هل يستقبل بايدن محمد بن سلمان في واشنطن؟

موقع الخنادق-

زينب عقيل:

أصبح معلومًا كيف يبرع الأمريكيون في استخدام الوسائل الإعلامية في الترويج للسياسات الخارجية، فإذا كرهت الإدارة الأمريكية خصمًا، أو أرادت تمرير سياسة معينة، سيعمل الإعلام التابع لها ومراكزها الفكرية بتكاتف، لتوجيه الرأي العام لموافقتها. اللافت في حركة الإعلام الأمريكي وتحديدًا الديموقراطي باتجاه السعودية، أنه طيلة الفترة الماضية عمد إلى شيطنة محمد بن سلمان وتعزيز سياسة بايدن بـ “جعل السعودية منبوذة”، انطلاقًا من قيم الديموقراطية وحقوق الإنسان. حتى عندما قام بايدن بزيارة السعودية في تموز/ يوليو 2022، انكفأ الإعلام الأمريكي على تبرير الزيارة وتأكيد كره بايدن لبن سلمان، إلا أن تحدّي إبقاء سقف أسعار النفط العالمية منخفضة، بالإضافة إلى كل ما تحتاجه الولايات المتحدة من السعودية، يبدو أنه سيعيد الرياض إلى حضن واشنطن، حتى قبل أن يخرج بايدن من البيت الأبيض.

بوادر تحرّك سياسي جديد لإدارة بايدن باتجاه السعودية

ثمة خرق ظهر في صحيفة THE HILL، يبدو أنه افتتاحية الصحافة الأمريكية لعام 2023. وهي صحيفة تتبنى الأفكار الديموقراطية الكارهة لولي العهد السعودي، حيث نشر فيها مسؤول الأمن الدبلوماسي السابق في وزارة الخارجية الأمريكية كاميرون بيركس مقالًا، يمكن قراءته على أنه بوادر تحرّك سياسي جديد لإدارة بايدن باتجاه السعودية. كما يمكن قراءة ما ورد فيه على أنه تحضير للمجتمع الأمريكي لتقبل ما ستبدو عليه السياسة الجديدة باتجاه عدوّ القيم الأمريكية الأول، محمد بن سلمان، وذلك من خلال تذكيرهم بأنّ القيم تدور حول المصلحة وليس العكس.

تحت عنوان: “أيتها المملكة تعالي.. قضية الشراكة مع السعودية”. ينتقد بيركس السياسة الأمريكية تجاه الخليج، ويدعو فيها بايدن إلى مدّ يده إلى الرياض، والتوقف عن التعامل معها فيما وصفه بالصبيانية، فمسألة “حقوق الإنسان ليست مهمة بالقدر الذي تعتقد الإدارة الأمريكية بأنها مهمة. خاصة أن صانعي السياسة في واشنطن لا يجدون صعوبة في تحمّل معاملة الكيان المؤقت الوحشية للفلسطينيين. وأنه يجب أن يكونوا ناضجين بما يكفي، حيث لا يهمّ إلى أي مدى يجب أن يشبههم الطرف الآخر في القيم، المهم فقط هو تعزيز المصالح”. الواقع أن منطقة الخليج هي المنتعشة الأولى اليوم في عالم ما بعد الحرب الأوكرانية. وعلى الرغم من أن الكاتب ادعى أن الاستغناء عن مفاهيم الكبرياء الأمريكي هو أمر أساسي لإيجاد طريق للمضي قدمًا عبر التحديات المنتظرة عالميًا، إلا أن ما هو متوقع من النرجسية الأمريكية ألّا تدع منتعشًا غيرها في العالم دون أن تمتصّه.

شروط الشراكة بين البلدين

يستبطن مقال بيركس جوابًا على سؤال عدم تلبية واشنطن لمطالب السعودية بالشراكة الكاملة والمفتوحة مع الخليج كما هي مفتوحة مع الكيان الإسرائيلي. المطلب السعودي تم توضيحه في شروط بن سلمان للتطبيع مع الإسرائيليين: وهي تأكيد التحالف الأمريكي السعودي وتقديم الحماية العسكرية الكاملة كما لو كانت السعودية دولة في حلف شمال الأطلسي.

