الأحداث الإيرانية والغرب اللاهث، والإعلام بينهما 2/1

موقع العهد الإخباري-

لنا العزيز:

تُعتبر قراءة الأحداث الإيرانية بمعزل عمّا يدور في الفلك العالمي، كقراءة قضية بدءًا بموت الضحية، فلا يبقى للقارئ سوى أثر الدم، ويضيع الفاعل والسبب في مخلّفات التمييع أو الإنكار.

ما نراه اليوم في الإعلام العالمي فيما يتعلّق بالأحداث الأخيرة في إيران، وهنا يجب بداية الإصرار على هذا المصطلح لأن ما يحصل لا ينضوي تحت عنوان “الاحتجاجات” الذي أراد الإعلام الغربي ومن يليه من الإعلام في العالم اعتماده لشرعنة هذه الأحداث، تماما كما حصل في بداية الأحداث في سوريا. ما نراه هو خلاصة تراكمات سياسية عالمية أفرزها انقسام العالم إلى محورين، محور إمبريالي منهمك دوماً بطموحاته التوسّعية في العالم، وأهدافه للاستيلاء على الثروات الطبيعية فيه من خلال الهيمنة، ومحور يجمع ما بين الجهات المناوئة للمحور الأول، على خلفية التحرّر من الهيمنة الاقتصادية والسياسية من ناحية، ومن ناحية أخرى دول عظمى تسعى لاستعادة مكانتها التي فقدتها بعد انتهاء الحرب الباردة بين القطبين العالميين بتفكك الاتحاد السوفياتي لصالح الأحادية القطبية الرأسمالية الأميركية.

كما لم تكن سهلة نشأة جمهورية إسلامية ترفع شعار “لا شرقية ولا غربية، جمهورية إسلامية” في زمن انقسام العالم بين المحور الشرقي والغربي وارسو والناتو، عام 1979، كذلك اليوم لن يكون سهلاً استمرار هذه الجمهورية المناوئة للدول التوسعية ولمشروع التطبيع الناشط مؤخراً في المنطقة، ولكن بفارق هو أن المحور الشرقي لم يعد موضع خصومة مع هذه الجمهورية بل يكاد يكون في موقف الخندق الواحد في وجه هذا المدّ التسيّدي للأميركي في العالم.

يلعب الإعلام غالبا ومنذ نشأته، دور الأداة المطوّعة أو المحرّكة للشعوب، حسبما تقتضيه الحاجة وتبعاً لهوية المُمسك بلجامه. فالموضوعية التي يتحدّث عنها المنظّرون في الإعلام، تفتقر نفسها للموضوعية في الطرح، إذ إن الإعلام منبرٌ يحمل هوية مُعتليه.

ومن اللحظة الأولى لهذه الأحداث، أخذ الإعلام الغربي كعادته دور المحفّز لهذه التحرّكات في الشارع، تماما كما فعل قبل ذلك في المنطقة كلّها، بدءا من أحداث أفغانستان والعراق ووصولاً إلى ما نراه اليوم في إيران.

الأحداث الإيرانية والغرب اللاهث، والإعلام بينهما 2/1

منذ أحداث 11 أيلول/ سبتمبر 2001، خرج الخطاب الإعلامي الغربي بلغة الفرز للشعوب والدول، مدعوماً بقرارات الأمم المتّحدة، وكان العنوان العريض يومها “من ليس معنا فهو ضدّنا”، وهذا يلغي أية احتمالية لحريّة الرأي التي يتبجّح بها الغرب نفسه الذي وضع هذه القاعدة على لسان رئيسه الناتوي جورج بوش الابن. وقد استمدّ لحربه الإعلامية هذه، مدعّماتٍ حقوقية من منظمةالأمم المتّحدة التي تتلطّى بحقوق الإنسان، وحماية المدنيين وحقوق الأقليات والنساء والمُستغلّين للانطلاق بشكل أعمق في المجتمعات عبر ممثلها الأول الولايات المتحدة الأميركية. تحت هذه العناوين، أغارت أميركا على أفغانستان والعراق وعاثت فيهما فسادا وقتلا واستبدلت بالعمران السجون، وكان عنوان حملاتها تلك، الدفاع عن حقوق الإنسان وتنوير البشرية من غياهب الظلام والأصولية بالقوة العسكرية. يا لهول هذا التناقض.

