هويدي: الإسلاميون اعتمدوا الديمقراطية على قاعدة الشورى

fahmi-hwaydi

الاختصاص محور التمايز بين الدين والسياسة

مؤسسة الفكر الإسلامي المعاصر ـ
حوار: رحيل دندش:

وصول الإسلاميين إلى السلطة بعد ربيع الثورات العربية وضعهم أمام جملة إشكالات وتحديات لا تقل إحداها أهمية وخطورة عن الأخرى…
فللمرة الأولى يبلغ الالتباس في العلاقة بين الدين والسياسة عند الإسلاميين حداً مفارقاً، بعد أن ألفوا في عملهم الدعوي افتعال التماهي بين الإيديولوجي والسياسي.
لا ريب أن الإسلاميين استفادوا من اللعبة الديمقراطية، لكن الأسئلة الإشكالية حول الفروقات بين العقائد والسياسات سرعان ما أربكت وضعيتهم الجديدة في السلطة، إذ سرعان ما وقع الإسلاميون في محظور غياب الرؤية والبرامج المطلوبة لقيادة الدولة وإدارة مجالات اشتغالها، وزاد من حجم المعوّقات عدم وجود توافق وطني على إدارة الاختلاف بين القوى المشاركة في هذه الثورات، مما تهددها بالانهيار قبل أن تستكمل المراحل الأولى من تجربتها.
وإزاء كل ذلك، هل تتبدل سريعاً فصول هذه الثورات، فيتحول ربيعها شتاءً عاصفاً، خصوصاً إذا أخفق الإسلاميون في ترسيم حدود واضحة بين دولة مدنية تحسن الفصل بين العقائد والمصالح وتدرك عمق الفرق بين العمل الحزبي الخاص وفنّ إدارة الدولة بأجهزتها وميادينها العامة المتنوعة.

هذه الأسئلة وغيرها طرحناها على المفكر والإعلامي الإسلامي المصري فهمي هويدي وكان الحوار التالي:

ـ باعتقادكم هل تلتقي الديمقراطيّة مع الإسلام؟

* يتوقّف هذا الأمر على التّعريف، فإذا كانت الديمقراطيّة بمعنى الاحتكام إلى رأي الجماهير فيما لا يخالف الشرع فعلاً فإنها تلتقي مع الإسلام، فلا خلاف بينهما إلا في حدود ما هو حلال وحرام. نحن نقبل بها شريطة أن لا تحلّل حراماً أو تحرّم حلالاً.

ـ هل تشتمل أدبيات الحركات الاسلاميّة على فكرة الديمقراطيّة؟

* أظنّ ذلك، مثلاً حركة النّهضة في تونس وحركة الإخوان في مصر، حتّى حزب البناء والتّنمية في المغرب، كلّ هؤلاء يتحدّثون عن الديمقراطيّة ويشاركون في آليّاتها من خلال مبدأ الانتخاب وقبولهم بمفاعيله، نعم هناك بعض الحركات الّتي لا تقبل بها ولكن الأغلبيّة تعتمدها..

ـ كيف يمكن معالجة تعدّد المواقف في الحركات الاسلاميّة تجاه الديمقراطيّة؟

أظنّ أنّ الأمر قد اختلف الآن، فحينما حصل الإسلاميون على الأغلبيّة في بعض الأقطار حُسمت القضيّة ولم يعد هناك خلاف لا مع الدّيمقراطيّة ولا مع التعدّدية لأنّهم أصبحوا في قلب الممارسة الديمقراطيّة. هذا اختيار لا يمكن أن نُجبر أحداً عليه، المهم أن يُقدّم من خلال الديمقراطية النموذج الّذي يحترم القيمة ولا يتصادم مع مقتضيات الشرع.

