ولايتي: حجم ردنا سيكون بمستوى نقض أوروبا للاتفاق النووي

مرّ أكثر من عام على انسحاب أمريكا أحاديّ الجانب من الاتفاق النووي. منحت الجمهورية الإسلامية في إيران بعد انسحاب الولايات المتحدة أحادي الجانب أوروبا مهلة طويلة الأمد لكي تنفذ التزاماتها في الاتفاق النووي. مع اقتراب انتهاء مهلة الستين يوماً التي منحتها الجمهورية الإسلامية لأوروبا من أجل تعويض التزامات أمريكا في الاتفاق النووي، أجرى موقع KHAMENEI.IR الإعلامي حواراً مع مستشار الإمام الخامنئي في الشؤون الدولية الدكتور علي أكبر ولايتي وتطرّق إلى الحديث حول خطوات الجمهورية الإسلامية في الرّد على نقض الاتفاق النووي.

– الجمهورية الإسلامية في إيران بعد انسحاب أمريكا من الاتفاق النووي منحت أوروبا فرصة طويلة عبّر عنها رئيس الجمهورية بالصّبر الاستراتيجي لكي نرى إلى أيّ مدى تثبت أوروبا التزامها بتعهداتها حيال الاتفاق النووي والمصالح الاقتصاديّة للجمهورية الإسلامية الإيرانية. لم يحدث ما كان مناسباً وعلى مستوى التعهدات لحدّ اليوم. ما هو تحليلكم لتعهدات أوروبا في الاتفاق النووي فيما يخصّ الاينستكس(الآلية المالية الأوروبية) وما هي علاقة ذلك بما تعهّد به الأوروبيّون وما ينبغي عليهم القيام به فعلاً؟

بسم الله الرحمن الرحيم، ما تمّ إنجازه لحدّ الآن خلاصته أنّ الجمهورية الإسلامية الإيرانية عملت بكافّة تعهداتها وفق الاتفاق النووي لكنّ الطرف المقابل لم يتّخذ أيّ خطوة بل سار تماماً في الجهة المخالفة حيث أنّه لم تكن لديه مثل هذه المواقف قبل الاتفاق النووي ولعلّهم وجدوا فرصة ليستغلّوا من خلالها الاتفاق النووي وأضافوا بعض النقاط عليه. على سبيل المثال أمريكا أوّلاً وبعدها الأوروبيّون -وطبعاً الأوروبيون أقلّ من الأمريكيّين- يدّعون بأنّهم استندوا إلى هذا المطلب غير القانوني وغير المشروع بأنّه ينبغي علينا أن ننتظر ما يشير به علينا الأوروبيّون إذا ما أردنا الدفاع عن أنفسنا وأنّه علينا أن نجعل منظومتنا الدفاعية تتفق مع ما يشيرون به علينا أو مثلاً يمكن لهم أن يحدّدوا لنا ما نفعله فيما يخصّ حضورنا في المنطقة  والتعاون مع دول الجوار ودول المنطقة. هم لديهم اعتقادهم في هذا المجال وينشطون إعلاميّاً في الترويج لمعتقداتهم القائلة بأن لا ينبغي لإيران أن يكون لها حضوراً حقيقيّاً في المنطقة. هذه كلّها مطالب غير قانونيّة بتاتاً وغير مشروعة ومرفوضة. لذلك إذا أردنا أن نستخلص نتيجة، فإنّنا إذا استثنينا من علاقتنا مع مجموعة ال٥+١ روسيا والصين، سوف نجد أنّ البقية لم يطبّقوا التزاماتهم، بل رفعوا مستوى توقعاتهم أيضاً.وحسب ما يدّعون أنّ هذه كانت الخطوة الأولى لإيران وينبغي عليها الآن أن تخطو خطوات أخرى! أسلوبهم أسلوب غطرسة بشكل حقيقي.

