إستراتيجية أميركا في لبنان: الإستقرار حفاظاً على النفط

خريطة

صحيفة الجمهورية اللبنانية ـ

ألان سركيس:

تُعتبر الرحلات الاستكشافية الدورية التي تقوم بها القوى اللبنانية الى الولايات المتحدة الأميركية، ضرورةً لمعرفة ما يتحضّر من وجبات سياسية للبنان والمنطقة في المطبخ الأميركي.

في هذا السياق، زار أحد الديبلوماسيين السابقين واشنطن للإطلاع عن قرب على السياسة الأميركية. وهو قصد القسم اللبناني من المطبخ الأميركي، وبعد سلسلة لقاءات مع المتعاطين بهذا الملّف، خرج بتأكيد هو أنّ الملّف اللبناني ما يزال يشغل حيّزاً كبيراً من إهتمام الادارة الأميركية. فهناك أشخاص وديبلوماسيّون ومراقبون شغلهم الشاغل رصد التطورات على الساحة اللبنانية، أما تظهير الموقف الأميركي الرسمي، فلا يحصل فوراً، بل إنّ النتيجة التي يصلون اليها، تُقسَم الى قسمين، فإمّا أن يُتخذ موقف فوري معلن، أو أن توضع خطط واستراتيجيات مستقبليّة للبنان.

ويؤكد الديبلوماسي أنّ واشنطن تبني سياستها اللبنانية حالياً وفق معطيَين اثنين تعتبر انهما مرتبطان ببعضهما، وهما، تأثير الأزمة السورية على لبنان، والملف النفطي. وتتخوّف الإدارة الأميركية من انتقال النزاع السوري الى لبنان عبر الحدود وتخشى دخول تنظيم “القاعدة” بهدف زعزعة استقرار لبنان، وتنفيذ عمليات ضدّ المصالح الأميركية، وخصوصاً أنّ لبنان ينتظره مستقبلاً نفطياً واعداً، وهي لن تسمح بأن يقع النفط اللبناني تحت النفوذ الإيراني – الروسي، ومن هنا تعمل السياسة الأميركية جاهدة لتحييد لبنان عن صراعات المنطقة وإخراجه من ايّ صفقة ممكن أن تحصل مع الروس.

ويشير الديبلوماسي إلى أنّ الأميركيين يستمعون في هذه الفترة إلى اللبنانيين، لكنَّهم لا يعطون رأيهم ولا يسدون النصائح لحلفائهم، ويراقبون الوضع، لكن، لديهم علامة استفهام حقيقية حيال الفراغ الذي يضرب مؤسسات الدولة. واذا كان موقفهم واضحاً لجهة تأليف حكومة سريعاً من دون مشاركة “حزب الله”، الّا انّهم يعتبرون من المبكر البحث في استحقاق رئاسة الجمهورية.

تصف أميركا النزاع السوري بأنه يشبه نقطة الزيت التي تسقط على رقعة ثياب وتتسّع، والخوف الاميركي هو من انتقاله الى الدول التي تجمعها حدود مشتركة مع سوريا، وأبرزها تركيا والعراق والأردن، وبما انّ لبنان يشكّل الحلقة الاضعف، فالحذر الأساسي هو من دخوله في التأثيرات السلبية للأزمة السورية.

ويوضح الديبلوماسي أن القرار هذه الأيام في الولايات المتحدة الأميركية ضائع، فهي منشغلة بتطورات الوضع الاستثنائي في المنطقة ككلّ، والنزاع الطائفي وعملية التحوّل الديموقراطي وصعود الإسلام السياسي وهبوطه. وكلّ ملف من هذه الملفات، قسّمته الإدارة الأميركية على حدى، وهو يشكل أطروحة بحدّ ذاتها تعمل على حلحلتها. وهذه التحوّلات الضخمة التي تمرّ بها المنطقة العربية تربك الإدارة الأميركية، علماً أنها لم تعش مرحلة الإرباك هذه، طيلة العقود الماضية، حتى في عزّ الحرب الباردة والصراع مع الاتحاد السوفياتي. ويَظهر الإرباك جلياً في عدم قدرة الأميركيين على اتخاذ قرار واضح للتحرّك، ويحاولون أن يفهموا مثل أهالي المنطقة ماذا يجري، وينتقلون في تعاطيهم من كونهم قوّة حاكمة مؤثرة، الى قوة تتصرّف وفق الفعل وردّة الفعل.

وما يزيد الارباك الاميركي في المنطقة وفق الديبلوماسي، تفاقم الأزمة السورية وتحوّلها الى أزمة طائفية صداميّة، وتقاطعها مع العوامل التي تشغل واشنطن ودخول العامل الإيراني اليها. فتَغيب خريطة الطريق بالمعنى الحقيقي لطريقة تصرّف اميركا في المواضيع المطروحة، لأنّ لا وضوح في الرؤية.

أما التدخّل في النزاع وتوجيه ضربة عسكرية الى جيش الأسد او تنفيذ عملية اجتياح برّي، فأمر غير وارد إطلاقاً، لأنّ الاميركيين لن يدخلوا في تجارب شبيهة بحرب العراق وأفغانستان، ولأنهم يبنون سياستهم على القضايا المحلية والتأثير السياسي للرأي العام. ويوضح الديبلوماسي أنّ عدم التدخل الأميركي هو لسببين، الاول هو السؤال عن هدف التدخل العسكري في سوريا، ولماذا، والغاية منه، والامر الثاني هو غياب التأييد الشعبي لمثل هذه الخطوة.

وإذا كانت أميركا تفضّل في هذه المرحلة عدم التدخل ما يريح خصومها في المنطقة، فكَم سيصمد من يدَّعي العداوة لواشنطن عندما يصدر موقف أميركي يعلن التدخل عسكرياً في النزاع السوري؟

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.