أميركا – السعودية: بين التأديب والإنتماء المطلوب
موقع العهد الإخباري-
يونس عودة:
يخال البعض أن عصيانًا حقيقيًا من أنظمة ترعرعت على السياسة الأميركية في طريقه إلى تصدر المشهد مع ارتفاع منسوب الوعيد الأميركي للدول التي لم تجاري رغباتها في عملية انتاج النفط وأسعاره، بينما المتفائلون يتمنون أن تكون عملية التمرد ـ اذا كانت حقيقية ـ، أكثر شفافية، ولا يترددون في التعبير أن صدامًا قريبًا سيقع بين الولايات المتحدة الأميركية وبعض دول الخليج لا يخلو من رسائل عنفية كأحد الأساليب الأساسية في استراتيجية التعنيف والاخضاع الأميركية.
لم يكن قرار دول منظمة “أوبك +” بخفض الإنتاج بمعدل مليوني برميل إلا في سياق سياسة اقتصاد السوق التنافسي وتحقيق الربح المتوخى من المنتج ضمن ما اصطلح على تسميته مستلزمات “العرض والطلب”، وهو ما اعتمدت عليه الولايات المتحدة وسوقته كي تحقق شركاتها أقصى ما يمكن من الأرباح مع التحكم بالأسواق عبر الاحتكارات الهائلة، ولذلك فإن عملية الإنتاج وتحديد أسعار النفط العالمية تكون وفق آليات السوق فقط.
لكنه هذه المرة تعارض في لحظة سياسية دولية مع مصلحة الشركات الأميركية المتحكمة بالأسواق، في ضوء توريطها لأوروبا وبعض الدول الملتحقة بها في أسوأ أزمة نفط وغذاء منذ الحرب العالمية الثانية، لا بل في أزمات كيانية تطرح مصائر بعض الدول على المحك.
لقد اعتبر الأميركيون خطوة أوبك معادية لخططهم في مواجهة تداعيات أزمة الطاقة العالمية، وبلا أدنى شك أن العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، وانقسام العالم حيالها مع جهود واشنطن سواء بالضغط أو التهديد أو الترويع لتوريط العالم في مواجهة روسيا دون الأخذ بمصالح أي دولة أخرى، شكلا قاعدة مراجعة أدت الى رفض الكثير من الدول الانخراط في سياسة العقوبات الأميركية الواسعة ضد روسيا، ضمن مفاهيم واقعية ركيزتها مصلحة الدولة وشعبها ومن دون التفريط بالحفاظ على علاقة ودية مع الولايات المتحدة، لكن هذه الأخيرة ترفض معادلة الود الإيجابي وطرحت خيارًا وحيدًا أما تسيروا بما نريد أو تصنفوا خصومًا أو حتى أعداء، وانكم تساندون روسيا ضد “العالم الحر”.. ولذلك سنحاسبكم.
لقد توعد الأميركيون وعلى رأسهم رئيسهم غير المتوازن جو بايدن السعودية بانه ستكون هناك عواقب” و”أنه يتعين علينا الاستمرار في إعادة تقييم هذه العلاقة وعلينا أن نكون مستعدين لإعادة النظر فيها”. كما انه “مستعد للعمل مع الكونغرس للتفكير فيما يجب أن تكون عليه هذه العلاقة في المستقبل”، وأوضح المتحدث باسم مجلس الامن القومي جون كيربي أن “بايدن مستعد للعمل الى جانب الكونغرس من أجل اتخاذ خطوات عقابية ضد السعودية. ويريد أن يبدأ هذه المشاورات الآن.. لا أعتقد أنه يتعين الانتظار أو حتى أن ذلك سيستغرق وقتاً”.
لقد قال المسؤولون الأميركيون في حليفتهم مع وقف التنفيذ حاليا، أي السعودية، الكثير من التهديد باعتبارها المحرك لدول “أوبك” مع قليل من الدبلوماسية من حيث وصف قرار “أوبك” بأنه بمثابة انحياز في صراعات دولية وأنه قرار بني على دوافع سياسية ضد الولايات المتحدة الأمريكية. لكن مسؤولين أميركيين كبار تعرّوا تمامًا من الدبلوماسية وأظهروا حقيقة ما يفكرون وفق الحاجة والمصلحة من وصف “أوبك” بالعصابة، الى إعادة فتح ملف جمال خاشقجي، الى وقف عمليات التسليح، وهذه ـ كذبة مؤقتة ـ لأن المستفيد هي الشركات الأميركية، الى محاولة زرع الشقاق والفتن بين الدول المكونة للمنظمة وفي هذا الاطار قال منسق الاتصالات الاستراتيجية في مجلس الأمن القومي الأمريكي، جون كيربي: “دول أخرى من أوبك تواصلت معنا بشكل خاص وقالت إنها اختلفت مع القرار السعودي، لكنها دعمت توجه الرياض مكرهة”.
