#الأسد – #اردوغان… واللقاء الصعب

ارشيف

موقع العهد الإخباري ـ
سركيس أبو زيد:

 

على أثر الانقلاب التركي الفاشل، الذي أعقبه تبدل في السياسة الخارجية التركية لأردوغان والتقرب من المحور الروسي، طُرحت في الفترة الأخيرة تكهنات ورهانات كثيرة حول لقاء مرتقب بين الرئيس السوري بشار الأسد والرئيس التركي رجب طيب أردوغان في ظل رعاية روسية.

وتحت هذا المسمى، جاءت مؤخراً زيارة رئيس المخابرات العامة السورية اللواء علي مملوك على رأس وفد أمني كبيرإلى موسكو، حيث عقد لقاءات مع القيادة الروسية، وأيضا مع مسؤولين أمنيين أتراك على رأسھم رئيس المخابرات حقان فيدان.

لكن وحسب المعلومات المؤكدة، لا يعول حتى الآن على انقلاب تركي شامل في المواقف، وكل ما يجري هو مجرد “جس نوايا” من قبل الأتراك من دون أي ترجمة فعلية على الأرض، بل بالعكس فإن الأتراك استبدلوا إرھابيين بإرھابيين في جرابلس، حتى عمليتھم “درع الفرات” لم تكن منسقة مع دمشق، واكتفى الأتراك بابلاغ العاصمة الروسية وليس أي طرف آخر. وبذلك تحولت تركيا الى لاعب أساسي والمسلحون باتوا في شمال سوريا أوراقا تفاوضية سياسية بيد أنقرة.

محللون خبراء في شؤون الشرق الأوسط يرون  أن دور تركيا العسكري في سوريا تطور فائق الأھمية مھما كانت نتائجه على سوريا. من ناحية، أدى ھذا التدخل العسكري إلى إحياء قدرات تنظيمات في المعارضة السورية كانت على وشك الاضمحلال وأعاد إدخالھا لاعباً ميدانياً في ساحة الحرب السورية.

والسؤال المطروح هنا: ھل في ذھن أردوغان إنماء قدرات ھذه التنظيمات ليكون قادراً على المساومة سياسياً مع محور روسيا وإيران والنظام في دمشق؟ وھل تلك المساومة سورية الھوية، بمعنى أنھا تتعلق بموقع المعارضة السورية في مستقبل سوريا، أم أنھا مناقصة ومقايضة من أجل الأمن القومي التركي من البوابة السورية وعبر النافذة الكردية تحديداً، كما يراه أردوغان؟

الواضح ھو أن أردوغان قرر لعب كل أوراقه من دون أن يكشف جميعھا في آن. فاستدارته السورية أربكت أكثر من لاعب إقليمي وتثير شكوك موسكو وواشنطن لأسباب متضاربة. فھو ساعة ينسق أميركياً وساعة يتمحور روسياً وساعة يتفاھم إيرانياً تحت عناوين مثل دحض تنظيم “داعش” واحتواء أخواته، ومثل قمع طموحات القومية الكردية ذات الأحلام السيادية – الجغرافية الممتدة من العراق إلى سوريا ومنھا إلى تركيا وإيران. كما نسمع يوماً أن أردوغان جاھز للتراجع عن معارضته القاطعة لبقاء الرئيس السوري بشار الأسد في الحكم للموافقة على بقائه “مؤقتا” في المرحلة الانتقالية بأفق زمني مفتوح على “المؤقت”.

كثيرون يقعون في حيرة أمام ما يخططه أردوغان خصوصاً في سوريا بعدما حوّل المعركة فيھا وعليھا إلى ساحة حربية تحت عنوان الأمن القومي لتركيا.

بعض الدول الخليجية بدأ حائراً وانتھى غاضباً مما يفعله أردوغان في سوريا بلا تنسيق ولا تشاور مع الحليف الخليجي التقليدي. الذي انقسم إلى رأيين:

الرأي الأول: يرى أن من الأفضل عدم انتقاده ولجم التصادم معه والانتظار إلى حين وضوح ما ستسفر عنه سياساته المتسارعة والمثيرة للتساؤلات، وبعد ذلك يمكن استئناف العلاقات المميزة معه والتنسيق الضروري لإحياء علاقات التحالف معه، لأن المصلحة الخليجية تقتضي التأني بلا تسرّع، ولعل ما يقوم به أردوغان يشكل دافعاً أو خريطة طريق نحو حلحلة سياسية للمواقف الدولية والإقليمية في سوريا.

