هل فعلاً فقد العدو الاسرائيلي أعصابه؟ ولماذا؟

صحيفة الوفاق الإيرانية-

شارل أبي نادر:

بعد كل الضياع وعدم التوازن الذي يشهده وضع العدو الاسرائيلي هذه الأيام، لناحية التخبط في قرارات حكومته وانكشاف ضعف وهشاشة موقفه، وفيما نشأ هذا الوضع مع رئيس حكومته السابق نتنياهو على خلفية التداعيات الكارثية التي أصابت البنية العسكرية والسياسية والمعنوية للكيان بعد عملية “سيف القدس”.

واستمر اليوم متدحرجاً مع الحالي بينيت، جاءت العملية الفردية التي نفذها شاب فلسطيني باطلاقه النار على أحد قناصي العدو المتمركزين خلف إحدى فتحات جدار قطاع غزة، من مسدس فردي وعلى مسافة صفر (انتشر فيديو العملية بتفاصيلها بشكل واضح كالنار في الهشيم)، لتشكل صدمة لمسؤولي وسياسيي العدو ولقادة جيشه ولتزيد وتضاعف هذا التردد والتخبط.

قد لا تكون أول مواجهة مباشرة ومن مسافة قريبة جداً (مسافة صفر) بين جنود العدو والمقاومين الفلسطينيين، من فتية أو شبان أو رجال، فالمواجهة الدموية العنيفة مفتوحة وقائمة دائماً بين الطرفين، وطالما قُتل للعدو جنود أو أصيب له آخرون، إضافة طبعاً لمسيرة الشهداء التي لا تتوقف من المقاومين، ولكن يبقى لهذه العملية – عملية اطلاق النار من مسدس على جندي صهيوني من مسافة صفر – الكثير من المعاني ومن الرسائل والأبعاد الحساسة والمؤثرة.

البعد الأول في العملية يتمثل بالجرأة التي تحلَّى بها الشاب الفلسطيني المقاوم، بقيامه بتنفيذ العملية الأصعب والأخطر والأكثر حساسية، حيث من الطبيعي أنه كان ينتظر ردة فعل عنيفة وخطيرة، وتداعياتها لن تكون بأقل من تعرضه للنار مباشرة، من رفاق الجندي الصهيوني المستهدف أو من أكثر من رامي رشاش أوتوماتيكي مثبت على الجدار.

البعد الآخر يكمن في أهمية وحساسية العملية كحدث لافت من ضمن السياق العام للمقاومة، وليس كعملية فردية منعزلة، فذلك يعني الكثير عسكرياً، بأن يمتلك الشاب الفلسطيني، أو غيره من الشبان المشتبكين دائماً مع جنود العدو، ومع هذه الجرأة غير الموصوفة التي يتحلون بها بمواجهة حرس الحدود الإسرائيلي، مسدساً مع عدة طلقات على الأقل، وعلى خطوط المواجهة المباشرة (مسافة صفر) مع جنود العدو الذين أصبحوا وبشكل أكيد عرضة للقتل جراء الاستهداف المباشر الناجح بنسبة كبيرة جدا، الأمر الذي ستكون تداعياته كارثية على العدو، وعلى كافة اتجاهات ومستويات المواجهة معه، لأن هذه القدرة العملانية للشبان المقاومين، والذين يبقون على تماس مباشر مع جنود العدو ليل نهار، ستضاف الى مروحة واسعة من وسائل المواجهة والمقاومة، تبدأ من الحجارة الى المسدسات الى الهواوين القصيرة والمتوسطة المدى، الى قاذفات الـ ار بي جي وصواريخ الكورنت، وصولاً إلى الصواريخ الدقيقة المتطورة التي تتجاوز منظومات القبة الحديدية، والتي تمت تجربتها واستعمالها بنجاح (وسائل وأسلحة المقاومة) بأغلبيتها ضد جيشه في الكثير من المواجهات.

