وحدة السّاحات نتيجة وليست مطلباً…

جريدة البناء اللبنانية-

صادق القضماني:

سورية عمود خيمة محور المقاومة ودمشق نبض العروبة النّابض، وإيران ركيزة محور المقاومة وشعبها نابض بحبّ فلسطين كبوصلة حقّ والقدس قبلة وطنية ودينيّة، والمقاومة اللّبنانية عمود في خيمة العروبة ونموذج للإسلام الحنيف.

وحدة السّاحات استراتيجية ثابتة في ذهنيّة ونهج محور المقاومة، وتتجلّى التّحالفات مع كافّة القوى والفصائل العربيّة والإسلاميّة تحت راية الهويّة والمقاومة، ليجمع الحلف فسيفساء تُعزِّز قوّة وثبات هذا الجسد بحريّة الفكر والانتماء لكلّ دولة وحزب وفرد فيه، فوحدة السّاحات نتيجة توافق استراتيجي لكلّ من تبنّوا نهج عدم التّفريط والاستسلام، بل ساحة لكلّ من يناضل من أجل تحرير فلسطين والجولان من الاحتلال الصّهيوني، واجتثاث الاستعمار الأجنبيّ من أيّ أرض محتلة في كلّ مكان.

محاولة فصل السّاحات ودقّ الإسفين بينها لم تبدأ كهدف في المعركة الأخيرة على غزة، والتي أفشلها الجهاد الإسلامي، فقد حاولت الإدارة الأميركية خلال زيارة وزير خارجيتها آنذاك لدمشق، وعرض على القيادة العربيّة السورية بقيادة الرّئيس الدكتور بشّار الأسد فكّ الارتباط بين سورية وإيران وإنهاء العلاقة مع حزب الله، وإخراج فصائل المقاومة الفلسطينيّة من سورية مقابل جعل سورية خارج الحصار الاقتصادي وصديق مقرب للولايات المتحدة وذلك بهدف لتصفية القضيّة الفلسطينيّة خدمة للكيان الصهيوني. حيث استطاع الرّئيس الأسد بذهنيته الوطنيّة وكقائد يمثّل عقيدة الدّولة العربيّة السّوريّة برفضه القاطع للمطالب الأميركيّة تجسيد فكرة أنّ وحدة السّاحات ليست شعاراً فضفاضاً، بل مشروع ثابت واستراتيجيّ لكلّ من يؤمن أنّ ثمن المقاومة أقلّ تكلفة من ثمن الاستسلام، هذا شعار للرّئيس بشّار الأسد، وبهذا وضع حجر الأساس لإفشال مشروع «الشّرق الأوسط الجديد» حتى قبل أن يظهر علناً في سلوك وخطاب الإدارة الأميركيّة، فكانت سورية نبض العروبة واستمرت بتوصيفها أيضاً عمود خيمة حلف المقاومة وركيزة وحدة السّاحات لما تمثّل في تاريخها وموقعها وعقيدتها ونهجها.

لم تنفك الإدارة الأميركية والكيان الصّهيوني من دقّ الأسافين ضدّ الجمهورية الإسلامية في إيران التي تبنّت من روح ثورتها القضية الفلسطينيّة كبوصلة، وطردت سفير الكيان من أراضيها لحظة تسلّمها السّلطة، لينشغل العدو باستراتيجية خلق عدوّ وهمي للعرب من خلال طرح خطر الدّولة الفارسية على العرب ومستقبلهم من جهة، ومن جهة أخرى دقّ إسفين على أساس مذهبي بين السّنّة والشّيعة كأداة في معارك كيّ الوعي في الشّارع.