الرأي الثاني يقول إن الخليج (الفارسي) فقد الثقة بأردوغان بعد استدارته المفاجئة، وبالتالي، لا خيار أمامه سوى التخلي عنه. لأن ما يفعله أردوغان في سوريا ھو عبارة عن تطويق نفسه بنفسه أميركياً وروسياً وخوض حرب لا يمكن كسبھا مع الأكراد تترتب عليھا تداعيات داخل تركيا.

وهنا يبرز تساؤل عما إذا كان استقواء أردوغان ظاھرة مؤقتة لرجل في ورطة يحفر لنفسه مستنقعاً في سوريا وكذلك داخل تركيا؟ أم أن الرئيس التركي حدد ما ھي مواقع ضعف اللاعبين كافة في سوريا وقرر أن الوقت حان للاستفادة من الخاصرة الرخوة بما يضمن له سلطوية داخلية وتموضعاً إقليمياً أمنياً بامتياز.

فالأتراك لديھم ھواجسھم الخارجية والداخلية الكبيرة أيضاً، والدعم الأميركي لمعارضي حزب العدالة والتنمية، والخوف من انقلاب جديد وبالتالي يسرعون الخطوات نحو إيران وموسكو، التي تعمل بكل جھد على تحسين العلاقات التركية  السورية وتقدم إغراءات اقتصادية كبيرة للأتراك.

ويستند الروس في خطواتھم الى موازين القوى على الأرض التي تصب كلھا في مصلحة الجيش السوري وحزب الله، بالمقابل فإن قدرات المسلحين تتلاشى وظھر ذلك في الھجوم الأخير في ريف حماه وعدم القدرة على متابعته رغم التواجد الرمزي للجيش السوري الذي تمكن من صد الھجوم والقيام بھجوم مضاد. كما شكل استعادة الكليات العسكرية وإقفال ثغرة الراموسة والمصالحات في محيط دمشق انتكاسات إضافية للمسلحين، حتى أن تنظيم “داعش” بات وجوده محصورا في الرقة وبعض مناطق الحسكة فقط.

كل هذه الأسباب وغيرها، فتحت الباب للتكهنات والرهانات السياسية على لقاء مرتقب بين الرئيس السوري بشار الأسد والرئيس التركي أردوغان برعاية روسية. ومؤخراً اعلنت صحيفة “السفير” اللبنانية عن قرب عقد لقاء ثلاثي في موسكو، يضم الرؤساء بشار الأسد، فلاديمير بوتين، ورجب طيب أردوغان. ناطق الكرملين ديمتري بيسكوف نفى النبأ، واصفا إياه بالمختلق. وذلك لأن المشروع الثلاثي التركي الروسي السوري، لا يزال على الطاولة.  وطلب الروس إجراء تحقيقات وتحديد المسؤولية عن التسريب الى صحيفة عربية، ولأن الروس كانوا الأكثر ضيقا وانزعاجا من ھذه التسريبات، بحسب معلومات “السفير”، وطلبوا التكتم على ما يجري من مشاورات لضمان استمرارھا واحتواء التدخلات الخارجية والضغوط الأميركية خاصة على تركيا.

ويبدو أن الفشل المفاجئ الأميركي الروسي في التوصل الى تفاھمات حول سوريا، بغض النظر عن أسبابه، أنھى الصمت الروسي حول اللقاء الذي لا يزال مطروحا على الطاولة، ليخرج النفي من الكرملين، بعدما أصبح اللقاء، في غياب التفاھم مع الأميركيين حول أي قمة مع الأتراك والسوريين، مبادرة غير محسوبة تظھر انفرادا غير ممكن بالتسوية في سوريا.

تزامن هذا النفي مع فشل الرھان الروسي والأميركي على تحقيق تفاھم على حل سياسي في سوريا، خلال قمة العشرين. وكانت المؤشرات الأولية لدى الجانبين تذھب الى اعتبار التفاھم قائما تقريبا. عبّر عن ذلك بقوة، مايكل راتني مسؤول الملف السوري في الخارجية الأميركية الى إبلاغ فصائل المعارضة السورية بتفاصيله في رسالة بعث بھا اليھم بتاريخ 3 أيلول الحالي، وھو ما عبّرت عنه أيضا التصريحات في الخارجية الأميركية عن الاقتراب من الحل والتفاھم مع الروس، قبل أن تبدأ إيابھا الى التشاؤم، واتھام الروس بأنھم تراجعوا عن الاتفاق، خصوصا بعد تقدم الجيش السوري في جنوب حلب.

وبناء عليه فإن اللقاء المرتقب بين الرئيس السوري الأسد والرئيس التركي أردوغان برعاية الرئيس الروسي بوتين هو مستبعد كلياً في الفترة الحالية رغم الرغبة التركية بذلك، التي تحاول توسيع خطواتھا تجاه دمشق لتشمل أيضاً أموراً اقتصادية.

*سركيس ابو زيد/ العهد

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.