وثيقة التفاهم بين التناغم في الملفات الداخلية، والانجازات على المستوى الاستراتيجي

aoun+nasrallah

موقع التيار الوطني الحر ـ
نسيم بو سمرا:

تسع سنوات على وثيقة التفاهم بين التيار الوطني الحر وحزب الله، تفاهم بدأ محدودا قبل أن يتحول تحالفاً مفتوح الاتجاه بسبب السلوك العملي في المحطات السياسية المختلفة. هذا ما أكّده نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم خلال لقائه أمس وفدا من قطاع الشباب في التيار بدعوة من التعبئة التربوية في حزب الله، فغداة ذكرى الخامس من شباط 2006 المشؤومة، تمظهرت بتظاهرة احتجاجية على نشر رسوم كاريكاتورية للنبي محمد في الدانمارك، نظمها السلفيون في لبنان والذين أظهروا وجههم الحقيقي منذ ذلك الحين وهم أنفسهم منخرطون اليوم في داعش والنصرة، يقاتلون الجيش اللبناني والسوري على حد سواء، وقد سبق النزول إلى الشارع آنذاك تصعيد في الخطاب الفتنوي لتبرير أعمال الشغب التي رافقت لاحقاً التظاهرة بقيادة التيار السلفي والتي طاولت كنيسة مار مارون من خلال تكسير الصليب الذي يتصدر مدخلها بالاضافة الى حرق السفارة الدنماركية والاعتداء على الاماكن العامة والخاصة في الاشرفية، هذه الإعتداءات حصدت ثمانية وعشرين جريحا من المواطنين، ولولا الوعي الذي ترجمه أولا أبناء الأشرفية وثانيا الفريقان المؤثران على الساحة الشعبية ويتمثلان بالتيار الوطني الحر وحزب الله، في مقابل قوى 14 آذار الداعمة لتلك الغزوة، لكانت نتائج هذه الغزوة التكفيرية للأشرفية في ظلّ الانقسام العامودي بين القوى السياسية في ذلك الوقت، وخيمة على السلم الأهلي في لبنان، ولولا بالتحديد حكمة العماد ميشال عون والسيد حسن نصرالله بالاسراع الى عقد التفاهم في السادس من شباط 2006 في كنيسة مار مخايل لدرء الفتنة، نجحا بواسطتها في إخمادها في مهدها، لكان المسار السياسي في تلك المرحلة الهشة من تاريخ لبنان، اتخذ منحا آخر.

إنّ ما حصل من مظاهر داعشية في واقعة الأشرفية، واستمر حتى معركة طرابلس الأخيرة التي خاضها الجيش ضد عصابات شادي المولوي وأسامة منصور، وانتصر فيها، ما أرسى حالة من الاستقرار في المدينة فقدته خلال كل المرحلة السابقة، فيما تواري الارهابيان المولوي ومنصور يخضع لحسابات أخرى لا مجال لتفصيلها هنا، أمّا الوضع الأخطر راهنا على الاستقرار الداخلي، فناتج عن الازمة السورية، ويتمثّل بجبهة عرسال وينسحب على جبهات أخرى في بريتال ورأس بعلبك، وتخاض يوميا في تلك المناطق معارك شرسة ضد المجموعات التكفيرية التي تحاول خرق الجبهة الداخلية المتراصة، إن من خلال استغلال معاناة أهالي العسكريين المخطوفين لديها، أو من خلال بعض المأجورين من سياسيين وزعماء في الداخل، يبررون جرائم تلك الجماعات من خلال تهجمهم على الجيش والمقاومة، ما يضعف الحس الوطني لدى بعض شرائح مجتمعنا، ويخلق مناخا مشجعا للبيئة الحاضنة لهؤلاء السفاحين.