 

– لماذا تُعتبر الآلية المالية التي يتحدّث عنها الأوروبيّون غير كافية فيما يخصّ تعهداتهم في الاتفاق النووي؟

لقد كان الاتفاق النّووي في الأساس معاهدة تمّ التوافق عليها بين الجمهورية الإسلامية في إيران من جهة والدول الخمس دائمة العضويّة في مجلس الأمن وألمانيا من جهة أخرى لكي نقوم نحن بمواصلة نشاطنا النووي بشكل محدود ولمدّة معيّنة ونقلّل من سقف إنجازاتنا الذي كنا نملكه سابقاً للحدّ الذي اتفقنا عليه. أي أن لا تتعدّى ذخائر اليورانيوم المخصّبة لدينا الثلاثمائة كيلوغرام وأن لا تتعدّى نسبة بروتونيوم الماء الثقيل في أراك كما في السابق الحدّ المتّفق عليه ولمدّة محدودة طبعاً. 

إذاً فإنّ تعهّد الطرف الإيراني كان الحدّ مؤقّتاً من الأنشطة النووية السلميّة لمدّة معيّنة وفي المقابل تعهّد الطرف المقابل بأن يقدّم التسهيلات اللازمة من أجل إجراء التبادلات التجارية والماليّة بشكل طبيعي وأن يرفع العوائق السابقة، لأنّه من الطبيعي أن يكون لأيّ بلد مستقل حول العالم الحقّ بالتجارة مع سائر الدول وأن يبيع ويشتري ويجري معاملات ماليّة. لكنّ هؤلاء وبشكل غير مشروع من ناحية القوانين الدولية وبتحفيز من أمريكا فرضوا علينا عوائق في هذا المجال. رغم ذلك هم وعدوا وقدّموا تعهّداً خطيّاً برفع عوائق التبادلات التجارية والأنشطة الاقتصادية والمالية المرتبطة بنا ولم يفعلوا شيئاً بل زاد الأمر صعوبة عن السابق. لذلك نحن لدينا مطالب كثيرة منهم فيما يخصّ الخطوات التي كان مقرّراً أن يقدموا عليها ولم يفعلوا ذلك، بل أنّهم قاموا بزيادة نقاط سلبيّة أخرى عليها وبلغ الأمر حدّاً مرفوضاً بشكل كامل.

 

– حسناً، ضمن هذه الأجواء التي نشهد فيها نقض الالتزامات من قبل الأوروبيّين وانسحاب الأمريكيّين من الاتفاق النووي، ما هي برأيكم الخطوات التي يمكن أن تقدم عليها الجمهورية الإسلامية بعد انقضاء المهلة المعطاة للأوروبيّين؟ 

كما تمّ الإجماع عليه في الجمهورية الإسلامية في إيران وتلتزم به كافّة التيارات المحليّة، إن كان مجلس الشورى أو الحكومة، أو الذين لديهم علاقة مباشرة أو غير مباشرة، وأيّ أحد لديه مسؤولية في الجمهورية الإسلامية ترتبط بنحو من الأنحاء بهذا العمل، الجميع متّفقون حول ما تمّ الإقدام عليه وسماحة الشيخ الدكتور روحاني أعلن ذلك بصراحة يوم الأربعاء. هذه نتيجة إجماع جميع أعضاء وأركان الحكومة ولا شكّ في أنّ ما قيل سيُنفّذ. أي أنّ الخطوة الأولى قد تمّت فيما يخصّ اليورانيوم المخصّب وقد تخطّى الأمر الثلاثمائة كيلوغرام.

  الخطوة الثانية أيضاً سوف تبدأ اعتباراً من ٧ تمّوز عام ٢٠١٩ وسوف تتخطّى نسبة تخصيب اليورانيوم حدّ ٣.٦٧ بالمئة وسيتواصل التخصيب ليبلغ أي نسبة نحتاجها ضمن أنشطتنا السلميّة. على سبيل المثال لكي نستطيع الاستفادة من اليورانيوم في المفاعل الموجود في [محطة] بوشهر ينبغي أن تكون نسبة تخصيبه ٥ بالمئة وهذا هدف سلمي بالمطلق أن نستفيد ونستخرج الكهرباء من المفاعل المصنوع بواسطة إيران وروسيا. كذلك الأمر هو بالنسبة لسائر الاحتياجات العادية، والصناعية واحتياجات الطاقة الموجودة في البلاد والتي هي بالنسبة إلينا مصيرية للغاية. لذلك فسوف نقدم على هذا الأمر إن شاء الله للحدّ الذي نشخّصه نحن ونحتاجه في أعمالنا السلميّة.

