يائير لابيد رئيس حكومة العدو… يساري بقيادة يمينية

جريدة البناء اللبنانية-

نبيه عواضة:

كان من المقرّر وفق قناة «كان» العبرية ان تبدأ لجنة الكنيست عند التاسعة والنصف من صباح الأمس، مناقشة مشروع حلّ الكنيست. إلا انّ الخلافات التي تصاعدت بين الائتلاف الحكومي والمعارضة حالت دون عقد الجلسة لدراسة القانون وإحالته على الجلسة العامة للمصادقة عليه بالقراءتين الثانية والثالثة. وعلى الرغم من انّ جوهر الخلاف ينصبّ على موعد تحديد الانتخابات «الإسرائيلية» اذ يطلب «زعيم» المعارضة بنيامين نتناياهو ان تجري في 25 تشرين الأول فيما يطلب «زعيم» حزب «يوجد مستقبل» يائير لابيد بعقدها في 8 تشرين الثاني. إلا انّ ذلك لا يغفل وجود سعي من قبل رئيس اللجنة عضو الكنيست نير أورباخ، المنشقّ عن حزب يميناً، والذي أسهم تهديده بسحب الثقة من حكومة بينيت باستعجال الأخير الاتفاق مع لابيد لحلّ الكنيست والذهاب نحو انتخابات مبكرة تفادياً لسقوط الحكومة في الكنيست وإتاحة الفرص لنتنياهو لمحاولة تشكيل حكومة بديلة من نفس الكنيست الحالية ومن دون حلها وهو ما سعى إليه أورباخ أيضاً من خلال الموافقة على تأجيل إجراءات المصادقة. الجلسة قد تعقد في أيّ لحظة وعلى أثرها سوف تصدر مراسيم تبادل رئاسة الحكومة بحيث يتسلم يائير لابيد المنصب خلفاً لنفتالي بينيت على ان يتمّ ذلك خلال الأيام القليلة التي تلي عملية المصادقة.

يدخل رئيس الوزراء الرابع عشر شارع بلفور في القدس المحتلة حيث يقع مقر رئيس الحكومة «الإسرائيلية». فمن هو يائير لابيد المولود في تل أبيب عام 1963؟

يجمع العديد من المحللين والصحافيين في الكيان «الإسرائيلي» على أنّ القرار سيذهب الى شخصية ضعيفة وغير قادرة على اتخاذ الموقف المناسب. «لابيد غير مناسب لمنصب رئيس الحكومة» هذه العبارة تتردّد على لسان أكثر من محلل سياسي في «اسرائيل»، والسبب الاساسي افتقاد لابيد للتجارب السياسية سابقاً بخلاف والده الصربي الأصل تومي لابيد (1931 ـ 2008) الكاتب والصحافي المشهور الذي ترأس حزب شينوي العلماني الليبرالي عام 1999 حتى العام 2006 قبل ان يستفحل به المرض ويقضي عليه. شغل تومي منصب وزير العدل وكان معروفاً عنه تشدّده في مواجهة الأحزاب المتطرفة وقد سعى بنشاط إلى استبعاد أيّ ممارسة دينية من الهيكل القانوني لما تسمّى بدولة «إسرائيل». ابنه لابيد الوحيد بين فتاتين (قتلت البنت البكر بحادث سير) والذي كان أقرب إلى أمه الروائية المشهورة شولاميت لابيد لناحية شغفه بالكتابة، فكتب لابيد أحد عشرة كتاباً ورواية وسيرة ذاتية.

كان لابيد قد بدأ حياته كمراسل في صحيفة «معاريف، قبل ان يتمّ تعيينه كمحرر في العام 1988عمل في صحيفة محلية تسمى صحيفة «تل أبيب» ومن ثم اصبح في العام 1991 كاتب عمود أسبوعي في مجلة اسمها «نهاية الأسبوع»، قبل ان ينتقل الى الصحيفة ذات الانتشار الأوسع وهي» يديعوت أحرونوت»، حيث لا يزال يكتب فيها حتى يومنا هذا. انتقل في العام 1995الى الشاشة الصغيرة فقدم الاستضافة الرئيسية في برنامج على القناة الأولى، ومن ثم في العام 1997 قام بتقديم برنامج اللقاءات «يائير لابيد مباشر في العاشرة». وعلى مدى ثماني سنوات ايّ منذ العام 2000 حتى العام 2008 قدّم برنامجه «يائير لابيد» الذي حظي بشعبية واسعة قبل انتقاله الى برنامجه الأكثر شهرة «ايام الجمعة» وهو برنامج اخباري استقطب ملايين المشاهدين فراكَم ثروة طائلة تقدّر بحوالي 25 مليون شيكل.

الإعلامي والصحافي الذي استفاد بحكم موقعه على رأس البرنامج الأكثر شهرة. استغلّ ذلك، فقام ببناء شبكة من العلاقات السياسية الداعمة له من الجنوب حتى الشمال. وحينما ترك استديو الاخبار كان له مخزون كبير من المؤيدين والداعمين في انتظار خطوته الثانية وهي المنافسة السياسية في الكنيست عام 2013. فإذ به يفاجئ الجميع ويخوض أول انتخابات برلمانية فحصل حزبه على 19 مقعداً ليكون ثاني أكبر الأحزاب بعد الليكود وليصبح من أهمّ الشخصيات في «إسرائيل». فرض نفسه على نتنياهو وتمكّن من الدخول بحلف قوي معه منتزعاً من الليكود وزارة المالية وحقائب وزارية أخرى. على وقع الأزمة المعيشية عام 2014 والتي أظهرت فشل وزير المال يائير لابيد سقطت حكومة نتياهو ـ لابيد ـ بينيت وحلّ الكنيست وذهب الجميع الى انتخابات مبكرة آذار العام 2015 ليتراجع حزب «يوجد مستقبل» الى 11 نائباً ويجلس في مقاعد المعارضة.

الخسارة الانتخابية دفعت بـ لابيد لاعادة تركيب برنامجه السياسي ولكن هذه المرة وفق قاعدة يمينية استيطانية، اذ وعلى الرغم من دعوته لحلّ سياسي على اساس «الدولتين» الا انه كان متمسكاً ومشجعاً للمستوطنات والبؤر الاستيطانية. هذا الأمر لم يكن غريباً اذ مثل استمرار لتوجهات عنصرية عبر عنها حين كان وزيراً للمالية بعدم إعفاء فلسطينيّي 48 من ايّ تخفيضات ضريبية.

أزمة الحكم التي عانى منها الكيان وتمثلت بإجراء أربع انتخابات متتالية خلال سنتين ومع فشل نتنياهو في تشكيل الحكومة عام 2019، عمل لابيد مع كتلة صلبة تضمّ الى لابيد كلّ من غانتس ونفتالي بينيت وموشيه يعلون (انضمّ اليهم لاحقاً الجنرال جابي اشكنازي) سرعان ما تخلى عن قيادة هذه الكتلة لبيني غانتس. ليطلّ العام 2021 وتجري معه انتخابات برلمانية مبكرة رابعة تمكن بها لابيد وبينيت من تشكيل حكومة ائتلافية، تناوبا على رئاستها.

لا يستطيع يائير لابيد ان يفعل كثيراً على راس حكومة استيطانية يمينية متطرفة وهي بالطبع لن تمكنه من استعادة موقعه كـ «يساري وسط» خاصة بعدما ذهب بعيداً في التحالف مع اليمين الاستيطاني واكتفى بفتات الوقت والمتمثل بثلاثة أشهر فقط كرئيس وزراء.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.