ولذلك تكمن أهمية المقاومة في هذه المعركة المصيرية التي يخوضها لبنان ضد التكفير، فالمقاومة بانخراطها في الحرب السورية، شكّلت عمقا استراتيجيا للجيش اللبناني بمواجهتها للإرهاب في عقر داره، ما عطّل القاعدة التي تنطلق منها هذه الجماعات في خط خلفي آمن، وباتت هذه الجماعات مشغولة في حماية ظهيرها من المقاومين الأبطال وضاقت بالتالي سبل المناورة لديهم، وتأتي محاولاتهم اليائسة بخرق دفاعات الجيش والمقاومة في الجرود الشمالية الشرقية، لتثبت عجزهم وضعفهم في الميدان السوري واللبناني، وتبرز في هذا السياق معادلة الجيش والشعب والمقاومة، إذ رأينا كيف يهب أهالي القرى الأمامية في الدفاع عن أنفسهم كلما تجرأ التكفيريون وحاولوا التقدم من الجرود لارتكاب جرائمهم في لبنان، أمّا بالعودة الى ورقة التفاهم، فهي كانت العامل الابرز في انتصار لبنان على إسرائيل في ال 2006 والذي شكّل النقطة المحورية لتبديل قواعد اللعبة وتراكمت الانجازات منذ ذلك الحين، ليتمكن لبنان من تغيير قواعد الاشتباك في عملية مزارع شبعا الأخيرة، ردا على عملية القنيطرة الإسرائيلية، فهذه الانجازات الوطنية مردها في شكل أساس، الثقة التي خلقتها ورقة التفاهم بين مكونات الشعب اللبناني الذي ساهم بتكاتفه وتضامنه في حماية لبنان من إسرائيل ووجهها الآخر المتمثل بالارهاب التكفيري، وقد اعترف شركاؤنا الآخرون في الوطن ولو متأخرين، وهم شككوا وسخّفوا لا بل ارتعبوا من تقارب التيار وحزب الله، فرغم نكرانهم لأهمية ورقة التفاهم والتي بقيت مفتوحة لهم للإنضمام اليها، التحقوا اليوم بعد ما يقارب التسع سنوات على إبرام وثيقة التفاهم، ولو بطريقة غير مباشرة من خلال حوار تيار المستقبل وحزب الله وايضاً الحوار الذي انطلق بين القوات والتيار، إلاّ ان النصف الآخر من السؤال المطروح يبقى: هل تمكنت وثيقة التفاهم من تحقيق الانسجام في الملفات الداخلية بين أطرافها، كما نجحت على المستوى الاستراتيجي؟

لم تحل المطبات الكثيرة على المستوى الداخلي، دون تحقيق التناغم بين الطرفين، ولحاق حزب الله بمسيرة الاصلاح والتغيير التي أطلقها العماد عون لدى عودته الى لبنان في السابع من أيار 2005، فدعم الحزب وحلفاؤه في مؤتمر الدوحة مطلب التيار الوطني الحر بتطبيق قانون الستين في الانتخابات النيابية ودعمهم لاقتراح اللقاء الارثوذكسي لما يؤمنه هذا المشروع من مناصفة حقيقية بين الطوائف كانت فقدتها في النظام السياسي بعد اتفاق الطائف، ودعم حزب الله اليوم والحلفاء، العماد عون لرئاسة الجمهورية، وليس مجاملة، بل لاقتناعهم بضرورة وصول رئيس قوي في هذه المرحلة بالذات من تاريخ لبنان، لما يمثله العماد عون على الصعيد الوطني والمشرقي ايضا، وبات لزاما على حزب الله والتيار الوطني الحر اللذين لم يتورطا في حلقة تدمير لبنان خلال الحرب اللبنانية، أن يبادرا الى التنسيق الجدي والفاعل لتحصين صفوفهما من أي اختراق يهدف الى إلهائهما عن تحقيق هدفهم في بناء الدولة القوية القادرة والعادلة، والشبه بين التيار الوطني الحر وحزب الله يصبح جلياً عند مراجعة أداء الطرفين اللذان لم ينزلقا الى ممارسة الفساد وسياسة الإفساد، فجيوبهم فارغة من أي عمولة وضميرهم مرتاح من أي جريمة وسجلهم خال من أي عمالة، وهما يملكان القدرة والعزيمة على الحفاظ على الإنجازات المشتركة التي تحققت لغاية اليوم ، فالتاريخ النضالي المقاوم لهاتين الظاهرتين في تاريخ لبنان المعاصر، يشكل نموذجا يحتذى به لبناء لبنان الغد.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.