 

– تقع خطوات وردود أفعال الجمهورية الإسلامية في إيران حالياً ضمن إطار الاتفاق النووي، هل من الممكن خلال الفترة القادمة أن تتمّ دراسة استراتيجية الانسحاب من الاتفاق النووي؟

 من المؤكّد أنّنا لن نبادر إلى القيام بأيّ خطوة إن لم يفعل ذلك الطرف المقابل. حتّى اللحظة قام الطرف المقابل خطوة بخطوة وقام الأمريكيّون بشكل مباشر والأوروبيّون بشكل غير مباشر بنقض الاتفاق النووي، لذلك سوف تكون لدينا ردود فعل في نفس الاتجاه الذي يسيرون فيه فيما يخصّ نقض الاتفاق النووي، أي أنه بقدر ما يقلّلون من التزاماتهم سوف نقلّل نحن أيضاً من التزاماتنا. تماماً في الاتجاه المعاكس. لكن لو عادوا إلى تنفيذ الالتزامات التي وافقوا عليها فسوف نعود أيضاً. في غير هذه الحالة سوف تستمرّ الأعمال وتحدث مجموعات من الأفعال وردود الأفعال ضمن مسار معقول وتدريجي.

 

– أشرتم إلى روسيا والصّين. يتمّ في هذه الأيام طرح قضيّة شراء الصينيّين النفط منّا بشكل واسع في الوسائل الإعلاميّة. كيف تقيّمون مواقف هذين البلدين في الاتفاق النووي والتعهّدات التي التزموا بها وكيفيّة تعاملهم؟

لا شكّ في أنّ مواقف روسيا والصّين تختلف مع سائر الدول الأربعة الأعضاء في الاتفاق النووي. أي أنّهم لم يفرضوا علينا الحظر وأقدموا على أيّ نوع من أنواع التعاون المتّفق عليه من قبل الطرفين. واصلت الصين شراء النفط منا وسوف تستمر في ذلك وطبعاً فإنّ مقدار ذلك يرتبط بالاتفاق بين المسؤولين الصينيّين ووزارة النفط، لكنّ تعاملهم كان وديّاً لحدّ الآن. حتّى أنّه فيما يخصّ الخطوة الأولى التي خطتها الجمهورية الإسلامية في إيران فيما يخصّ رفع مستوى تخصيب اليورانيوم لاقت دعماً من المسؤولين الرّوس بشكل علني وبمختلف الأساليب واعتبروا أنّ المقصّر في هذا الأمر هي أمريكا والغربيّين أيضاً الذين منعوا تطبيق هذه المعاهدة وخدشوها ولم يخطو خطوة في اتجاه تنفيذ التزاماتهم. 

لذلك فإنّ الجمهورية الإسلامية لديها الحقّ أيضاً في اتخاذ خطوة كهذه. لذلك فإنّ مواقف روسيا والصين بغضّ النظر عن بعض القضايا المرحليّة تخلص إلى أنّ علاقاتنا الوديّة معهما تتقدّم إن كان على المستوى الثنائي أو الإقليمي أو الدولي.

 

– استراتيجية فرض الحظر على الجمهورية الإسلامية استراتيجية قديمة شهدناها منذ انتصار الثورة الإسلامية، برأيكم إلى أيّ حدّ يمكن أن تصمد وتتحمّل الجمهورية الإسلامية الحظر؟ 