ـ هنا النقطة المحورية، فأحياناً تأخذ سيرورة الديمقراطيّة منحى مخالفاً لمقتضيات الشرع، وقد أشرتم إلى أنكم تقبلون بالديمقراطيّة شرط أن لا تحللّ حراماً أو تحرّم حلالاً، فكيف يمكن ضبط العلاقة بين الدّين والسّياسة من هذه الزاوية؟

* هذا موضوع آخر.. أولاً جرى قبول الديمقراطيّة باعتبارها قيمة أساسيّة تقوم على قاعدة الشّورى، فنحن نعتبر أن الشورى أوسع نطاقاً من الديمقراطية: الشورى نظام حياة، بينما الدّيمقراطيّة تشكّل نظاماً سياسيّاً فقط.
أمّا مسألة العلاقة بين الدين والسّياسة فهي مسألة تخضع للاختصاص، هناك متخصصّون، فليس هناك انفصال بين الدين والسياسة يهدر المرجعيّة الدينيّة، وليس هناك اتصال بين الطّرفين يؤدّي إلى إقامة دولة دينيّة، وهذا ما اسمّيه التّمييز بين الدين والسياسة القائم على الاختصاص؛ من مثل الّدين والسياسة، الّدين والاقتصاد، الّدين والتاريخ، الّدين والزراعة، فهذا كلّ له أهله، فكما أن هناك فقهاء فيما هو ديني هناك فقهاء سياسيون وفقهاء اقتصاديون أو تكنولوجيون أو غير ذلك، فضبط العلاقة مطلوب فقط من هذه الزّاوية.

ـ فيما لو كان هناك تعارض فكيف يمكن أن يحلّ؟ قد يحرّم الدّين بعض العلاقات مع الخارج ولكنّ السياسة قد تفرض أمراً واقعاً مغايراً لما يتطلّبه الشرع؟

* للإجابة على هذا السؤال أقول: إن النصّ ينبغي أن يكون مرجعية الحلال والحرام، أمّا بعض الممارسات السياسية فبعضها يخضع للنص وبعضها الآخر يحتاج إلى اجتهاد، فمثلاً عندما يقول النّص القرآني: (لا ينهاكم الله عن الّذين لم يقاتلوكم في الدّين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبرّوهم وتقسطوا اليهم) هذا نصّ، أما في موضوع الموقف من العلاقات مع إسرائيل واحتلالهم للأرض فهذا فيه اجتهاد، فإذا استطعت أن تغيّر من واقع الاحتلال بالوسيلة المناسبة فيجب عليك ذلك، وإذا لم تستطع أن تردّ على هذا العدوان لا بدّ أن تصبر عليه اتقاءً لما  ضرره أكبر، فهناك أصول شرعيّة تضبط هذه المسألة.

ـ هل هذا الكلام الآن هو لأنّ الحركات الإسلامية قد وصلت إلى الحكم؟

* لا بل كنّا نقول هذا الكلام قبل أن تأتي الحركات الإسلامية، وعلى سبيل المثال إن إيران تتحاور مع الولايات المتّحدة الأميركيّة في حين أنّ الأخيرة تحتلّ أفغانستان، فكيف يمكن أن نفهم تعاون إيران مع الولايات المتّحدة الأميركيّة في أفغانستان وفي العراق؟ هذه اجتهادات سياسيّة.

ـ في حال وجود اختلاف بين الاجتهادات الإسلاميّة في مسائل تختصّ بموضوع السّلطة والحكم من يكون المرجعيّة أو من له الصوت الأعلى في البت في القرار؟
* هذه المرجعيّة هي للمجالس النيابيّة الّتي انتخبها الشّعب، وهم عند أهل السّنّة والجماعة يعدّون الخبراء والفقهاء، في إيران هم من الذين تخرّجوا من الحوزات العلميّة، بينما عند أهل السنّة الفقيه هو كلّ من حسن إسلامه وتبحّر في فرع من فروع المعرفة، فهناك فقهاء في الزّراعة، وهناك فقهاء في الإعلام وهناك فقهاء في السّياسة، الفقهاء إذاً ليسوا فقط من المعمّمين لكنّهم من حسن إسلامهم وتبحّروا في فروع المعرفة المختلفة، هؤلاء حين ينتخبون فهم فقهاء، فانتخابهم في هذه الحالة على أساس من الاختصاص وعلى أساس من حسن إسلامهم، يخوّلهم أن يقرّروا ما هو مباح وما هو غير مباح.

