هل «يطبطب» الناخبون على المرشحين قبل إختيارهم وإنتخابهم؟

جريدة البناء اللبنانية-

علي بدر الدين:

يُحكى أن مواطناً عراقياً، يقيم في إحدى الدول الأوروبية، ذهب إلى سوق الخضار لشراء «رقيّة» باللهجة العراقية وبطيخة باللبناني، وكان «يطبطب» على كلّ بطيخة يختارها، كأنه خبير محلف لاعتقاده انه بذلك، يغوص داخلها ويكشف عن لونها الذي يفترض أن يكون أحمر كمؤشر على أ نها «طيبة المذاق والنكهة».

صادف في المكان وجود مواطنة من هذه الدولة تريد شراء بطيخة، وقد لفتتها «طبطبته» على أكثر من بطيخة، فدفعها فضولها لسؤاله عما يفعل، فأجابها بأنّ «الطبطبة» على البطيخة تراث متأصّل عند معظم العرب، وهي عملية استباقية واختصار للطريق إلى قلبها ومعرفة لونها وطعمها قبل تذوّقها، لطالما كانت ناجحة وبنسبة عالية في اختيار البطيخة الأفضل، فتمنّت عليه أن يختار لها بطيخة، فأجابها «بكلّ سرور»، وباشر عملية «الطبطبة» على البطيخ، واختار لها واحدة، وشكرته على صنيعه، وسألته من أيّ بلد أنت؟ أجابها: من العراق، وقبل أن تخرج من المحلّ، قالت له: «لي نصيحة لكم أيها العرب مثلما «تطبطبون» على البطيخ لاختيار أفضله، «طبطبوا» على سياسييكم ونوابكم ووزرائكم قبل اختيارهم وانتخابهم»، ولماذا «بالطبطبة» على البطيخ تحسنون الاختيار، أما بالانتخابات فتختارون الفاشل والفاسد والسارق، نصيحتي لكم ان تحسنوا «الطبطبة» على السياسيين قبل الانتخابات، بل أكثر من ذلك فليكن شعاركم «ع السكين يا بطيخ» لضمان النتائج الإيجابية.

نحن في لبنان وعلى مقربة من إجراء الانتخابات النيابية، (إذا ما حصلت في موعدها) والتي يعتبرها البعض مفصلية في تاريخ لبنان السياسي، ويعوّل كثيرون على نتائجها التي ستقلب الأوضاع رأسا على عقب، وإعادة خلط الأوراق من جديد، للخلاص من بعض مكونات الطبقة السياسية بكلّ مكوناتها ومنظومتها القديمة والجديدة، أو هكذا الاعتقاد، مراهناً على تدحرج كرة نار تنحي البعض عن الحياة السياسية، او العزوف عن الترشح للانتخابات النيابية، او أقله إسقاطه فيها، وفي أسوأ الحالات إضعافه وتقليص سطوته وهيبته، وبالتالي حرق أوراق القوة والنفوذ والقرار والسلطة لدى هذا البعض من قوى سياسية ومالية فاسدة، تواطأت على مدى عقود، وتشاركت وتحاصصت وظلمت ونهبت المال العام والخاص، وقد حان وقت أفولها وانكفائها عن الحياة السياسية والسلطوية، وبالتالي زعزعة بنيان هيكل نظامها السياسي وسقوطه على رؤوسها وإخراجها من جنة السلطة ونعيمها إلى نار جهنم وبئس المصير، خاصة انّ مؤشرات العزوف عن الترشح والخروج من الحياة السياسية بدأت مع الرئيس سعد الحريري، بعيداً عن الأسباب والمبررات والنتائج، وأياً كان الدافع ذاتياً او محلياً أو خليجياً او خارجياً، حتى لو اجتمعت كلّ هذه العوامل أو تقاطعت المصالح، فإنّ قرار الحريري هو انعكاس لحال البلد، ولواقع الطبقة السياسية الذي بدأ يهتز وينذر بتساقط المزيد من مكوناتها من مختلف الصفوف والمراحل، إما طوعاً بعناوين مغلفة ومقنعة وتعاطفية مع من سبق إلى الخروج المبكر والآمن، أو قسراً تحت ضغط فقر الشعب وجوعه ووجعه وأنينه الذي وصل صداه الى العالمية، ولم تسمعه الطبقة السياسية أو حتى تعترف بوجوده وما إقترفته بحقه، والذي سيُترجم حتماً في صناديق الاقتراع، أو من خلال المقاطعة وعدم التصويت لأيّ مرشح قبل «الطبطبة» عليه وغربلته ومعرفة معدنه إن كان ذهباً او «تنكاً مصدياً».

لن تكتمل صورة المشهد السياسي القائم والقادم ونصاعتها إلا بسقوط أحجار «الدومينو» الواحدة تلو الأخرى، وهذا متوقع عاجلاً أم آجلاً، وفي وقته المناسب، وقد فتح تنحي الحريري بابه على مصراعيه أولاً، ومع الاستحقاق الانتخابي النيابي ثانياً، لأنّ الرهان على حراك الشارع سقط بالضربة القاضية، ولم يبق سوى الانتخابات التي يمكن الرهان عليها، رغم الاعتراف حالياً بصعوبة الامر، ولكن ليس من المستحيل إحداث خرق او فرق او تغيير وانقلاب الصورة.

فهل كان أحد يتوقع خروج الحريري بهذه السرعة، من عرينه السياسي الطائفي والمذهبي بهذا التوقيت ولبنان على عتبة الانتخابات؟ وقد فاجأ الجميع وطرح أكثر من علامة استفهام، حول أسبابه العلنية والسرية، الذاتية والموضوعية، وكما يُقال «شعب مكة أدرى بشعابها».

ويبدو أنّ البعض من القوى السياسية، لم يعبأ كثيراً لقرار الحريري، ويرى فيه أمراً طبيعياً يحصل في أيّ دولة ونظام والأمثلة كثيرة، ولا حاجة لتكبير حجره وتضخيم مفاعيله والخوف من تداعياته، في حين يرى فيه البعض الآخر هزيمة وانكساراً وفشلاً ذريعاً، ونتيجة للارتهان والتبعية للخارج اللذين أفقدا الحريري قراره الحرّ المستقلّ ومهما يكن الأمر فإنّ الخروج السياسي والسلطوي والتحاصصي المبكر أحدث ارباكاً للبعض، وخضة للبعض الآخر وراحة للبعض الثالث، كلّ وفق مصلحته ومنفعته من هذا الحدث، الذي كان بمثابة قنبلة صوتية أو دخانية او فعلية يخشى البعض من التشظي منها واللحاق بالحريري، ولن يطول وقت الوقوع في فخاخ الهزيمة والانسحاب والانكفاء، شرط أن يحسن الشعب «الطبطبة» على المرشحين للانتخابات النيابية الموعودة، وانتخاب واختيار الأفضل، كما يحسنها في «الطبطبة» على البطيخ لاختيار أفضلها.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.