لقد رفضت السعودية التصريحات الأميركية التي “لا تستند إلى الحقائق، وتعتمد في أساسها على محاولة تصوير قرار “أوبك +” خارج إطاره الاقتصادي البحت؛ وهو قرار اتخذ بالإجماع من كافة دول مجموعة “أوبك +”. أنها لا تقبل الإملاءات وترفض أي تصرفات أو مساعي تهدف لتحوير الأهداف السامية التي تعمل عليها لحماية الاقتصاد العالمي من تقلبات الأسواق البترولية”.
بالطبع حازت السعودية في المواجهة الجارية على دعم مطلق من لجامعة الدول العربية، وأشاد امينها العام أحمد أبو الغيط، بالنهج السعودي المتوازن والمشهود له في استقرار أسواق النفط والمواقف الثابتة والمبدئية للمملكة السعودية إزاء القضايا السياسية الإقليمية والدولية، مستغربا حملة التصريحات الإعلامية السلبية ضد السعودية في أعقاب صدور قرار مجموعة “أوبك +” بتخفيض جزئي لإنتاج النفط. وقال أبو الغيط “إن تلك التصريحات تبتعد عن الحقائق ولا تتأسس سوى على تسييس كامل لقرارات اقتصادية بحتة يعلم الجميع أنها ضرورية من أجل استقرار الاقتصاد العالمي في ظل التحديات الخطيرة التي يواجهها”. وكذلك أعرب مجلس التعاون لدول الخليج العربية عن تضامنه مع السعودية، وأشاد برفضها التصريحات الأمريكية الصادرة بحقها على خلفية قرار مجموعة “أوبك +” خفض إنتاج النفط الخام.
في الواقع إن السعودية ورغم محاولات الاذلال الأميركية المرفوضة من حيث الاملاءات، أبقت على التشديد برغبتها وقراراتها على العلاقات والروابط مع واشنطن لثمانين عامًا أخرى مثلما عبر مسؤولوها الذين يوحون بأن المشكلة ليست مع أميركا وانما مع ادارة بايدن، ما يستوجب الاستثمار على ذلك.
بالطبع إن الضغط الأميركي الذي يشمل مصر لاتخاذ قرارات ممالئة لواشنطن وتعادي روسيا وقد بدأت مع خطوط الطيران، وفي ظل التموضعات الدولية والمخاض الصعب في ولادة عالم جديد بلا ما يسمى القطب الواحد، بات يستدعي تصفية الخلافات والحروب العربية والاحترابات الداخلية وإيجاد قواسم مشتركة، وهي موجودة، اذا كان العرب يبحثون عن مكان حقيقي تحت الشمس.
يعتقد كثيرون ان هناك فرصة تاريخية وفرها أعداء العرب لهم، وقد ظهر بالملموس من يكن لهم الود ويريد لهم المكانة، مقابل من سعوا وراءه ولم يوفر فرصة لاخضاعهم أكثر، لا بل اهانتهم سيما أن تحولات المشهد السياسي الدولي الأساسية أبرزت عوامل قوة مهملة يمكنها تفعيلها، وبكون مردودها أفضل وأقوى من قرار أوبك بتخفيض الانتاج البسيط.
في هذا السياق الذي لا يتطلب جهودا كبيرة بل يحتاج قرارات ضميرية ويمكن أن تكون الخطوة الأولى بإعلان السعودية التي تحوز الآن على دعم موقفها في أوبك، وقف الحرب فورًا على اليمن مع فك الحصار، وتأدية المطلوب لانتظام حياة اليمنيين. واذا قامت السعودية بمثل هذه الخطوة سوف تساندها كل الدول العربية والقوى الدولية من الصين الى روسيا الى الهند الى ايران وتركيا.
إن القيام بمثل هذه الخطوة سيزيد من غضب الولايات المتحدة باعتبارها المغذي الاول للحروب وراعيها، لكنه سيكسب السعودية المكانة والموقع في الإقليم خصوصًا اذا اقرنت الخطوة بالعودة الى المفاهيم العربية الحقيقية التي تجزم بمعاداة الكيان الصهيوني المؤقت وبالتالي سقوط اتفاقات ابراهام الصهيونية الأميركية.
مثل هذه القناعة يمكن أن تؤدي إلى إنشاء اتحادات بين عدد من الدول، كبديل عن التحالفات العسكرية القائمة، ويمكن أن تكون بمثابة “حركة عدم الانحياز-2” مثلا. من بين الدول المفترضة في التشكيل الجديد، يمكن أن تكون الصين وروسيا والهند وايران ودول الخليج وأمريكا اللاتينية وإفريقيا.
لكن السؤال، هل بامكان السعودية المرتبطة عضويًا بالنظام الاميركي العميق أن تقدم على خطوة تؤسس لمستقبل مستقل سياسيًا؟