الهلال الشيعي والقوس الأميركي

iran-obama

صحيفة السفير اللبنانية ـ
نصري الصايغ:
لست بحاجة إلى أن تفتح عينيك أو تصغي لما يقال من على منبر الجمعية العامة في الأمم المتحدة، فالمسرح الدولي، الموزعة مشاهده في القارات الخمس، أكبر من أن تختصره كلمات زعماء، يعيدون صياغة الحروب بكلمات وتقديم الاقتراحات بكلمات ثم ينصرفون إلى بلادهم، مزوّدين بالصبر فقط، لاحتمال استمرار الحالة الدولية على ما هي عليه.
الاستثناءات قليلة: خروتشيف يصفق بحذائه في الجمعية العامة. مارغريت تاتشر تقرع بقبضتها الحديدية جزر الفوكلاند (المالوين) في الأرجنتين. أبو عمار ممسكاً غصن الزيتون بيد، من دون ان تظهر بندقيته في اليد الأخرى. نلسون مانديلا في احتفالية مهيبة تليق بالرجل، جورج دبليو بوش يلقن الجمعية العامة درساً إرهابياً في مكافحة الارهاب. وباستثناء هذه الاستثناءات، كان بالإمكان ان تغلق عينيك وأن لا تسمع شيئا ويبقى العالم على ما هو عليه.
في العام الماضي، تحضر العرب لمفاجأة معروفة قبل إعلانها. أبو مازن يشرح ويستفيض في المسألة الفلسطينية ومأساتها، ويطالب بأن تكون فلسطين دولة من حبر على ورق الأمم المتحدة. انتهى الخطاب وانتهت المفاجأة… وظلت فلسطين على ما هي عليه، أو أسوأ مما كانت عليه.
هذه الدورة التي افتتحت أمس الأول، قد تكون فاتحة حقبة جديدة، اقليميا ودوليا. ظهر من خطاب الرئيس الأميركي باراك أوباما والرئيس الإيراني حسن روحاني، أن جدار العداء، بدأ يتفكك. أربعة وثلاثون عاما من العداء بين البلدين، من دون مهادنة البتة. إيران تقصف أميركا، إعلامياً وسياسياً، وأميركا تستعمل ما يتاح لها كي تخنق إيران من الداخل ومن الخارج.
النووي، كان ذريعة. السياسة هي الأساس. أميركا تدرك أن برنامج إيران النووي سلمي. الوقائع تثبت ذلك، وضعت تواريخ عدة من قبل إسرائيل وأميركا والغرب، تؤكد أن إيران ستمتلك السلاح النووي في هذه المواعيد. لم يحصل ذلك، تمسكت إيران ببرنامجها النووي السلمي، وفتوى الخميني وخامنئي بتحريم السلاح النووي. ولم تتراجع عن حقها في التخصيب إلى حدود درجة العشرين.
الهوة اتسعت بين البلدين، لتعارض السياستين في المشرق. فلقد شهدت المنطقة انقساماً وصراعاً بين تيارين: واحد أميركي، يضم دول الخليج ودول الاعتدال العربي وأنظمة القمع المدعومة أميركيا، تتصيده المصالح الإسرائيلية، وآخر، إيراني يضم قوى مقاومة وممانعة، لم تبخل في دعم القضية الفلسطينية ميدانيا، فأنجزت، فيما التيار الأول، واظب على دعم التسوية التي لم تبخل أبداً على إسرائيل، فأعطتها حق التسلط على التفاوض، وحق فرض الأمر الواقع الاستيطاني، مع غض النظر الذي يشبه المباركة الضمنية.
أمس الأول، بدت أميركا مستعدة لفتح أكثر من نافذة، وظهرت إيران وكأنها مستعدة للتلويح والترحيب المقتضب. فزيارة فيلتمان لإيران، كمبعوث دولي، حملت إشارات إيجابية.
زيارة السلطان قابوس، قد تكون قدمت مفتاحاً لأحد الأبواب. ثم، إن أميركا جادة، بنسبة عالية، في عدم إعلان حرب، ليس تعففا، بل «حكمة» استمدتها من مآلات الحروب الفضيحة التي خاضتها في أفغانستان والعراق. وهي حروب كبرى، وليست حروباً عابرة. فأفغانستان ليست الدومينيكان، والعراق ليس باناما.
هذه بداية، تم تظهيرها في الجمعية العامة للأمم المتحدة. الجميع كان ينتظر مفردات أوباما «الإيرانية» ولغة روحاني «الأميركية». لقد بدأت كتابة سطور كثيرة في العلاقة بين البلدين، القطبين المتنافسين والمتصارعين في المشرق العربي. هذه الكتابة تؤكد بدء الحوار، وإمكانية أن يكون الملف النووي، فاتحة لملفات كبيرة، هي بحجم إعادة ترتيب المنطقة.
التفاؤل خطير جداً. الملف النووي على تعقيداته ليس بصعوبة الأزمة السورية والقضية الفلسطينية وانتشار الارهاب والاقتسام السلمي للمنطقة. هذه ملفات ملطخة بالحروب والعداء والدماء، وأكبر من طاقتَي أميركا وإيران.
«الهلال الشيعي» التقى بـ «القوس الأميركي» في نيويورك… التقاؤه بالقوس السني، يأتي في ما بعد.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.