نظرية التفوق الصهيوني..”أوهن من بيت العنكبوت”

موقع العهد الإخباري-

أحمد فؤاد:

نشأت، قبيل زراعة كيان العدو الصهيوني المؤقت على الأرض العربية، ومعها، نظرية التفوق الكامل، وهي مجموعة من الشروط ارتأى المؤسسون اليهود والمخططون الغربيون (بريطانيا تحديدًا)، ضرورة التركيز عليها وضمانها، وبالتالي ضمان استمرار الكيان المزروع وسط جسد عربي يلفظه منذ البداية، ودائمًا.

ومع النجاح الأول الذي صادف الكيان، في وسط عربي مشغول باحتلال قديم لم يكن يريد أن يرحل، ونخب لا تزال مشوشة بين ضرورات التحرر وأثمانه، تحولت نظرية التفوق الصهيونية إلى عقيدة راسخة، وكان ضمانها واستمرارها أولوية للقوتين العظميين، بريطانيا ثم الولايات المتحدة، وكان الهدف الأول بين ثلاثة أهداف للسياسة الخارجية الأميركية هو بقاء الكيان وتدفق البترول وتمدد السيطرة الغربية.

ولتأكيد عقيدة التفوق الصهيونية، كان لزامًا على سدنة الكيان العدواني تكريس صورة ذهنية لدى الشعوب العربية بالذات، دولة تملك الكفاءة والقدرة، ومواطن “سوبر”، وتعليم هو الأرقى في المنطقة، وسلاح فتاك لا نحلم حتى بمضاهاته، ومع كل هذا، راية منتصرة ترتفع بعد كل مواجهة عسكرية، ومدن تضج بالحياة، فيما تئن مدننا وقرانا المقصوفة بموتاها وتلملم دماءها وجرحاها.

وبكل أسى، فقد نجح الكيان في رسم هذه الصورة الزائفة، ونجح أكثر في تمريرها إلى الوجدان الجمعي العربي، وبينما يكرس هو عقيدة التفوق، نحصد نحن أثقال عقدة النقص ونجني توابعها مرًا ومرارة.

لكن الكيان واجه واقعًا جديدًا في العالم العربي، مع مواجهة التحديات التي أعقبت قيام الثورة الإسلامية في إيران، 1979، والتي أيقظت مشاعر كراهية للكيان كانت صامتة في القلوب، وغذت مشاعر عداء للولايات المتحدة كانت هي الأخرى كامنة لا تجرؤ على الإعلان، ثم الوقود الهائل الذي منحته الثورة لحركة المقاومة العربية ضد العدو الصهيوني. وبقيام الانتفاضة الفلسطينية المباركة في تسعينيات القرن الماضي، وصولًا إلى تحرير جنوب لبنان بالعام 2000، والذي كان سابقة لا مثيل لها في الانسحاب الصهيوني ـ تحت النارـ من أرض عربية تحتلها، بدا واضحًا أن المخاطر تتحفز في المنطقة، وتتجمع حيث استطاعت المس بأعصاب الأمن الصهيوني الرخوة وتهديد النفوذ الأميركي.

على هذا يمكن فهم السعار العربي الرسمي الحالي لمحاولة إضفاء الهزيمة على جولة الصراع الأخيرة بين حركة الجهاد الإسلامي والكيان، وحدة الساحات، فهو حديث يعزز صورة الكيان القوي القادر على الإيلام، ليبرر كل حاكم ومسؤول خائن متخاذل تطبيعه مع العدو، ثم إنه ينزع أهم ما يملكه العربي الآن، حقه في المقاومة.

خلال ثلاثة أيام عاصفة، استطاعت حركة الجهاد الاسلامي والمقاومة الفلسطينية إعادة القضية إلى رأس جدول أولويات المنطقة، وكانت قيادة الجهاد للعملية مقتدرة، وتمكنت نقلة بعد نقلة، وبجهد عالي الكفاءة، من تجاوز نقاط التفوق الصهيوني في السلاح، وجعلت ـ مثلًا ـ من قصف تل أبيب خبرًا عاديًا لم يعد يثير الدهشة، وهو أمر عظيم وله ما بعده.