ـ الآن نلحظ العديد من الأخطاء أو عدم الخبرة عند الإسلاميّين في أدائهم للعملية السياسية. أولاً ما الّذي يعيق اليوم الإسلاميين عن الإيفاء بوعودهم، وما هي عملياً أبرز المشاكل الّتي تعترضهم وثبت من خلالها عدم خبرتهم في هذا المجال؟

* هناك عدّة مسائل: المسألة الأولى أن عدم الخبرة ينسحب على الإسلاميين وعلى غيرهم، في غياب الدّيمقراطيّة لم يكن متاحاً لأحد، لا للإسلاميين ولا لغيرهم، أن يمارس العمل السّياسي، من هنا قلّت خبرة الجميع. فليس الإسلاميون وحدهم من يعاني في هذا الإطار..
المسألة الثانية  أنّ هؤلاء تولّوا السلطة منذ عدّة أشهر فلا نستطيع أن نحاكمهم الآن، هم يتولّون السّلطة لأوّل مرّة، فلا يمكن بعد عدّة أشهر، أن نحكم على تجربتهم بالنجاح أو الفشل، لكن نستطيع أن نقول أن هناك أخطاء حصلت بسبب قلّة الخبرة في العمل السّياسي، وقلّة الخبرة في التّوافق الوطني، وقلّة الخبرة في العلاقات الخارجيّة، وقلّة الخبرة في تحويل الشعارات والتّعاليم إلى سياسات.

ـ تحدّثتم في إحدى مقالاتكم حول هذا الموضوع وأبديتم تخوفاً من أن يتحوّل شعار “الإسلام هو الحلّ” إلى شعار “الإسلام هو المشكلة”، ما هي الخطوات العمليّة الّتي يمكن أن يتّبعها الإسلاميون حتى لا يقع المحظور؟

* الخطوة الأولى هي في أن يتعلّموا كيف يحوّلون الشعارات إلى سياسات؛ في السابق كانوا يتحدّثون في المطلق، وأنا قلت إنّ ابتلاءهم كان بالإقصاء، الآن ابتلاؤهم في التمكين. المشكلة الكبرى الآن هي كيف تدير البلد بعد أن أمسكت بالسلطة وهذا ما يحتاج إلى وقت وإلى صبر وإلى تعاون مع الجميع.

ـ هل برأيك هناك من يعيق حركة الإسلاميين سواءً في الدّاخل أو في الخارج؟

* طبيعي، أولاً هناك بين الإسلاميين أنفسهم جهات قاصرة ولها مفاهيم مختلفة خصوصاً تيّارات الغلوّ سواءً كانوا يسمّون أنفسهم سلفيّين أو جهاديّين، وهناك في الدّاخل خصوم للحالة اللإسلاميّة سواء الّليبراليون أو العلمانيّون، وأيضاً هناك القوى الخارجيّة المتمثّلة في أصحاب المصالح الغربيّة والإسرائيليّة. الخصوم إذاً هم في داخل الصّف الإسلامي، وفي داخل الجماعة الوطنيّة، وخارج حدود الوطن.

ـ لكنّ هناك رضى على الإسلاميين من الأميركيّين؟!

* هذا ليس رضى ولكنّه قبول بالأمر الواقع. يعني لو جيء بغيرهم لرضوا عنهم أيضاً، علماً بأنّ هناك رضاً تكتيكيّاً ورضاً استراتيجياً، فهو يرضى عن السياسة الرّاهنة لكن هل يرضى عن الاستقلال الكامل؟ فهذا رضى مشروط ومرهون بمرحلة تاريخيّة معيّنة، فالأميركيّون الآن يساعدونهم، ليس حبّاً فيهم، لكن أملاً في أنّ يساعد هذا الأمر على الاستقرار، ويساعد في العلاقات مع إسرائيل، وأملاً في أن تستمر سياسات القطيعة مع إيران، وأشياء من هذا القبيل، فهو ليس رضاً لكنّه قبول مؤقّت لمعرفة أين تصبّ السّياسات في نهاية المطاف.

