هل ينفد الإحتياطي الإلزامي؟

موقع العهد الإخباري-

فاطمة سلامة:

لم يعد لليرة اللبنانية قيمة. تخطّي سعر صرف الدولار عتبة الـ33 ألفًا جعل العملة المحلية في الحضيض. القيمة الشرائية تدهورت بشكل غير مسبوق في بلد بات فيه الحد الأدنى للأجور 20 دولارًا. ولعلّ أكثر ما يثير “نقمة اللبنانيين” هي تلك الأموال المودعة في المصارف والممنوعة من الصرف، تلك القروش البيضاء التي خبّأها المودعون لأيام سود كتلك التي يعيشونها اليوم، لكنهم محرومون منها. تُعطى اليهم بالقطارة وبمبالغ لا تسد كفاف يومهم، وبـ”هيركات” يفوق الـ80 بالمئة. كل ذلك، وسط تعاميم بالجملة تصب في مصلحة المنظومة المصرفية التي تحرم مودعيها من سحب حقوقهم كما يحلو لهم. آخر تلك التعاميم ما أصدره حاكم مصرف لبنان لجهة السماح للمصارف بشراء الدولارات منه وفق سعر منصة “صيرفة”. الخطوة التي تُهدّد ما تبقى من احتياطي الزامي ما يعني حُكمًا القضاء على الأمل الأخير لاسترجاع المودعين أموالهم بالدولار.

التعميم 161 هو استكمال للتعميم 152

الخبير الاقتصادي الدكتور عماد عكوش يقرأ في تعميم مصرف لبنان، فيلفت بداية الى أنّ التعميم 161 هو استكمال للتعميم 152 الذي سمح لبعض المودعين بسحب جزء من ودائعهم بالدولار وآخر بالليرة. التعميم سمح لاحقًا أيضًا لموظفي القطاع العام بتقاضي رواتبهم بالدولار من المصارف وعلى سعر منصة “صيرفة” البالغ 24 ألفًا ما يخوّلهم الاستفادة من الفارق بين سعر المنصة وسعر السوق السوداء. كما سمح للقطاع الخاص الذي “يُوطّن” رواتب موظفيه في القطاع المصرفي باستخدام الطريقة نفسها. وفي القرار الأخير الذي صدر سُمح لكل القطاعات التي لديها حسابات بالليرة اللبنانية والتجار الذين لديهم التزامات بالدولار بشراء الدولارات من المصارف على سعر المنصة ودون سقف لكل مصرف. وبموجب التعميم 161 يحق للمصارف -زيادة عن “الكوتا” التي يحق لها شهرياً سحبها بالليرة اللبنانية وأصبحت تأخذها بالدولار الأميركي على منصة صيرفة- أن تشتري الدولار الورقي من مصرف لبنان مقابل الليرات اللبنانية التي بحوزتها.

وتعليقًا على التعميم، يشدّد عكوش على أنّ لهذا القرار عدة تأثيرات نذكر منها:

-من الناحية الاقتصادية، ثمّة سرقة “شرعية” يقوم بها المستوردون والتجار. بموجب التعميم، يجب أن تنخفض الأسعار نظريًا لأنّه عندما يسمح مصرف لبنان لكل عملاء المصارف بشراء الدولار على سعر المنصة من المصارف، فمن المفترض أن يشتري المستوردون والتجار بضاعتهم على سعر منصة صيرفة أي 24 ألفًا، وبالتالي من المفترض أن تنخفض الأسعار على سعر المنصة. لكن للأسف -يقول عكوش- فهذا الأمر لم يحصل سابقًا ولن يحصل في الوقت الحالي. ثمّة سرقة في هذا الموضوع؛ فالتجار مستمرون ببيع بضاعتهم وفق سعر السوق الموازي رغم شرائها على سعر المنصة، وهذه سرقة بطريقة شرعية عبر مصرف لبنان وسط غياب المحاسبة.

-من الناحية النقدية، فإنّ الدولارات التي ستُعطى للمصارف هي من الاحتياطي الإلزامي لمصرف لبنان والذي بلغ حتى نهاية عام 2022 11.7 مليار دولار. هذا الاحتياطي لطالما لوّح حاكم مصرف لبنان بعدم القدرة على التصرف به لكنّه اليوم يتصرّف به بطريقة تخالف كل القوانين والمعايير المصرفية. كما يتصرّف بحقوق السحب الخاصة حيث حصل لبنان العام الماضي على 1.134 مليار دولار من البنك الدولي جرى وضعها في البنك المركزي، فيما بدأ الأخير اليوم باستخدامها، مع العلم أنّ هذه الحقوق يجب أن يتم التعامل معها كاحتياطي الذهب ويمنع التصرف بها الا ضمن خطة اقتصادية شاملة للبنان للخروج من الأزمة. وهنا يوضح عكوش أن تحذيرات بالجملة أطلقت حيال استخدام أموال الاحتياطي في سياسة الدعم التي كان يتبعها مصرف لبنان، لكن للأسف عاد مصرف لبنان لاتباع الأسلوب نفسه في التعاطي مع السوق حيث يستعمل ما تبقى من احتياطي إلزامي لديه في نفس السياسة التي اتبعها.

