واشنطن… ركوب موجة الحراك الشعبي واستغلال أوجاع اللبنانيين

 

من الواضح أن الرهان على الدور الأمريكي في المنطقة عامة وفي لبنان خاصة أصبح مأزوماً، من ناحية، بمنطق الأزمة الشاملة للنموذج الرأسمالي العالمي، ومن ناحية أخرى بسبب تراجع المخطط الأمريكي الإقليمي وخاصة في سوريا. وهذا ما ينعكس بالضرورة على الساحة اللبنانية ويدفع بالولايات المتحدة إلى التوسع في نطاق تدخلاتها بالشؤون الداخلية في هذا البلد. لكن اللبنانيون من مختلف الاحزاب والشخصيات السياسية والدينية اللبنانية مجتمعون على رفض هذه التدخلات.

في احدث التدخلات الامريكية في الشأن الداخلي اللبناني قال وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو قبل يومين إن الوضع المالي في لبنان خطير جداً والضغوط على البنك المركزي كبيرة، مطالبا بـ”تحرر لبنان من التدخلات الخارجية”حسب زعمه، مضيفاً: “نحن مستعدون للمساعدة لإنعاش اقتصاده”.

واضاف بومبيو: “صنّفنا حزب الله كمنظمة إرهابية، ونحن مستعدون لمساعدة الشعب اللبناني للتخلص من الوصاية الخارجية”، بحسب تعبيره.

وكانت زيارة بومبيو إلى لبنان في شهر مارس 2019 تأكيداً على هذا النهج الذي اعتمدته الولايات المتحدة في كل التدخلات السابقة الهادفة إلى الحفاظ على أدوات سيطرتها في لبنان، ومنها النظام المصرفي اللبناني، وبعض التابعين لها “أباً عن جد”، حيث تسعى من خلال هذه الادوات إلى تنفيذ سياساتها ومخططاتها وجعل سيطرتها مطلقة ودائمة، ومنها زيادة الحصار المفروض على حزب الله ومحاولة إطالة أمد الازمة السورية من خلال عرقلة ملفّي النازحين وإعادة الإعمار. إن كل من راهن على الدور الأمريكي في المنطقة وجد نفسه الآن في مأزق، لأن رهانه هذا ليس ناتجاً إلّا عن مصالح اقتصادية مرتبطة بشكل وثيق بالحلف السعودي-الأمريكي-الصهيوني المأزوم أساساً.

وفي موقف أميركي آخر يترجم سياسة التدخل نفسها، قالت المندوبة الأميركية الدائمة لدى الأمم المتحدة كيلي كرافت في أول مؤتمر صحفي تعقده في الأمم المتحدة في 6 ديسمبر 2019 إن “الإضطرابات ستتواصل في لبنان وسوريا واليمن وفي أيّ مكان توجد فيه إيران ما لم تؤتِ حملة الضغط الأقصى الأميركية ثمارها”، وفق تعبيرها.

وقبل ذلك في نوفمبر 2019 حاول السفير الاميركي السابق في لبنان جيفري فيلتمان في تصريحات امام الكونغرس تحريض الشعب والجيش اللبنانيين على حزب الله في محاولة ابتزاز واضحة بربط الدعم الأميركي للجيش والدعم الدولي لاقتصاد لبنان، بعزل الحزب ورفض سياساته داخل الحكومة، وخصوصاً المتعلقة بخيار المقاومة.

ودعا فيلتمان إلى توظيف هذه الاحتجاجات من أجل تحريض الشعب والجيش اللبنانيين على حزب الله في محاولة ابتزاز واضحة بربط الدعم الأميركي للجيش والدعم الدولي لاقتصاد لبنان، بعزل الحزب ورفض سياساته داخل الحكومة، وخصوصاً المتعلقة بخيار المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي أو لجهة التحالف مع محور المقاومة في المنطقة.

تصريحات فيلتمان هذه واجهت رفضا قاطعا من قبل مختلف الاحزاب والشخصيات الدينية والسياسية الى جانب المواطنين العاديين الذين اكدوا من خلال التظاهر رفضهم لسياسات الادارة الاميركية التدخلية في شوون بلادهم.