استطاعت القيادة الإيرانية دحض كلّ هذه البروباغاندا من خلال سلوكها العقائدي الوطني والدّيني بالنّهج الاستراتيجي، فقد مكّنت علاقتها المميّزة بالدّولة السّورية على أساس المصالح الوطنية المشتركة والقضية المركزية الجامعة أيّ قضية فلسطين، ولا بدّ من ربط سلوكها الدّينيّ كقيادة شيعية في دعم كافّة القوى الوطنية المقاومة ضدّ الكيان الصّهيوني، بدون شرط أو قيد ولم تميّز بين انتماء مذهبي وآخر وبذلك شكّلت نموذجاً عميقاً لمضمون ذهنيتها الاستراتيجية، وهنا لا بدّ من وضع القارئ في حقيقة مغيّبة يجب أن يعتمدها برؤيته للقيادة في الجمهورية الإسلامية في إيران، فالانتماء للمذهب الشّيعي بقومية فارسية فيه ميزة إيجابية، فهم من أهل ديانة إسلامية نبيّها عربيّ، وقرآنها عربيّ، وكعبتها في مدينة ودولة عربية ومن الطّبيعي أن تكون قبلتهم الثّانية القدس العربية، فهذه الحقيقة تقرّبهم من العرب المسلمين كأشقّاء في الدّين وتلغي نظرية المؤامرة التي أرادت أن تظهر أنّ لدى إيران مشروع استعماري أو سيطرة على المنطقة، وقد استطاعت القيادة ومرشدها المعظّم في إيران من تجسيد وحدة السّاحات تحت العقيدة المقاومة براية تحرير فلسطين وكلّ أرض محتلة وعمّق هذا النّهج أبان مساندة سورية في حربها الحالية لاجتثاث الإرهاب وأدوات الاستعمار من أراضيها.

عشر سنوات والإدارة الأميركية تدعم وتموّل كافّة القوى التّابعة لتشويه إنجازات المقاومة اللبنانية، وتهيئة الظّروف لوضع لبنان في أتون حرب أهلية طائفية ومذهبية تهدف للقضاء على قوّة حزب الله العسكرية وإفقاده الشّعبية المتينة لدى شعبنا العربي والإسلامي.

نجح حزب الله في ظلّ قيادة السّيّد حسن نصر الله من امتصاص كافّة الضّربات الدّاخلية، وإفشال مخطّطات العدوّ بالتّزامن مع تثبيت سياسة ردع العدوّ الصهيوني، بل أصبح قوة إقليمية بتدخّله بوفاء منقطع النّظير في سورية للدّفاع عن سيادتها وأمنها وخيراتها، ليمنع في الوقت ذاته تمدّد الإرهاب للبنان، حتّى أصبح عنوان أساسي في الدّفاع عن مصالح اللبنانيين الاستراتيجية وتحديداً في قضيّة ترسيم الحدود ومخزون الغاز والنّفط التي يمتلكها، إضافة لدعمه لكافّة فصائل وأحزاب المقاومة العربية والفلسطينية في كافّة مناطقها تحت استراتيجية وحدة السّاحات، وهنا لا بدّ من التّأكيد على أنّ حزب الله بانتمائه للمذهب الشّيعي المسلم يُعتبر عموداً في خيمة العروبة الحقّة، فقد استطاع سماحة السّيّد وقادة الحزب تثبيت صفات الهويّة القومية والدينية كحقيقة في السّلوك والنّهج، فلا الانتماء للعقيدة الشّيعية يلغي عروبته ولا عروبته تلغي انتماءه الدّيني أو المذهبيّ، فالهوية نتاج جميع الصّفات التي تشكّل الشخصية. وبالتالي فإنّ مجاهرته بانتمائه لنهج سماحة المرشد في إيران لم تلغ انتماءه لهويته العربية، ولذلك فإنّ وحدة السّاحات هي هوية وذهنية عميقة وعقائدية لا يمكن ضعضعتها، قبل أن تتوحّد كجبهة قتالية واحدة.

