هل يمكن أن تكون واشنطن طوق نجاة لـ سورية؟

صحيفة الوطن السورية-

د. بسام أبو عبد الله:

عنوان مقالي لهذا الأسبوع هو محاولة للإجابة عن هذا السؤال الذي قد يطرحه البعض بين الفينة والأخرى، ويطرح الناس السؤال بوضوح شديد: لماذا لا نتحاور مع الولايات المتحدة، ونجد حلولاً معها باعتبار أنها أحد اللاعبين الدوليين المنخرطين بالحرب على سورية، وشعبها، وتمتلك أدوات التأثير دولياً، وإقليمياً، ولا يمكن لأحد أن يتجاهل دورها العالمي أبداً!

يبدو السؤال منطقياً، ومشروعاً، ولكن للإجابة عنه لابد من الإقرار أن أميركا لا تسعى إلى علاقات مع سورية إلا إذا كانت هذه العلاقات تخدم رأس حربتها في المنطقة أي كيان الاحتلال الإسرائيلي، وتساعد في ديمومة واستقرار وأمن هذا الكيان، وبالتالي فإن أي سياسة لدولة في المنطقة لا تخدم هذا الاتجاه سوف تحاربه واشنطن، وهناك ناحية أخرى ترتبط بما يخدم المصالح الجيوسياسية، والاقتصادية الأميركية، ضمن إطار صراعها مع منافسيها في العالم القدامى والجدد.

هذا أمر منطقي وواضح ومعروف، بالنسبة لدولة عظمى كالولايات المتحدة، وهنا يطرح السؤال التالي: ماذا تريد الولايات المتحدة من سورية، وأين تكمن الصعوبات في الحوار معها، أو إقامة علاقات طبيعية؟

الحقيقة أن الوثائق الأميركية هي التي تكشف ما تريده واشنطن من دمشق من خلال التشريعات التي أصدرها الكونغرس الأميركي، والتزمت بها الإدارات الأميركية المتلاحقة، جمهورية كانت أم ديمقراطية، ومن هذه التشريعات ما يسمى بـ«قانون محاسبة سورية» الذي أقره الكونغرس في نيسان 2003، وتُرك ثمانية أشهر كسيف مسلط للتفاوض قبل إقراره من قبل الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الابن في شهر كانون الأول 2003، والذي سبقته زيارة وزير الخارجية الأميركي الأسبق كولن باول الشهيرة إلى دمشق في أيار 2003، وشروطه المعروفة التي رفضها آنذاك الرئيس بشار الأسد.

الآن ما هذه الشروط الأميركية؟ ببساطة تريد واشنطن من دمشق ما يلي:

– وقف دعم حركات المقاومة في المنطقة من حزب اللـه وحماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية-القيادة العامة، وإغلاق المعسكرات ومنشآت التدريب، وطرق الإمداد اللوجستي، والدعاية والإعلام… الخ.

– وقف دعم المقاومة العراقية (آنذاك).

– موضوع الوجود السوري العسكري والأمني في لبنان.

– وهناك مطالب أخرى ترتبط بالقدرات العسكرية السورية وتتضمن وقف تطوير الصواريخ المتوسطة والبعيدة المدى ونشرها، ووقف تطوير الأسلحة البيولوجية والكيميائية.

كل ما سبق مطلوب من أجل ماذا؟

– الدخول في مفاوضات ثنائية غير مشروطة مع حكومة الكيان الصهيوني لتحقيق سلام كامل ودائم، ويرتبط رفع العقوبات بمدى تلبية الشروط الإسرائيلية في التطبيع، أي تغيير العقيدة العسكرية للجيش، ومناهج التربية الوطنية، وتزوير التاريخ… إلخ.

وبالمناسبة لمحبي الديمقراطية الأميركية نقول: لم يتضمن هذا التشريع أي شروط حول الحريات والديمقراطية وحقوق الإنسان، كما أنه من الواضح من هذه الشروط أن المطلوب تجريدك من كل عناصر القوة النسبية التي تمتلكها قبل الدخول بالمفاوضات مع كيان الاحتلال الإسرائيلي.

عندما فشلت أدوات الضغط هذه، انتقلت واشنطن إلى مرحلة جديدة مع ما يسمى «الربيع العربي»، وهي إسقاط النظام السياسي في دمشق، والإتيان بمن سيُنفذ الشروط السابقة الذكر، ولهذا كنا نلاحظ أن كثيرين ممن سموا أنفسهم معارضة سورية كانوا يتوددون لتل أبيب بمن فيهم «الإخوان المسلمون» وغيرهم من التيارات، كما انتقلت واشنطن مع مرحلة الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما في عام 2016 إلى تحريك تشريع آخر تحت عنوان «قانون حرية سورية» ليتناغم مع مصطلحات «الربيع العربي»، وما طُلب من الأدوات رفعه من شعارات «الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان»، إذ لم تكن هناك مطالب معيشية عام 2010 لدى الناس لأن أرقام سورية ومؤشراتها الاقتصادية كانت جيدة آنذاك، ولهذا كان لابد من رفع شعارات أخرى، كما يحدث في إيران هذه الأيام.

للتوضيح أكثر فإن تشريع «حرية سورية» أشار إلى ما يلي، ولننتبه هنا إلى تغير الأدوات:

– إحداث التحول الديمقراطي في سورية باستخدام الحصار، الذي يسمونه «العقوبات».

– لا يمكن إحداث التحول الديمقراطي إلا إذا نفذت سورية كل البنود الواردة فيما سمي «قانون محاسبة سورية» لعام 2003.

– التأكيد على دعم المعارضة السورية.

– تصعيد الضغوط والاتهامات ضد سورية بما يتضمن الاعتماد على تقارير منظمات حقوق الإنسان.