ـ هل سيتحوّل الرّبيع العربي إلى شتاء أصولي في ظلّ ما يحصل وما نسمعه كلّ يوم عن فتاوى التكفير والقتل…؟

* نحن نتحدّث عن أشهر أو سنة أو سنتين، هذه المسألة تحتاج إلى وقت طويل، فالثورة الإسلامية في إيران مضى عليها أربع وثلاون سنة إلى الآن، نستطيع أن نحكم على تجربتها، أما رئيس مصر فليس لديه أكثر من ثمانية أشهر في الحكم، فمن المبكّر الحديث عما إذا كان الرّبيع سيتحوّل إلى شتاء أو لا، لكن دعونا نتعامل مع الربيع ولا نتطلّع بعيداً في المستقبل لأنّنا لا نستطيع التكهّن قبل أن تتبلّور التجربة..

ـ هل ترى مستقبلاً للدين كنظام سياسي في العالم العربي؟

* أولاً من حيث المبدأ هذه الشّعوب مسلمة بطبيعتها، وطالما أن هناك ديمقراطيّة حقيقيّة فسيُحتكم إلى آراء النّاس وفي هذه الحالة سيكون للدّين مكانته الطّبيعيّة سياسياً لأنّه يشكّل جزءاً من الهويّة، ولهذا فإنّ مستقبل الدّين أصبح مرتبطاً بمستقبل الدّيمقراطيّة في العالم العربي، فإذا كان هناك انتخابات حرّة فلا قلق في هذه الحالة، بل القلق في غياب الدّيمقراطيّة..

ـ هل باستطاعة دولة ذات مرجعيّة دينيّة أن تؤسّس فعلاً لدولة مدنيّة؟

* لا بدّ أن نتّفق ما المقصود بالدولة المدنيّة في هذه الحالة، نحن نفهمها باعتبارها دولة المؤسّسات، وبالتّالي فهي لا تخاصم الدّين. نحن نعتبر أنّ الدّولة الإسلاميّة كانت دولة مدنيّة، وأنّ الأوقاف هي الّتي بنت المجتمع المسلم، فلدينا تجربة طويلة في هذا المجال، وبالتالي الإجابة نعم إذا ما كان المقصود بها دولة تقوم على المؤسّسات ولا تخاصم الدّين.

ـ على مقلب آخر لماذا يُعمد اليوم إلى الدمج بين سياسات بعض الدول مع مذهبها؟ كما هو الحال مع إيران والمذهب الشّيعي، وكيف نعيد الوئام اليوم بين المسلمين مع وجود مثل هذا الدمج؟

* علينا أن نعزل المنافع والمصالح عن المذاهب، نحن كنّا نتعامل أميركا وكنّا نتعامل مع أوروبا، وإيران الشّيعيّة تدعم حماس وتتعامل مع تركيا المسلمة العلمانيّة، ولها سفير في السّعوديّة، التي هي الأكثر خصومة للشّيعة، فالسياسة الإيرانية من هذه الزّاوية هي سياسة جيّدة. ما حصل أنّ الخلاف سّياسي، سواءً كان في العراق أو في سوريا أو غيرها، بينما المنافع مستمرّة فالأمر له علاقة بعزل الخصوصيات الدّينية عن السّياسة.
فلننحّي المذاهب والعقائد جانباً ثمّ نتكلّم عن المصالح الّتي تصبّ في النّهاية لمصلحة عموم المسلمين والشّعوب، هذا هو الحلّ، أمّا خلط السّياسة بالمذاهب فهذا أمر شديد الخطورة ومشكلة كبيرة لا حلّ لها.

ـ هل تقلقون من حرب مذهبيّة في الشّرق الأوسط؟

* لا بدّ أن نحذّر من الفتنة، ولكن أشكّ في حدوث حرب مذهبية لأنّ العالم العربي لا يحتمل ذلك، فضلاً على أن هناك قوى متعدّدة حريصة على ألا تقع مثل هذه الحروب، وعلى العقلاء أن يوقفوها عند حدها وأن يَحولوا بكل جهد دون حصولها…

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.