وفي سياق ردود الافعال على هذه التدخلات قال الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في كلمةٍ متلفزة امس الجمعة، إن “الأميركيين كثيراً ما يسارعون إلى استغلال أي احتجاجات شعبية من خلال ركوب موجتها بما يخدم مصالحهم ومشروعهم” مشيراً إلى أن “الإدارة الأميركية افترضت منذ البداية أن التظاهرات في أي مكان توجد فيه إيران ستستمر ما لم تؤت الضغوط ثمارها”..

وأوضح أن تصريحات وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو، بشأن التظاهرات بينت أن “المأزق في لبنان ناجم عن حزب الله ومن هنا دعاهم إلى التخلص منه” لافتا إلى أن “الأميركيين والإسرائيليين يحاولون استغلال التظاهرات لأنهم عجزوا على مدى عقود من حل خطر المقاومة عليهم”، مؤكداً أن واشنطن تمارس “أسلوب الابتزاز وليس مساعدة الشعب اللبناني”.

من جانبه أكد نائب رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله الشيخ علي دعموش في تصريح صحفي أن التدخلات الأمريكية في شؤون لبنان تأتي خدمة لأهداف العدو الإسرائيلي ومطامعه.

وقال دعموش “الإدارة الامريكية تستخدم كل أشكال الضغوطات بما فيها الضغط المالي والاقتصادي والسياسي والإعلامي في محاولة منها لتمرير مشروعها في لبنان وتحقيق مجموعة أهداف سياسية بخصوص إخضاع لبنان”.

واوضح ان تصريحات وزير الخارجية الاميركي الاخيرة، والتي اعتبر فيها الحراك الشعبي في لبنان فرصة للضغط على حزب الله وإضعافه وإخراجه من المعادلة تؤكد ان الإدارة الاميركية وبمساعدة أدواتها في الداخل ركبت موجة الحراك الشعبي، واستغلت الشارع وأوجاع الناس.

وتابع دعموش “يجب أن نبقى متيقظين ومتنبهين لأننا معنيون بإحباط هذا المشروع وإفشاله ومواجهته سياسيا وإعلاميا وشعبيا من خلال التمسك بوحدتنا الداخلية وعدم الإنجرار إلى الفوضى والفتنة التي تصب في مصلحة أميركا والعدو الإسرائيلي”.

من جانب آخر أكد تجمع العلماء في جبل عامل بلبنان أن الفوضى التي يحاول المخطط الصهيوني الأمريكي نشرها في المنطقة تلتقي مع مؤتمرات التطبيع التي تنعقد تحت مسميات خادعة هدفها الأول والأخير خدمة العدو الإسرائيلي وعبر في بيان عن إدانته التدخلات الأمريكية في شؤون لبنان.

وفي هذا السياق قام عدد من المحتجين في لبنان باحراق العلمين الاسرائيلي والأميركي احتجاجا على التدخل في شوون بلادهم وأطلقوا هتافات ترفض التدخل الأميركي ومنها: “فيلتمان اطلع برة أرض بلادي بتبقى حرة”.

وحزب الله وعلى لسان نائب امين عامه الشيخ نعيم فضل الله قال ان “المعرقل الأول في تشكيل الحكومة هو أمريكا لأنها تريد حكومة على شاكلتها ونحن نريد حكومة على شاكلة الشعب اللبناني وحاجات الشعب اللبناني”.

وأضاف ان “أمريكا تتحرك في الخفاء وتفرض شروطها وتسعى إلى أن تكون النتائج لمصالحها، وهذا ما يجعل الأزمة تأخذ وقتا إلى حين يأس الأطراف الخارجية من إمكانية تحقيق ما يريدون”.

