16 أيلول: يوم الفتح في لبنان

موقع الخنادق-

مريم السبلاني:

المشهد الذي يُنقل اليوم مباشرة على الهواء “لقافلة كسر الحصار الأميركي” وهي تعبر بانياس وتمر بمصياف إلى حمص ثم القصير إلى رأس بعلبك -المحافظات والبلدات السورية واللبنانية المحررة- هو نتيجة حتمية لذلك القرار الذي غيّر وجه المنطقة وحرف المشروع الأميركي-الإسرائيلي في الشرق الأوسط عن مساره. يوم أعلن أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله قبل 8سنوات و3 أشهر و16 يوم بالتحديد، عن قرار الحزب بالتدخل العسكري المباشر في سوريا وأن “الغبي هو الذي يقف ويتفرج على الموت وعلى الحصار وعلى المؤامرة، تزحف إليه دون أن يحرك ساكناً. العاقل المسؤول هو الذي يتصرف بكامل المسؤولية… كن حيث شئت أنت، أما حزب الله فلا يمكن أن يكون في جبهة تريد أن تدمر كل الانجازات وتسوقنا عبيداً من جديد لأميركا وإسرائيل”.

ما بين الخطابين تاريخ جديد

وصلت صهاريج المحروقات التي كان قد وعد بها السيد نصرالله في خطاب يوم العاشر من محرم إلى لبنان والمحملة بما يقارب 4 مليون ليتر من مادة المازوت.. بعد رحلة استغرقت 25 يوماً بحريّاً و150 كلم -من بانياس إلى رأس بعلبك- ولا نتكلم هنا عن حجم المجهود اللوجستي العظيم بنقل هذه الكمية عبر 3 دول ما بين بر وبحر، بل انها أمضت كل هذا الوقت تحت نظر الاستخبارات الإسرائيلية-الأميركية التي كانت على علم بموعد انطلاقتها الذي أعلن عنه السيد نصرالله صراحة، وبالمسار الذي ستتبعه. فلا صواريخ واشنطن الدقيقة بعيدة المدى المحملة على متن أقوى المدمرات البحرية العائمة قبالة قناة السويس، ولا الجماعات التكفيرية المنتشرة في بعض المناطق السورية، ولا الطائرات الإسرائيلية التي تنتهك الأجواء اللبنانية باستمرار، استطاعت تصويب نيرانها واستهداف هذه القافلة ولو بطريقة غير مباشرة دون بصمات كما جرت العادة في حرب السفن الأخيرة.

هذا المنعطفُ التاريخيّ الذي يُعد امتدادًا لعمليات تحرير سوريا، وفصلاً أولًا من مرحلة جديدة قادمة، لم يضع كل تداعياته بعد، فبعد الاستنفار الأميركي الكبير الذي تمخض عن “استجرار الغاز من مصر” بخطوة غير جديّة لم تُواكب بوفود تقنية مختصة إلى الآن، والضغط لولادة الحكومة بعد تعطيل دام لأكثر من 10 أشهر، إضافة لتسهيل قرض البنك الدولي بـ مليار و150 مليون دولار، سيتبع سلسلة التنازلات الأميركية هذه محاولات لتعويض الفشل الذريع الذي لحق بها كإدارة لم تستطع أن تحقق ما صرفت لأجله الملايين من الدولارات، ولشد عصب البيئة الحاضنة “لأدواتها” في الداخل اللبناني قبل موعد الانتخابات النيابية، والتي أدركت انها قد خُذلت بعد ما مورس عليها تضليل إعلامي ضخم رعاه رئيس حزب القوات اللبنانية بالقول “اقتراح السيد نصرالله هو للدعاية السياسية” وهندسه ديفيد شينكر “إحضار سفينة مازوت من إيران قصة لا يقبلها العقل ومناورة سياسية يقوم بها حزب الله لتفادي غضب الرأي العام”.

هذا العبور الذي يتم “جهاراً نهاراً” وتوثقه عدسات الكاميرات، هو يوم الفتح سيكتبه التاريخ كما كتب أيار عام 2000 وانتصار تموز 2006 وتحرير جرود عام 2017، هو نصرٌ وطنيٌّ وانتصار للجمهورية الإسلامية ولسوريا ولبنان. سيكتب مرة أخرى أن دماء الشهيد اللواء قاسم سليماني ومعه آلاف الشهداء أعادت رسم الخرائط والتموضعات الجيوسياسية من جديد، وأظهرت للعالم كله أن مستقبل المنطقة ما بعد الحرب على سوريا يكتبها محور المقاومة، وكما قال السيد نصرالله “لائحة الإرهاب بلّوها واشربوا ميّتها”.

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.