في الواقع، كل ما شهدناه ونشهده مؤخراً من تصرّف غير متوازن للعدو، والذي يتمثل بغارات جوية عنيفة على غزة يدّعون أنها لاستهداف انفاق أو مراكز تصنيع صواريخ، والذي يتمثل أيضاً باطلاق النار بذخيرة حية مباشرة على أطفال وفتيان في الضفة الغربية وعلى حدود غزة، يدّعون أنهم يحاولون تنفيذ عمليات ضدهم، له أسبابه ومبرراته (بالنسبة للعدو طبعا).

تداعيات عملية سيف القدس

يمكن القول إن هذه العملية التاريخية “سيف القدس” شكلت مفصلاً رئيساً في المواجهة والصراع بين المقاومة الفلسطينية وبين العدو الصهيوني، وكانت بداية تدحرج وانهيار ثقة العدو بنفسه وبجنوده وبقدرته الأمنية والعسكرية، وربما نستطيع القول إنها نسفت أغلب مفاهيم القتال والمناورة العسكرية لدى العدو، والتي طالما كان يعتقد أنها ثابتة وقادرة على حمايته وتأمين الفوز له في أية معركة.

سلاح حزب الله

حتى الآن، لا يبدو أن العدو وجد حلاً ولو بشكل جزئي لما يمكن أن ينتظره من كوارث ستسببها صواريخ حزب الله الدقيقة، بالاضافة الى أن معادلات الردع وقواعد الاشتباك التي كان يعتقد أنه قادر على ضبطها، اكتشف مؤخراً، وبعد المناورة الصاروخية لحزب الله التي استهدفت منطقة مفتوحة في مزارع شبعا المحتلة قرب مراكزه، أنه غير قادر على التحكم بها كما يشاء أو ساعة يشاء، وبأن لحزب الله الكلمة الفصل في تثبيتها أو في نسفها.

أيضاً، هناك نقطة أخرى مهمة، تضاف الى تداعيات عملية “سيف القدس” والى أخطار صواريخ حزب الله الدقيقة، وهي فشل مشروع التطبيع أو فشل ما كان ينتظر العدو من تقدم في مسار التطبيع، حسبما خطط له وحسبما كان ينتظر منه، حيث اكتشف أن المطبعين، وبدل أن يعملوا على جرّ دول أخرى معهم نحو التطبيع، بالكاد قادرون على المحافظة على اتفاقاتهم، والعلاقة المترنّحة مع الإمارات خير دليل على ذلك.

كل ذلك ومحور المقاومة متربص جاهز مستنفر لا ينام، في التحضير وفي امتلاك القدرات، في الإعلام وفي السياسة الدولية، في منع الفتنة والانقسامات، والتي يعمل لها الأميركيون وعملاؤهم ليلاً نهاراً دون جدوى.

ولتكون أخيراً الضربة الاستراتيجية، والتي أفقدت العدو أعصابه، ووضعته في حالة من الضياع وعدم التوازن بعد كلام الأمين العام لحزب الله، والذي تحدّى عبره، ليس فقط “اسرائيل”، بل راعيتها الكبرى، قائلاً للاثنتين إن السفينة (أو السفن) التي تنقل النفط من ايران الى لبنان، والتي سوف تعزل اجراءات حصاركم وتنفس ضغوطكم، هي أرض لبنانية، أو قطعة من السيادة اللبنانية، تعوم وتطفو وتُبحِر في مياه الخليج (الفارسي) ومضيق هرمز ومياه خليج عمان وبحر العرب والبحر الأحمر فالمتوسط، ولتكون تلك المياه التي تحضن أكبر عدد من أساطيلكم البحرية ومدمراتكم وحاملات طائراتكم، مسرحاً لقواعد اشتباك مفروضة ومكتوبة ومثبتة بدماء شهداء حزب الله، والذين ارتقوا في جنوب لبنان وسوريا وفي غيرهما من ميادين المواجهة والصراع ضدكم.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.