وقد ألبس الإعلام الغربي ومن والاه حالات التفتيت للمجتمعات العربية مصطلح “الربيع العربي”، وألقى على كلّ أعمال الشغب والتدمير والإرهاب ثوب “الثورة والحرية”، ورماها في حضن شعوب سئمت من الدكتاتوريات التي صنعها الغرب نفسه، وتركهم يستمتعون بتحطيم هذه الدكاتوريات وتنصيب ديمقراطيات تُشبه الشرق الأوسط الجديد الذي تحدّثت عنه كونداليزا رايس قبل حرب تموز 2006 على لبنان.

هذا الممر التأريخي الذي نذكره لا بدّ منه، للعبور إلى زمننا الحالي، وقراءة الإعلام العالمي في نهجه الجديد اتجاه القضايا في المنطقة. وقد رُصد على مدى عقد من الزمن أو أكثر تعاطي الإعلام الغربي مع الأزمة في الجمهورية العربية السورية، حيث كانت داعش وجبهة النصرة يُسمّون بالثوّار وكان أثر ذلك بالغاً في المجتمعات بحيث تبنّى هذا الخطاب الإعلامي حتّى أعداء أميركا المُفترضون من التيارات اليسارية الشيوعية في سوريا وخارجها، فقط لأنهم يحملون اسم ثوّار ولما تركه الإعلام الغربي الذي يُعتبر المصدر الرئيس للأخبار في عالمنا. كانت تغطيات الإعلام الغربي خلال هذه الأزمة تُركّز على الأجندة المرسومة للمنطقة وللبشرية، إذ دأب الإعلام الغربي على نشر تمثيليات للتفجيرات والاعتداءات من قبل الدولة السورية على “الثوار” المسالمين وأطفالهم، ما لبثت أن انكشفت هذه الأكاذيب إلّا أن الإعلام الغربي ومن خلفه محرّكو هذه العمليات التدميرية في سوريا، لم يتخلّوا عن هذه الروايات الكاذبة، في حين تم التعتيم على المجازر التي ارتكبها الدواعش وجبهة النصرة وغيرهم تجاه الشعب السوري والجيش السوري.

هذا الأمر نفسه حصل لاحقا في العراق مع دخول هذه التنظيمات الإرهابية إلى العراق، حيث استُخدم خطاب الدفاع عن حقوق الأقليّات الدينية والعرقية هناك لتأجيج الفرقة والعصبيات، بينما تمّ طمس أفعال الدواعش بالأيزيديات وهنّ من الأقليات العرقية، وما فعلوه بالطوائف الأخرى.

ما يحصل من حرب إعلامية على إيران اليوم، لا يقتصر فقط على موضوع تصدير حادثة الشابة مهسا أميني، إنما يتجاوزها لاختيار اللغة المناسبة لكل شعب ومخاطبته بها، وهذا ما يفعله الغرب دائماً في كلّ البلاد التي يريد إسقاطها. فلو نظرنا إلى مسألة الحجاب في إيران، لوجدنا الأمر قانوناً مفروضا وأكثر تشددا في السعودية والبحرين فلمَ التركيز الإعلامي على إيران بما يخصّ هذا الموضوع وفي هذا التوقيت، بينما تُغفل باقي الدول من المطالبات الغربية لحقوق المرأة، بل وحقوق الإنسان، وفي المقابل يُطالب الرئيس الأميركي جو بايدن بتأمين الحماية الدبلوماسية لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، لحمايته بما يخصّ قضية قتله للصحافي جمال الخاشقجي وتقطيعه بالمنشار بأمر منه؟

الجواب هو ما سردناه إلى هنا، والإعلام الغربي ما هو إلّا أداة موجّهة تبعاً لأولويات السياسات الغربية في المنطقة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.