الأسطورة الصهيونية المتعلقة بالتفوق باتت مرهونة بتصديق العرب، حكامًا ومحكومين، لها، فهي ليست حقيقة ولن تكون حقيقة، والذكاء الفلسطيني استطاع تحييد القبة الحديدية، وهي درة التاج في الصناعات التكنولوجية الصهيونية والممولة بالكامل من الأميركي، بوسائل بسيطة، مثل الإطلاق المتزامن لعشرات الصواريخ، بما يفقد منظومات الإنذار والاشتباك قدراتها تمامًا، ومثل التدرج في استهداف العمق الصهيوني، خطوة بعد أخرى، لتثبت من جديد أنه كيان “أوهن من بيت العنكبوت”.
وبعد توقف القتال، يستكمل الإعلام العربي دوره التطوعي في طعن المقاومة، وسلب انتصارها، بينما يسرع الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة جهوده في ضمان استمرار صورة الكيان المتفوق، مثلما دربت جيوش الحلفاء المنتصرة في الحرب العالمية الثانية الفيلق اليهودي، ليكون جيشًا جاهزًا للكيان لحظة قيامه، مع امتلاك الدول العربية ـ أغلبها لم يكن قد استقل أصلًا ـ لجيوش أشبه بفرق التشريفة للملوك والأمراء، لا يتمتعون بالكفاءة وقبلها لا يمتلكون العقيدة، لتنزل الضربة الأولى على القلب العربي صاعقة في حرب 1948.

وتكفي الأرقام هنا للتدليل ولتصور ما يقدمه الدعم الغربي السخي للكيان، في إطار بناء صورته الذهنية لدى الجماهير العربية والعالمية أيضًا، إذ يحتل الكيان المركز الواحد والثلاثين عالميًا في ترتيب دول العالم وفقًا للناتج المحلي الإجمالي بقيمة 387.7 مليار دولار، ولا تسبقه من الدول العربية سوى السعودية والإمارات، في المركزين الثامن عشر والثلاثين، بقيم تبلغ 779.2 و405.7 مليارات دولار، على الترتيب، طبقًا لتصنيف صندوق النقد الدولي للعام 2019.

ويتفوق الكيان المصنوع والممول غربيًا على دول عربية كبرى، مثل مصر التي تحتل المرتبة 40 عالميًا بناتج محلي إجمالي يقدر بـ 302 مليار دولار، والعراق بالمرتبة 49 بناتج يبلغ 224 مليار دولار، وقطر في المرتبة 52 بناتج يقدر بـ 191.8، والجزائر التي تليها بناتج يبلغ 172.7 مليار دولار، والكويت بالمرتبة 57 بناتج يبلغ 137.5 مليار دولار.

لكن كل هذا الحديث ينزوي أمام حقيقة عارية ووحيدة، هي أن تفوق الكيان مستورد بالكامل من الغرب، فالولايات المتحدة التي تعد الراعي الأول للكيان، قدمت له منذ عام 1949 مبالغ تحت بند منح لا ترد بقيمة 270 مليار دولار، وتذهب 55% من المساعدات الأميركية الخارجية سنويًا إلى دعم اقتصاد الكيان.

وقبل وقوع أية أزمة اقتصادية، تبادر واشنطن إلى الدعم الفوري وغير المشروط، وآخر اتفاقية بين الجانبين وقعت في 2019، مع بشائر أزمة تفشي فيروس “كورونا”، وشملت حزمة مساعدات تبلغ 38 مليار دولار لعشر سنوات، بخلاف الدعم التقني والمادي في مشروعات الحماية من الصواريخ، والتي تعد التهديد الأبرز للكيان العدواني.

قد تمتلئ الدول العربية بالأزمات والنقائص، وغياب الكفاءة غالبًا والإرادة أحيانًا، لكن ابتلاع صورة هذا الكيان كما يريد تصديرها إلينا، تبقى أول شروط الهزيمة وأول خطوات التسليم، بينما الوعي بأننا كأمة نستطيع هزيمته، مهما طال المدى أو تعقدت الظروف والحسابات، هو أولى خطوات طريق النصر.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.