الحضور ” الإعلامي الطاغي و المؤثر حتى يمكن تصوير ما يحدث بكونه إسناد لثورة شعبية سلمية شرعية يقوم بها الشعب السوري ضد نظام مستبد و طاغية يقوم على دولة آيلة للسقوط ، وكان من البديهي أن يستعمل الإعلام المتآمر كل الأساليب المبتكرة و الخدع التصويرية بحيث يقتنع المتابع مرة أخرى ، رغم ما حدث من تضليل في الحالة العراقية ، و في حالات “عربية” أخرى ، بكون ما يشاهده و يستمع اليه في هذه المحطات الخليجية و الغربية هو عين الحقيقة ، و أن هذا النظام قد أتى عليه الدور ليرحل غير مأسوف عليه .

بالمقابل كان لافتا أنه مقابل هذه المنظومة الإعلامية الضخمة وهذا المخطط المرعب ، كانت سوريا لا تملك في هذه المواجهة الإعلامية التاريخية إلا ما يسمى بإعلام السلطة و بقنوات تجتر خطابا محنطا ، مستهلكا ، فاقدا للمهنية و للجاذبية الشعبية السورية ، تبعا لذلك تنبه المتابعون أن سوريا في طريقها إلى خسارة الحرب الإعلامية ، و أن هذه الخسارة ستكون لها انعكاسات كبيرة و متوقعة على الذهن السوري في ظل مؤامرة كبيرة و قوى غير متكافئة على جميع الأصعدة ، لكن المفاجأة ، حصلت رغم علامات الارتباك الواضحة في المشهد الإعلامي السوري في البداية ، بحيث تفطنت دول المؤامرة وكان لزاما عليها المسارعة بما سمى “بحرب الإسكات” للصوت و الصورة السورية ، و هذا الدور القذر تكفلت به الجامعة العربية و “أمينها” العام العميل نبيل العربي ، بحيث وقع “إخراج” القنوات السورية من مدار المشاهدة العربية و تقليص وجودها في فضاء النايل سات و عرب سات .

على الجانب الآخر ، من الواضح أن الإعلام الخليجي و الغربي قد خسر هذه الحرب بعد ساعات من بدايتها ، أولا لان المتابع العربي قد انتبه أن مجرد اجتماع إسرائيل و تركيا و السعودية مع الأمريكان طبعا على أمر هو مثار شبهة و تساءل كما يقول النائب البريطاني جورج قالاوى ، ثانيا لان هناك قناعة عربية وجدانية فطرية بان النظام السوري نظام مقاوم مستهدف من عملاء الخليج و من الأمريكان و الصهاينة ، ثالثا أن ما حصل في بلدان ما يسمى بالربيع العربي قد ألقى بظلال الريبة و الشك حول الدافع و حول الأطراف الغربية و العربية التي سعت لإسقاط هذه الأنظمة التي طالما كانت السند لكل المشاريع الصهيونية ، رابعا أن الشعوب العربية أصبح لها ” رصيد” غير مسبوق و مرتفع من الكراهية الشديدة للولايات المتحدة الأمريكية خاصة بعد ما حصل للشعب العراقي بسبب نعيم ” الديمقراطية” الأمريكية.

من المعلوم أن محطة “الجزيرة” القطرية هي التي أخذت على عاتقها مهمة المساهمة الفعالة في حرب التضليل و البروباغندا ضد النظام السوري ، و من المشهود به أنها قامت بكل ما كان مستطاعا في هذا المجال حتى تكسب هذه المعركة المهمة ، و من المنطقي أن نقبل بكونها قد نجحت في بداية الأحداث على نشر ظلال الشك في بعض الأذهان خاصة و أن الشعوب العربية تواقة بغريزتها الفطرية الوجدانية لمساندة بعضها ضد الأنظمة العربية الحاكمة المتهمة بكل عيوب الدنيا ، لكن من المهم أيضا أن نقف على حقيقة مذهلة تقول أن هذه المحطة التي تعاملت مع كثير من الأحداث العربية ( الثورات العربية تحديدا ) ، و مع الحرب الأمريكية على العراق على سبيل المثال ، و لئن نجحت في ذلك بنسب متفاوتة فإنها تعرضت هذه المرة إلى سقوط نسبة مشاهدتها و انحدار تأثيرها بشكل غير متوقع أو مسبوق أكدته جميع الاستبيانات الجادة حول نسبة المشاهدة بحيث يمكن القول هذه المرة أن الوسائل الإعلامية البدائية السورية قد تغلبت بوضوح تام على أكثر وسائل الإعلام الخليجية المتآمرة تقدما و إمكانيات.

لعله من المهم التأكيد أن الولايات المتحدة الأمريكية بغزوها للعراق و اعتداءها على قيمه الحضارية و الإسلامية ، و خاصة بعد فضيحة سجن أبو غريب ، قد فقدت نهائيا الوجدان العربي الذي لم يعد يرى فيها إلا دولة إرهابية بكل المقاييس ، أيضا هناك حاجة عربية لنفس مقاوم بإمكانه أن يشكل حائط الصد ضد الهيمنة الأمريكية ، يضاف أنه من المهم أن تعود روسيا رقما فاعلا و عنصر توازن في العلاقات الدولية ، هذه العوامل و أخرى مجتمعة هي التي دفعت بالشعوب العربية أيضا و إلى جانب الصمود السوري إلى “إسقاط” الحرب الإعلامية الشرسة على سوريا ، و إذا كان هناك من يعتقد أن محطة الجزيرة قد كانت في وقت من الأوقات ” تؤدى وظيفة ذات صلة بالإحباط العميق لدى الرأي العام العربي وهى تردم الهوة بين المكبوت العربي الشعبي و الفعل الرسمي العربي “( رأى الكاتب جوزاف سماحة بجريدة السفير بتاريخ 9 أكتوبر 2001 ) ،فان الحرب الإعلامية المسمومة على الشعب السوري قد كشفت مدى ما وصل اليه هذا الإعلام من ضلال و خطيئة بحيث لم يعد ممكنا لهذه القناة و غيرها من شذوذ الإعلام العالمي أن تجد مكانا أو تصنع انتصارا لفائدة المشروع الصهيوني ، و هذا في حد ذاته كسب مهم حققه النفس المقاوم في هذه الفترة العصيبة التي تمر بها الأمة العربية.

 
أحمد الحباسى – بانوراما الشرق الأوسط

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.