وانتظمت حبّات المحور… ماذا بعد؟

موقع قناة الميادين-

محمد جرادات:

يبدو المشهد الفلسطيني والعربي والإسلامي، وحتى الدولي، مواتياً بصورة أفضل من ذي قبل لكي يفرض المحور إيقاعه في ظلّ شرق عالمي آخذ بالتبلور. وقد تجاوز هذا الشرق معركة سوريا، وهو الآن يخوض معركة أوكرانيا.

العناق الفلسطيني السوري على مائدة الأسد بحضور “حماس” الاستثنائي، بما تمثله من ثقل فلسطيني وإسلامي، أدخل محور المقاومة في انتظام غير مسبوق منذ أكثر من عقد، بما يساعد على ترتيب الأولويات الميدانية وفق البوصلة التي تأسَّس في وجهتها هذا المحور، تبعاً لمشروع مركزية فلسطين، بما يطوي مخلّفات الحريق العربي، وقد انبعث على وهجها ربيع الدعشنة السلفية بكل مسمياتها، وفق بوصلة تدير ظهرها لفلسطين تأصيلاً وتفصيلاً.

لقاء الصراحة في دمشق يبشّر بطور جديد بين أهم روافد المحور، فحماس بسيطرتها على غزة وتحويلها إلى ترسانة صاروخية، وبما تملكه من تأثير شعبي في الضفة، ومع خلفيتها الفكرية، بما يبقيها في علاقة إجبارية مع الطيف الإخواني، سواء في فلسطين عام 48 أو في الإقليم العربي والإسلامي، تبقى التنظيم الفلسطيني الأكثر ضرورة لانتظام حلقات المحور، وخصوصاً في بعده السوري.

وسوريا أكثر من دولة طوق في مواجهة عدو الأمة المركزي، فهي بعد فشل الحرب عليها، وإن لم ينتهِ فصلها الأخير، صارت أكثر أهمية في معادلة المحور الممتد من طهران حتى القدس، وخصوصاً في ظل عدوان إسرائيلي متجدد على مدنها ومطاراتها، وهو عدوان يفرض وحدة الميدان السوري مع البؤر الساخنة من غزة حتى جنين ونابلس.

هذا الانتظام الاستراتيجي، وقد سبق للشهيد فتحي الشقاقي أن نجح في تعبيد طريقه، بحسب القيادي السابق في حماس الدكتور مصطفى اللداوي (لم يكن لحركة حماس منتصف عام 1991 مكتب في دمشق، فما كان من الشهيد الدكتور فتحي الشقاقي إلا أن فتح مكتبه الوحيد في مخيم اليرموك للحركة، وسخَّر لها ما فيه من معداتٍ وآلياتٍ لتبدأ العمل. ويوم قررت الحركة شراء مقرٍ لها في دمشق، قام الدكتور فتحي الشقاقي بدفع ثمن المكتب والسيارة، واستعاد من الحركة في ساحةٍ أخرى المبالغ التي دفعها). لذا، لا يبدو غريباً أن يترأس الأمين العام للجهاد زياد نخالة وفد فلسطين بكل فصائله في لقاء الرئيس السوري، بما يعيد الانتظام إلى نبضه التاريخي، وإن كان وفق معادلة مستجدة.

إيقاع هذا الانتظام في محور المقاومة، يتحقق عندما تتراصّ مداميكه، رغم التباين الأيديولوجي النسبي، حيث تعود “حماس” إلى حضن ياسمين الشام عبر بوابة بيروت، وهي تفرض معادلة غاز بحرها بقوة السلاح، بما يوسّع فضاءات “حماس” ضمن معادلة كهذه ليس فيها استجداء الحياة، في وقت يقتتل بقايا “إخوة الجهاد” السلفي في شمال سوريا على اقتسام كعكة المعابر والنفوذ، بعد انكفائهم عن معظم الأرض السورية، وقد غرّروا بغالبية تيار الإسلام السياسي عبر النافذة التركية، وهي نافذة لم تعارض اليوم عودة “حماس” إلى ينبوع تدفقها الجهادي، ربما للخلاص من بعض وجودها في الأرض التركية. وقد أخذ اصطفاف المواجهة يتبلور بين مطبّع مع العدوّ أو مقاوم لأصل وجوده.