فيما يخصّ هذا الأمر ينبغي أن نقول بأنّه لا يوجد حظرٌ فُرض على بلد في العالم استطاع أن يحصد ما خُطط له بشكل كامل وعملي. إن كان الحقّ أن يُفرض الحظر على بلد ما من الناحية الدولية أو يفرضوا الحظر عليه ظلماً. على أيّ حال تستطيع البلدان العثور على مخارج عديدة. ونحن لدينا في هذا الشأن تجربة طويلة عمرها أربعين سنة. يوماً ما خلال فترة الحرب المفروضة الطويلة على إيران، كان علينا أن ندافع وكان علينا أن نملك الرصاص مقابل الرصاص والأسلحة والدبابات، لكنّ مختلف البلدان الشرقية والغربية كانت تدعم العراق وتساعده، لدرجة أنهم زوّدوا صدّام بطائرات سوخو ٢٤ وميغ ٢٩ وميراج ٢٠٠٠ المتطوّرة ودبابات تي ٧٢ وتي ٨٤ وأيضاً الأسلحة الكيميائية الألمانية والهولندية والمدافع البريطانية والفرنسية بعيدة المدى والتي كان يتمّ شرائها بتمويل من أعراب المنطقة مثل السعودية والكويت والآخرين. جهّزوا العراق بكافّة أنواع الأسلحة، حتى تلك التي كان استخدامها محظوراً وناقضاً للمواثيق الدولية. على سبيل المثال بناء على القرار عام ١٩٢٥ في جنيف مُنع استخدام السلاح الكيميائي بعد الحرب العالميّة الأولى وبات استخدامه يُعتبر جريمة حرب، لكنّ نفس هؤلاء الذين أقرّوا هذه القرارات ووقّعوا عليها، نقضوها وزوّدوا العراق بأسلحة كيميائية ووقع عدد كبير من مواطنينا والأبرياء من الشعب العراقي أيضاً ضحيّة لهذه الأسلحة الكيميائيّة الممنوعة.

من ناحية أخرى لو قمنا نحن بدفع الأموال، لم يكونوا ليزوّدوا إيران بالسلاح. لذلك تعلّمنا منذ تلك المرحلة كيف نحبط الحظر. ثمّ استطعنا من خلال الاكتفاء الذاتي والاعتماد على النفس تأمين نسبة كبيرة من احتياجاتنا بحيث أنّ تقدّمنا في المجال الدفاعي اليوم بات مشهوراً بين الجميع. وآخر نموذج لذلك التصدّي لهذه الطائرة فائقة التطوّر الأمريكية والتي تمّ إسقاطها. لذلك نحن ستكون لدينا إمكانيّة التصدّي لهذه الخطوات والمؤامرات. 

فيما يخصّ الأمور الاقتصاديّة أيضاً، لقد تآمر ومارس الأمريكيّون العداء باستمرار، حجزوا أموالنا وبعض ممتلكات إيران حول العالم وخاصّة في أمريكا بغير حق وحرمونا منها. طبعاً مورست الضغوط، لكن رغم أنّ الأمر كان سلبيّاً، لكن المقاومة استمرّت بفضل الله واستطعنا في المجال الغذائي، والتقني، والتسليحي و… أن نبلغ اكتفاء ذاتيّاً. على سبيل المثال وللمرّة الأولى في الأعوام الأخيرة اكتفينا ذاتيّاً بالنسبة للقمح وهذه نقطة هامّة. ففي السابق وخلال حكم النظام السابق كان يتمّ استيراد ٥ إلى ٦ مليون طن من القمح وسائر المواد الغذائية، لكنّنا اليوم نصدّر قسماً من القمح وينبغي تحويل التهديدات إلى فرص. 

 

– ما هو تأثير موضوعي الاقتدار العسكري ونبذ إشعال الحرب إلى جانب بعضهما على رفع مستوى الأمن الوطني للجمهورية الإسلامية؟ 

نبذ الجمهورية الإسلامية في إيران لإشعال الحروب والتأكيد على إرادة بلدنا في الدفاع عن سيادة الأرض والهوية الوطنية والدينية وقضيّة أننا لا نعتدي على أحد، لكن إذا اعتدى أحد على إيران فسوف يلقى ردّاً قويّاً بات اليوم أمراً حتمياً وهو مقبول ومحرز لدى النظام الدولي بأجمعه. مثل الحادثة الأخيرة وقضية الطائرة التجسسية من دون طيار التي خرقت حدودنا الجويّة وواصلت سيرها رغم التحذيرات ولاقت ردّ فعل حاسم من إيران. لذلك فإنّنا منذ البداية لا نعتدي على أيّ بلد وليست لدينا النيّة في عمل من هذا القبيل، لكنّ الجمهورية الإسلامية في إيران لا تتراجع في الدفاع عن نفسها أبداً وسوف يلقى أيّ هجوم ردّاً حاسماً. لكنّ بناء على القاعدة التي صرّح بها قائد الثورة الإسلامية وهي قاعدة حتمية في السياسة الخارجية للجمهورية الإسلامية في إيران نحن لا نرغب في الحرب أبداً ولا نبادر إليها ولن نعتدي على أي بلد كان من الجيران أو البلدان البعيدة.