وعن كلام فيلتمان حول الأزمة اللبنانية قال الشيخ قاسم: “فيلتمان يقول بوضوح ماذا تريد أمريكا. تريد أمريكا حكومة لا سياسة فيها على قاعدة أنها تعتقد بأنها تؤثر أكثر، هذا هو الرأي الأمريكي، وتريد حكومة تعمل مع الغرب وتراعي المصالح الأمريكية بشكل مباشر، هذا هو مضمون كلامه، نحن يجب أن نعمل بما يراعي مصالح لبنان وبما ينسجم مع خيارات الشعب اللبناني.

وفي شهر سبتمبر 2019 زار نائب وزير الخزانة الأميركي العاصمة بيروت، والتقى عدداً من المسؤولين اللبنانيين، في جولة قال المراقبون إنها تأتي للتقصي والتحقق من العقوبات التي تفرضُها الإدارة الأميركية على القطاع المصرفي وبعض الشخصيات اللبنانية. هذه زيارة لم تخلو من التدخل الامريكي بالشؤون اللبنانية والضغط على الحكومة اقتصاديا من خلال فرض المزيد من العقوبات على المصارف وبعض الشخصيات.

وقال الكاتب والسياسي اللبناني ناصر قنديل بخصوص هذه الزيارة: “يأتي معاون وزير الخزانة الامريكية لبيروت لتهديدات واضحة بأن الذي جرى مع بنك الجمال سوف يتكرر مع بنوك لبنانية أخرى. ليست القضية قضية مخالفين في الحسابات ولا مخالفين في البنوك، القضية قضية سياسةالدولة اللبنانية”.

والاوساط الاعلامية اعتبرت زيارة الموفد الامريكي تدخلا سافرا بشؤن لبنان. ووضعتها في خانة الوصاية التي تمارسها ادارة ترامب على بعض دول المنطقة.

اضعاف حزب الله والنفط

ويرى خبراء لبنانيون، إن الولايات المتحدة الأمريكية لديها سلة من الأهداف في لبنان، وإنها تدفع نحو تدويل الأزمة وفتح باب التدخلات الخارجية مؤكدين إن إضعاف “حزب الله” أو نزع سلاحه وكذلك الاكتشافات النفطية في المياه اللبنانية ضمن أهداف الجانب الأمريكي في لبنان.

وقال العميد شارل أبي نادر لوكالة سبوتنيك إن التدخلات الأجنبية تلعب دورا فاعلا في توسيع الأزمة الحالية في لبنان، لناحية التدخلات بالسياسة الداخلية عبر الإيحاءات الخارجية بضرورة تعيين حكومة تكنوقراط بالكامل دون سياسيين.

واشار إلى الدور الخارجي وخاصة الأمريكي في تأزيم الوضع الاقتصادي والمالي، عبر الضغوط المالية، وعرقلة أو تأخير التحويلات، وعرقلة موضوع استخراج النفط وما شابه ذلك مضيفا : “يجب أن يتمحور الدعم الدولي، وخاصة الفرنسي، من ناحية المساعدة على تخفيف التدخلات الأمريكية، وكلام السفير السابق جيفري فيلتمان الأخير أمام الكونغرس، يشير بشكل واضح إلى هذه التدخلات، وإلى الدور الأمريكي في تأزيم الأوضاع في لبنان”.

من ناحيته، قال الكاتب والمحلل السياسي محمد سعيد الرز، أنه إلى جانب الولايات المتحدة فإن أوروبا تنظر إلى ثروة النفط والغاز المكتشفة في المياه الإقليمية اللبنانية تابعا “إذا كان معلوما لدول العالم أن لبنان مقبل على اكتشافات هامة بحرية في النفط والغاز فإن هذا الأمر سيدفع بالمجتمع الدولي لانتهاز أية فرصة تمكنه من الدخول إلى الساحة اللبنانية”.

ويشهد لبنان احتجاجات، منذ 17 أكتوبر الماضي، ولم تتمكن القوى السياسية من التوافق على تسمية رئيس وزراء جديد، منذ أن أجبرت تلك الاحتجاجات سعد الحريري، على تقديم استقالة حكومته، في 29 من الشهر ذاته، لتتحول إلى حكومة تصريف أعمال.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.