كيف يبدو مستقبل المحور بعدما رست شباك “حماس” في مينائه السياسي؟ هل يمكن لهذا المستجد أن يساهم في تغيير قواعد الاشتباك مع العدوّ فلسطينياً وإقليمياً أو أنَّ الأمر لن يعدو كونه شبكة علاقات سياسية ليس للميدان ولا للحرب ناقة فيه ولا جمل؟

إن مسار النار الإسرائيلية، عبر أذرعها الأمنية، وتداخلها مع الألاعيب الأميركية وفق الخطة (ب)، بعد فشل الخطة (أ)، من بغداد وتبلور أوعية الحكم فيها، إلى بيروت وقرب خروجها من التأزم الاقتصادي، مروراً بصنعاء وانهيار هدنة الضرورة فيها، حتى طهران وفشل الفتنة على الحجاب، بما يؤكد إصرار “تل أبيب” على تسخين الحرب الهجينة على المحور.

ينشغل الأميركي بالحرب ضد روسيا، ولكن عينه لا تغادر تطورات الشرق الأوسط. وقد أجمع الغرب وربيبته “إسرائيل” على خطورة المسيّرات الإيرانية وهي تحدث نقلة في قواعد الاشتباك لمصلحة روسيا، رغم النفي الإيراني، بما يوجب على أطراف المحور المبادرة إلى تجاوز مسار النار الإسرائيلية، اغتناماً لفرصة انهماكها في مشاغلة القدس والضفة وقد أخذت عملياتها بالتصاعد.

تصاعدت المواجهة في نابلس والقدس بعد مراوحتها في جنين شهوراً طويلة، رغم إعاقة جهود “الجهاد الإسلامي” في “وحدة الساحات” مع مقاومة غزة، وإن أحدثت نقلة نسبية، وخصوصاً في تنظيمها مهرجاناً موحداً بين جنين وغزة وبيروت ودمشق وصنعاء مرتين متتاليتين خلال شهور قليلة، بما يتيح للمحور نشر ثقافته الجهادية، وتوسيع نبضه المقاوم عبر فضاء أرحب، بما يعزز الشرط النفسي والسياسي لتجاوز مخلّفات الحريق العربي، وخصوصاً في قلب هذا الحريق؛ سوريا.

يبدو المشهد الفلسطيني والعربي والإسلامي، وحتى الدولي، مواتياً بصورة أفضل من ذي قبل لكي يفرض المحور إيقاعه في ظل شرق عالمي آخذ بالتبلور. وقد تجاوز هذا الشرق معركة سوريا، وهو الآن يخوض معركة أوكرانيا، بما يساعد على ظهور عالم متعدد القطبية، مع تعزيز العلاقة الاستراتيجية مع الصين وروسيا.

ويأتي استقرار سوريا وثبات الدولة فيها مترابطاً مع تطورات أوكرانيا، نظراً إلى الدور الروسي وتناقضه مع الوجود الأميركي في شرق سوريا، وجهوده في لجم التركي عن أدنى طموح في شمال سوريا، بما يعيد وحدة أرضها.

إنّ متتبّع الهزيع الذي ضرب أعداء سوريا وهم يشاهدون عودة حماس الدافئة إلى دمشق، يرى بوضوح مدى التغيّرات التي نجح المحور في صياغتها، وهو يجمع على مائدة أولوياته طرفين فرّقتهما ألاعيب السياسة وجمعتهما بوصلة القدس، في فرصة جديدة لوحدة الجبهات، بما يحكم طوق النار حول العدوّ إذا فكّر في اجتثاث واحد من أطرافه، أو عندما تنضج قدراته لخوض المعركة الكبرى، وإن طال انتظارها.

عضّت سوريا على جراحها، وتجاوزت حماس خلفياتها الإخوانية، فكسب كلاهما محوراً غده ليس كأمسه، ومستقبله في تماسكه، وكل مفرداته تدرك أن لا مستقبل للشرق برمّته ورأس حربة الغرب تنغرس في قلبه فلسطين.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.