 

– أشرتم إلى أنّ الخطوات التي بادرت إليها الجمهورية الإسلامية كردّ فعل على الأوروبيّين هي مورد إجماع المسؤولين رفيعي المستوى في البلاد. رغم أنّه هناك أذواق ونظرات مختلفة في مجال السياسة الخارجية لدينا، لكن يبدوا أنّ مختلف الأذواق المحليّة في البنية السياسية للجمهورية الإسلامية اليوم قد أجمعة على استراتيجية المقاومة. ما هي أسباب هذا الأمر؟

لقد أكّد الإمام الخامنئي مراراً ومنذ البداية وفق نظرته الاستراتيجية على استمرار وتقوية المقاومة وطبعاً كانت هناك وجهة نظر تطالب بالتفاوض، لذلك صرّح قائد الثورة الإسلامية مراراً بأنّه رغم أنّني لا أثق أبداً بالأمريكيّين وأعلم أنّ التفاوض معهم لا يؤول إلى أيّ نتيجة لكن بناء على الاستراتيجيات المحدّدة تمّ اتخاذ خطوات في هذا المجال وطبعاً لم يتوانوا أبداً عن إبراز أي نوع من العداء للشعب الإيراني. فقد صرّح مراراً وزراء الدفاع في أمريكا أو رؤساء الجمهورية وحتى رئيس الجمهورية الحالي بأنّ الشعب الإيراني شعب إرهابي. أي أنّ هؤلاء لا مشكلة لديهم مع حكومة الجمهورية الإسلامية في إيران فقط، بل لديهم قطعاً مشكلة مع الشعب الإيراني نفسه. هذه الحكومة خرجت من قلب هذا الشعب وأعبائها تقع على عاتق أفراده ولم تعد تلك التحريفات والتصريحات المنحرفة حول أنّ الشعب يريد شيئاً والحكومة تريد شيئاً آخر تملك أيّ قيمة لذلك صرّحوا مراراً بشكل رسمي أنّ الناس إرهابيّون. 

سبب الاجماع الحالي هو أنّ الجميع توصّلوا إلى نتيجة أنّ الوجه المشترك لأمريكا وأتباعها في أوروبا وعملائها في المنطقة هو معاداة الجمهورية الإسلامية. طبعاً إيران لا شأن لها بهم، لكنّ نفس حقيقة الثورة الإسلامية واستمرار الجمهورية الإسلامية على مدى أربعين عاماً ومن ثمّ تأثيرها في المنطقة وعلى سائر البلدان الإسلامية مثل اليمن، ولبنان، وسوريا، والعراق وأفغانستان، لا شكّ في أنّه كان ثقيلاً عليهم ومؤذياً لهم. شعوب العالم الإسلامي الحيّة والواعية تراقب الأمور بشكل واضح وترى أنّ البلدان والحكام العملاء والتابعين والمفرطين في حسن ظنهم بالغرب لم يجنوا أيّ فوائد لشعوبهم.

كان لدينا يوماً ما في البلدان الإسلامية شخص مثل عبد الناصر، مثل الجنرال أحمد سوكارنو في أندونيسيا وشخصيات معروفة ومناضلة ومعارضة لتوسّع الغربيّين، مثل بومدين في الجزائر والمرحوم حافظ الأسد في سوريا. هؤلاء كانوا يوماً ما رجالات يقفون بوجه جشع واستعمار الغرب وجنوا ثمار صمودهم. للمرة الأولى في تاريخ جنوب شرق آسيا ترون أنّ أندونيسيا بمساحة تفوق الخمسة مليون كيلومتر وأكثر من ١٧ ألف جزيرة اتحدت وأسست بلداً وشكّلت حكومة في ظلّ الكفاح الشعبي الاندونيسي وتحت راية الاسلام، ثمّ تعاقبت الحكومات وتبدّلت الحكومة المقاومة السابقة وأتت الحكومة المسالمة، ونتيجة لذلك تضرّر شعب ذلك البلد.