إنّ كافّة الأحزاب والقوى التي تتبنّى وحدة السّاحات تحت راية القضية المركزية فلسطين هم من تكوين مجتمعنا العربي وهم البيئة الحاضنة للشّعار وقد أصبحت حالة شعبية موحّدة بالهدف حتّى لو اختلفت بالعقيدة المذهبية أو الفكرية او الدينية، فمسيحيّو الشّرق الوطنييون ثابتون في نهج وحدة السّاحات والاحزاب اليسارية بالأيديولوجية عميقة الحضور في وحدة السّاحات والأحزاب القومية العروبية، وهي نهج أساسيّ في وحدة السّاحات على أقلّ تقدير في المقاومة السّياسية والفكرية الوطنية، وهذا المشهد هو ليس تصوّراً لمستقبل بل واقع حال يمثّل حقيقة نبض غالبية الأمّة العربية، التي تبني مشروع المقاومة كبيئة حاضنة، فالعروبة نهج والمقاومة هي الحلّ والمحور والعنوان.

العقائد الفكرية المقاومة، العروبة المقاومة، الإسلام المقاوم والمسيحية المقاومة… نهج يجمع ولا يفرّق، فهذه فلسطين تقاوم من أجلنا جميعاً، فبالأمس ردع الجهاد الإسلامي الكيان بألف صاروخ بعد اغتيال قادة في صفوفه، لتتوحّد الراية مع بندقية الشّهيد ابراهيم النابلسي ابن فتح الذي طلب الشّهادة حرّاً عزيزاً من أجل فلسطين كلّ فلسطين، إلى العملية البطولية المقاومة الأخيره داخل أسوار القدس والتي استهدفت مستوطنين صهاينة يمارسون كلّ أشكال الإرهاب على أصحاب الأرض والحقّ، ويزوّرون التّاريخ ويشوّهون رسالة الأديان ويعتبرون الدّين المسيحي والاسلامي عدوّاً، بل خطر على وجودهم المصنّع ومستقبلهم في أرض كنعان فلسطين التي أسموها «إسرائيل»، فهل هذا النضال المقاوم في فلسطين، من هذا الشّعب الجبّار المرابط سيبقى مشهداً في نشرة أخبار، أو سينتفض شعبنا العربي لاجتثاث الكيان من أجل حقه وحقوقه؟

يجب أن نكون كشعب عربي وإسلامي الرّكيزة الأساسية في وحدة السّاحات تحت راية العروبة المقاومة، والاسلام المقاوم كذهنية تجمعنا وتنصرنا.

إنّ شعبنا العربي الذي اعتزّ بالزّعيم عبد الناصر وسار على دربه، واعتبره مدرسة قومية عربية يجب أن يتبنّى فكره وتحديداً الشّعار الذي طرحه «ما أخذ بالقوة لا يُستردّ الاّ بالقوّة»، وهذه المقاومة خلقت لتبقى»، ومن اعتنق فكر حزب البعث العروبي القومي الذي كان يأبى قبول ايّ عضوية جديدة إلاّ بعد نشاط نضالي ضدّ الكيان الصهيوني، وهذه الفصائل الفلسطينية التي دفعت بالدّم والشّهداء كلّ ما أمكن من أجل مكانة الأمّة وحقّها في فلسطين، يجب أن يتبنّى اليوم خيار المقاومة في فعله النّضالي كلّ في مكانه وقدراته وقدر استطاعته ليكون بيئة قوية وحاضنة شعبية للمقاومة العسكرية الممثّلة في محور المقاومة، لتنتفض في الشّارع في ايّ معركة أو حرب كبرى مقبلة من أجل قضايا أمّتنا وقضيتها المركزية فلسطين، فلدينا مؤتمر قومي عربي يمثّل كافّة الاحزاب العروبية المقاومة والانضواء تحت تصرفها وفي نهجها واجب بل أقلّ من واجب للفرد في أمتنا، ناهيك عن المؤتمر القومي والإسلامي الذي يتبنّى المقاومة طريقاً، فهذا طريق الخلاص من أزمات أمّتنا في كافّة المجالات.

إنّ «إسرائيل» هذه ليست قدراً، والنّصر للشّعب إذا انتفض، ومع محور قادر فالمستقبل فيه تفاؤل وأمل…

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.