ويشدّد عكوش على أنّ الاحتياطي الإلزامي سيبدأ بالانخفاض وبكميات أكبر، فاحتياطي مصرف لبنان انخفض في شهر واحد (11/2021) بحدود الـ400 مليون دولار، ومن المرجّح أن ينخفض مليار دولار خلال شهر واحد في حال جرى ضخ كميات أكبر، خصوصًا أنّ لدينا 12.8 مليار دولار كاحتياطي مع حقوق السحب الخاصة، وبالتالي اذا كان سينخفض احتياطي العملات الصعبة بهذه الكمية الكبيرة، فنحن نقضي على الأمل الوحيد لاستعادة المودعين وخصوصًا الصغار منهم لجزء من دولاراتهم المودعة لدى المصارف التجارية ومصرف لبنان.

ويلفت عكوش الى أنّ هذه العملية خطرة، حيث يُمعن مصرف لبنان في سياسة الترقيع نتيجة ضغوط سياسية ومصرفية بانتظار الانتخابات النيابية. وفق عكوش، ثمّة من يسعى لإحداث نوع من الاستقرار بسعر صرف الدولار وبنسبة معينة ريثما يمر استحقاق الانتخابات ومن بعدها لا مانع لدى البعض في صعود الدولار.

ويوضح عكوش أنّ حاجتنا اليومية بالطلب على الدولار قد تعمل على خفض الاحتياطي مليار دولار شهريًا. وفق قناعاته، فإنّ مشكلتنا مع النقد لم تعد قضية عرض وطلب وكتلة نقدية، بل بات لدينا مشكلة أساسية من الصعب أن تُعالج على المدى القصير أو المتوسّط. ثمّة ثقة مفقودة بالليرة اللبنانية، ولكي نبنيها نحتاح الى وقت، فأي مواطن لديه كمية من الليرة يُسارع اليوم الى تحويلها للدولار لأن لا ثقة لديه بالعملة المحلية التي فقدت قيمتها.

وعليه، فإنّ نفاد الاحتياطي الإلزامي يعني -وفق عكوش- فقدان الأمل الأخير لإعادة جزء ولو بسيط من أموال المودعين بالدولار الأميركي، وبالتالي فإنّ أموال المودعين بأكملها ستُرد بالليرة اللبنانية، واذا أرادوا ردها بالدولار فلن يكون على المدى القصير بل عقب خطة كبيرة تتم فيها الاستدانة من صندوق النقد الدولي مع الإشارة الى أنّ الاخير يطالب لبنان بسداد ديونه قبل كل شيء. وعليه، يقول عكوش :”في حال جرى تصفير الاحتياطي الإلزامي فلا يتأمّل اللبنانيون قبض دولاراتهم الا بعد فترة طويلة، فحتى التعميم 158 سيتوقّف”.

مغنية: ذاهبون باتجاه كارثة على حساب الاحتياطي الإلزامي

رئيس جمعية المودعين حسن مغنية يعلّق على قرار حاكم مصرف لبنان الأخير، فيقول مستغربًا: “لطالما قال الحاكم لم يعد لدي الا الاحتياطي الإلزامي وانا غير قادر على التصرف به، ولكن تبيّن أنه بالطلبات السياسية يجري المس بالاحتياطي ولا مشكلة في صرف آخر سنت منه”.

ويشدّد مغنية على أنّ قرار مصرف لبنان سياسي ولا يصب لا في خدمة الاقتصاد الوطني ولا المودعين ولا في خدمة أحد بل في خدمة السياسيين الذين يريدون الانتفاع من هذا التعميم قبيل الانتخابات النيابية لأن مؤسساتهم وأحزابهم السياسية لم تعد مموّلة كالسابق. وانطلاقًا من هذا المبدأ، لا ينظر مغنية لهذا التعميم سوى أنه بمثابة رشوة انتخابية من جيوب الناس علمًا أن الدولارات التي تشتريها المصارف من مصرف بنان وفقًا لسعر المنصة لا يستفيد منها المودعون. وهنا يلفت مغنية الى أنّ رئيس الحكومة نجيب ميقاتي وسلامة يقولان إنّ القرار لتخفيض سعر صرف الدولار وتحسين الوضع المعيشي العام، الا أن الدولار يحلّق والوضع الى الأسوأ ما يعني أنّ التعاميم الصادرة عن مصرف لبنان هي “جعجعة” بلا طحين، وهي رشوة انتخابية من جيوب المودعين الى اللبنانيين على حساب الناس لن تغني من جوع.

ويختم مغنية كلامه بالقول: “ذاهبون باتجاه كارثة على حساب الاحتياطي الإلزامي الذي يتناقص يومًا بعد يوم، وبدل أن نبني اقتصادًا منتجًا نصرف على قاعدة “اصرف ما في الجيب يأتك ما في الغيب””.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.