 

هنا تبرز مسألة اختلاف القيم في المقال على أنها السبب في عدم ترفّع السعودية أو منطقة الخليج إلى مرتبة الصديق والحليف مع أنها تملك الإمكانيات الاقتصادية، يرى الكاتب أن الولايات المتحدة تعمل من خلال أجندات ثقافية أيضًا تفرضها على الدول، وأن الكيان الإسرائيلي متناغم مع القيم الأمريكية حتى في مسألة الشذوذ وبالتالي فإن الاستثمار الأمريكي الأول في المنطقة من الطبيعي أن يذهب إلى الإسرائيليين. إلا أن الكاتب يقترح أن تقوم الولايات المتحدة بفتح محاور في الشرق الأوسط، خاصة أن “إسرائيل” لم يعد يُنظر إليها في الولايات المتحدة على أنها واحة الاستقرار ، وأنه “لا عيب في الاعتراف بأننا بحاجة إلى المساعدة في تأمين مصالحنا”. يقول بيركس.

خطوات إعادة العلاقات إلى طبيعتها

يقترح بيركس ثلاث خطوات لإعادة العلاقات إلى طبيعتها المعهودة مع السعودية، الأولى سيتمّ تبريرها على أنها إعادة تقييم للعلاقات، أما الثانية والثالثة فهي أساليب قديمة تعتمدها الولايات المتحدة للتحكم والنفوذ الناعم، والحصول على السلوك الذي يريدونه:

أولًا: دعوة ولي العهد محمد بن سلمان إلى واشنطن لحضور قمة استراتيجية مع بايدن، لمواجهة الإرهاب وإسقاط النظام الإيراني. يعتبر بيركس أن هذه القضية تستحقّ الضغط الإعلامي والسياسي الذي يمكن أن يواجهه بايدن بسبب الانقلاب على سياسته.

ثانيًا: تشجيع الاستثمار الثنائي، حيث يمكن أن تقدم الولايات المتحدة حلًا لمشكلة البطالة في المملكة إذ يمكن لابتكارات القطاع الخاص في الولايات المتحدة التغلب عليها. ولم يلمح الكاتب إلى الأساليب التي سيتم فيها وضع اليد على أموال السعوديين الذين يملكون الأموال ولكنهم عاطلون عن العمل والاستثمار بسبب عدم وجود الابتكار.

ثالثًا: تسهيل التبادلات الشعبية، للكشف عن الإنسانية المشتركة بين الشعبين. يدّعي الكاتب أن هذه الخطوة هي بهدف “تقليل الحواجز أمام الطلاب السعوديين ومساعدة الجامعات الأمريكية على فتح فروع جامعية في المملكة. وسيخلق ذلك كادرًا من القادة الأمريكيين والسعوديين المستقبليين يحمل تقديرًا حميميًا لما يجلبه “الآخر” إلى الطاولة”. يريد الكاتب من خلال هذه النقطة أن يقول للأمريكيين إن الفوارق الاجتماعية والإنسانية يمكن تقليصها من خلال تعليم السعوديين. إلا أنّ العارف بالسياسة الخارجية الأمريكية يعرف جيّدًا أن النفوذ إلى الدول من خلال التعليم هو استراتيجية يؤمن بها الأمريكيون جيّدًا، وهم في تحليلاتهم يعتبرون أن سبب شخصية محمد بن سلمان “المارقة” هو أنه لم يتلقَّ تعليمه في الغرب كما فعل نظراؤه من الأمراء.

حسابات المنفعة

يمكن القول إن بايدن يحبّ أن يعادي السعودية لكنه لا يعرف كيف. كان قرار خفض الإنتاج في أوبك إلى 2 مليون برميل يوميًا، سببًا لذهاب بايدن آنفًا إلى السعودية. اعتاد الرؤساء الأمريكيون أن يأخذوا أكثر مما يقدمون من المشيخات الخليجية، إلا أن بايدن الذي قرر جعل السعودية منبوذة، حيّر قرّاء السياسة الأمريكية بتوقعاته النرجسية حول قبول بن سلمان لطلبه فقط لأنه حضر. لكن يبدو أن التحديات التي تطال استراتيجية الأمن القومي الأمريكي لعام 2023، ستفرض على بايدن عدم دفع بن سلمان إلى أحضان شي جين بينغ وفلاديمير بوتين. حيث لا يمكن أن يفيد ذلك الولايات المتحدة، بل سيضرها كثيرًا.

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.