– لا ترفع العقوبات على قطاعي النفط والغاز إلا إذا تم تطبيق بنود «تشريع حرية سورية»، والتي لا يمكن تنفيذها إلا إذا نفذ «تشريع محاسبة سورية» لعام 2003.

هنا هذه الفقرة مهمة لأولئك الذين يعتقدون أنه إذا أعطينا الشركات الأميركية مصالح اقتصادية فإن الأمور سوف تساعد في الحوار، وهذا تصور ساذج، لأن الشروط المطلوبة سياسية، وواضحة.

يتذكر الجميع أيضاً أن الملف الكيميائي السوري على الرغم من أنه تم إيجاد حل له عبر اتفاق الرئيسين الأميركي أوباما والروسي فلاديمير بوتين لعام 2013، لكنه بقي مفتوحاً ولم يغلق، على الرغم من انضمام سورية لاتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية، وتعاونها مع المنظمة المختصة، لكن واشنطن وحلفاءها مازالوا حتى تاريخه يستخدمون الملف كأداة سياسية ليس إلا.

ما أريد قوله للرأي العام السوري والعربي ما يلي:

– إن التشريعات التي أصدرها الكونغرس منذ عام 2003 وصولاً لـ«قانون قيصر»، والآن ما يسمى «قانون الكابتاغون» ليست إلا أدوات ضغط، وحصار للوصول للأهداف التي أعلن عنها منذ عام 2003.

– إن الاحتلال الأميركي للجزيرة السورية، ودعم مشروع «قسد» الانفصالي هدفه فدرلة سورية، وإيجاد موطئ قدم إسرائيلية في الأرض السورية، وتهديد وحدة البلاد. – تحت عناوين براقة لا علاقة لها بالواقع، وليست سوى أدوات نصب واحتيال لتحقيق الأهداف المرسومة، والمعلن عنها.

– ترى واشنطن أنه لابد من إخراج إيران من سورية، ووقف دعم حركات المقاومة، ولا تزال هذه الشروط قائمة حتى هذه الساعة.

– لا إعادة للإعمار، ولا فك للعزلة الدبلوماسية أو التطبيع مع الدولة السورية إلا بموافقة أميركية مع التهديد بتفعيل نظام العقوبات ضد أي دولة تخالف هذا التوجه الأميركي.

– ترى واشنطن أن لا حل في سورية إلا بتطبيق القرار 2254، ومن يدقق سيعتقد أن واشنطن – ما شاء اللـه – لا تنام من شدة حرصها على ميثاق الأمم المتحدة، والقانون الدولي، وهي تريد القرار كمطية للوصول لأهدافها الموضوعة.

– بالطبع أضافت واشنطن أدوات جديدة مثل محاسبة المسؤولين عن جرائم الحرب، ووقف إنتاج أسلحة الدمار الشامل، وحقوق الإنسان، وهي تستخدم كل الأدوات الإعلامية والنفسية والاقتصادية والاستخبارية والعسكرية للوصول إلى أهدافها.

السؤال الأخير: إذا كانت الشروط الأميركية واضحة، ماذا علينا أن نعمل؟

جوابي بوضوح شديد: هو تحصين الداخل، والبيئة الشعبية الحاضنة التي تشكل الضمانة الوحيدة لنا، والحقيقة يجب أن نعترف، ونقر بأن واشنطن وأدواتها تستهدف هذه الحاضنة، وتعمل على تفكيكها من خلال التجويع، وهو أمر حققت فيه نجاحاً للأسف بسبب سوء الإدارة، وانتشار كيانات مافيوية خارج إطار الدولة وسيطرتها، وبروز طبقة السوريين الجدد «محدثي النعمة»، الذين أوغلوا كثيراً في استفزاز عامة السوريين بالمظاهر الباذخة والقيم التي لا تمت لمن ضحى، وقدم، وصبر بصلة، وإذا كانت تضحيات السوريين والدماء التي قدموها ستكون من أجل المزيد من انتفاخ جيوب البعض، وازدياد الفقر والعوز بدل الأغلبية فهذا أمر خطير يخدم في النهاية ما تسعى إليه واشنطن.

إن تجربة العراق مثلاً تقدم لنا درساً مهماً، هو أن واشنطن لم تقدم على الاحتلال المباشر إلا بعد أن كانت قد أنجزت عملية نخر الداخل وتفريغه، وقتل الانتماء للوطن، وشراء الذمم لبعض القيادات، وهو الأسلوب نفسه الذي اتبع في روسيا تسعينيات القرن الماضي بمرحلة الرئيس الروسي الأسبق بوريس يلستين، ولهذا لابد من قراءة كل هذه الدروس، والاعتبار منها، ذلك أن واشنطن تقول علناً: لندع سورية تتآكل ذاتياً، ويبدو لي أن بعض المتنفذين والفاسدين يخدمون من حيث يدرون أو لا يدرون هذه الأجندة.

نصيحتي المتواضعة جداً كما غيري من آلاف السوريين الذين يراقبون بصمت ما يجري، ويتحدثون في بيوتهم يومياً عن المافيات وشبكات الفساد التي تنمو على حساب لقمة عيشهم، علينا تقوية بيئتنا الداخلية لأن قناعتنا أن واشنطن ليست إلا طوق نجاة للفاسدين والخونة، على حين تسعى صباح مساء لشد حبل المشنقة حول رقابنا جميعاً كسوريين.

صحيح أن العالم يتغير بسرعة، ولكن تبقى حصانة البيئة الداخلية هي السند الحقيقي والأساسي للمواجهة، وهذا الأمر ليس أستذة على أحد، لأن كثيرين يعرفونه، لكنهم لا يعملون على معالجة نقاط الضعف قبل أن تتحول إلى سرطان مزمن يصعب علاجه.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.