 

ترون اليوم أنّ تأثير ومقاومة الجمهورية الإسلامية في إيران وتقوية خطّ المقاومة أمام الصهاينة أخذ رويداً رويداً حيّزاً في العالم الإسلامي وها هم اليمنيّون بعد مرور ٥ أعوام من هجوم السعودية وحلفائها أقوى من اليوم الأوّل ويفعلون ما يفعلونه أمام الهجمات السعودية وقد استطاعوا بلوغ اكتفاء ذاتي في الأسلحة الدفاعية. كما أنّه نشب حرب دولية ضدّ سوريا بمشاركة حوالي الثمانين دولة، لكنّ الشعب السوري استطاع إلحاق الهزيمة بهؤلاء والتغلّب عليهم. سوريا اليوم تختلف اختلافاً جذرياً عن سوريا السابقة بأنّها باتت ذات خبرة في ساحة المقاومة. سلسلة المقاومة هذه التي تنطلق من طهران إلى بغداد ودمشق وبيروت وفلسطين وغزة ووصلت إلى اليمن، هي نتيجة لاستمرار خط المقاومة بمحورية الجمهورية الإسلامية في إيران في المنطقة كلها. خطّ المقاومة هذا اليوم أقوى من أي وقت مضى وسوف يزداد قوة إن شاء الله وسوف لن تتمزّق هذه السلسلة. لذلك على كلّ من يفكر بالاعتداء اليوم على إيران أن يعلم بأن المنطقة كلها سوف تهبّ وتثور وتدافع.

 

– بناء على ما تفضلتم به من توضيحات، هل يمكن اعتبار صفقة القرن مهزومة قبل ولادتها؟

إنّ أكثر مخطط إذلالي تمّ طرحه هو صفقة القرن هذه. رئيس الولايات المتحدة الأمريكية الحالي يبدو أنّه شخص لا يعير اهتماماً كبيراً للتدبّر والتعقّل، يرسمون له طريقاً ومخطّطاً ويظنّ أن العالم كلّه ينتظر ما سيقوله هو لكي يتبعه. ليس الأمر على هذا النحو، فقد تشكّل مؤتمر في المنامة ولم تشارك دول إسلامية عديدة. كما أنّ أصحاب القضية الأساسيّين والفلسطينيّين إن كانوا معتدلين أو ثوريّين والحكومة الفلسطينيّة المؤقتة برئاسة فتح وحركات المقاومة حماس والجهاد الإسلامي وجميع الفلسطينيّين بمختلف التوجهات عارضوا صفقة القرن. إذاً لقد عارض الفلسطينيون بالحد الأدنى الذين يشكل ٥٠٪ من القضيّة. ودول مهمة مثل إيران وتركيا والعراق تعارضها أيضاً، لن تبلغ [صفقة القرن] أيّ نتيجة مثلما حصل مع معاهدات أوسلو أو مدريد أو كمب ديفيد وايربور. كلّ هذه المعاهدات هُزمت قبل أن تولد وهذه أيضاً ستلقى المصير عينه وسوف يعلنون انهزامها قبل أن يجفّ حبر ورقها.

بالمناسبة النتيجة ستقع في صالح جبهة المقاومة. أي أنّ الشعوب المسلمة في العالم الإسلامي سترى بوضوح أنّ من يعمل فعلاً على أن يعيد فلسطين إلى البلدان الإسلامية وأصحابها الأصليّين ويقلع جذور الغاصبين ويخلّص قبلة المسلمين الأولى من سلطة الصهاينة هو محور المقاومة. والآخرون يتبعون أمريكا ببيعهم لأنفسهم ومصالح بلادهم، لكنّ مصير المنطقة قبل أن يكون بيد الأعداء وعملائهم هو بيد أصحاب المنطقة الأساسيّين وجبهة المقاومة. 

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.