الاسـتـثمارات القطـريـة فـي أوروبـا… وصـناعـة القـوة «النـاعمـة»

paris-ne-sera-jamais-qatari-

صحيفة السفير اللبنانية ـ
نادين شلق:
اليونان التي تواجه أزمة اقتصادية خانقة، قررت مؤخراً قرع الباب القطري، علّه يفتح على فرصة نجاة تساعدها على تخطي أزمتها أو ربما على التقليل من وطأتها. هذه الخطوة التي سبقتها إليها غيرها من الدول الأوروبية، تطرح تساؤلات حول المصالح المشتركة التي تحرك الأدوار المتبادلة بين أوروبا وقطر، وحول الأسباب والعوامل التي جعلت هذه الدولة الخليجية الصغيرة تؤثر اللعب في ملاعب الكبار.
مليارات الدولارات تصرفها قطر سنوياً في استثماراتها في أوروبا، ملايين منها تذهب إلى قطاع العقارات، أخرى إلى الفنادق، وغيرها إلى الرياضة والإعلام. هذه الدولة الصغيرة التي لا تتعدى مساحتها 12 ألف كيلومتر مربع، وعدد سكانها مليون ونصف المليون نسمة، أصبحت من أكبر المستثمرين في العالم بشكل عام، وفي أوروبا بشكل خاص، مع تمايز واضح بالنسبة إلى فرنسا، بسبب حيازتها على مكانة إستراتيجية «أكثر خصوصية».
وفي ظل عائدات النفط والغاز التي تتخطى مئة مليار دولار سنوياً، يمكن لدولة مثل قطر أن تحلم ويُسمح لها أن تطمح، كما يسهل عليها أن تحقق.
قطر الصغيرة، كوّنت في أوروبا وفرنسا قوتها «الناعمة»، مستفيدة من عدة مكونات وعوامل، وضاربة بعرض الحائط الأفكار والآراء المسبقة ومخترقة حواجز كثيرة، لتصل إلى هدف واحد لخّصه السفير القطري في فرنسا محمد الكواري في مقال نشرته صحيفة «لوموند»، قائلاً: «موارد قطر المالية تسمح لها بالانفتاح على العالم، وهو أمر حاسم بالنسبة إلى مستقبلها».
المقاربة واضحة، والحاجة متبادلة. قطر التي تشهد نمواً حاداً منذ أكثر من 15 عاماً، تحاول أن تلمّع صورتها في أوروبا، فتستثمر في هذه القارة التي تعاني من أزمة اقتصادية خطيرة، وتشهد نمواً متباطئاً. فكان بروز القوة القطرية في قطاع المصارف، خصوصاً تلك التي تعاني من أزمات متراكمة بسبب الكساد الاقتصادي في القارة «العجوز»، إضافة إلى قطاع السياحة والعقارات والإعلام والرياضة.
من هنا، وفر هبوط الأسعار بسبب الأزمة المالية، فرصاً كبيرة، لاستثمارات هذه الدولة الخليجية، وحقق لها إيرادات سنوية مرتفعة.
«كل ما تقوم به قطر يدخل ضمن سياسة مدروسة جداً، للصعود والبروز كقوة على الساحة الدولية، من خلال إتباع إستراتيجية القوة الناعمة»، يقول مدير الأبحاث في «معهد العلاقات الدولية والإستراتيجية» الفرنسي، كريم بيطار في حديث إلى «السفير».
ويوضح بيطار أن هذا البلد الصغير «محاط بجارين قويين عسكرياً وهما السعودية وإيران، والاستثمارات في الدول الغربية، وخصوصاً في بعض القطاعات المهمة في أوروبا، تشكل بالنسبة إلى قطر نوعاً من التأمين على الحياة».
إذا من الواضح أن الطموح القطري، ليس اقتصادياً فحسب، فوفق تعبير بيطار، «الهدف من هذه الاستثمارات هو الاستفادة على أفضل وجه من عائدات النفط والعمل على العثور على مصادر جديدة للتنوع، من أجل مستقبل أفضل».
من هنا، جاءت الأزمة الاقتصادية في أوروبا لتسهل المهمة بالنسبة إلى قطر، التي استغلت إعادة التموضع وتوزيع الخرائط، مدركة أن هناك أماكن يجب أن تُشغل.
الحاجة إلى فرنسا
منذ سنوات يتركز الاهتمام القطري على أوروبا، لكن في فرنسا، يمكن القول إن قطر، تعتمد إستراتيجية أكثر طموحاً، تمتد منذ عهد الرئيس نيكولا ساركوزي، «حين أرادت قطر أن توسع نفوذها بسرعة على الساحة الدولية، مستفيدة من رغبة ساركوزي بدخول العالم العربي من باب مختلف عن الصورة النمطية المرتبطة به على أنه مقرّب من إسرائيل»، كما يشرح بيطار.
المحلل السياسي المتخصص في الشأن القطري نبيل الناصري، يتشارك مع بيطار في هذه الفكرة، لكنه يورد عاملاً آخر ساهم في تطوير العلاقة القطرية ـ الفرنسية.
وقول الناصري لـ«السفير» إن «الدوحة أملت في تعزيز تعاونها مع باريس انطلاقاً من شعورها بالحاجة إلى تنويع تحالفاتها، كي لا تعتمد حصراً على الدعم الأميركي».
وهذا التعاون يظهر بشكل جلي «في المجال العسكري»، وفقاً للناصري، الذي يلفت إلى أنه «بالرغم من الغطاء الأميركي من خلال القواعد الأميركية في البلاد، إلا أن 80 في المئة من المعدات العسكرية القطرية هي صناعة فرنسية، بالإضافة إلى أن التعاون قائم في المجال الاقتصادي والرياضي».
ويؤكد الناصري أيضاً أن هذه العلاقة والتحالفات السياسية، ستؤدي إلى «نتائج مربحة للبلدين»، تظهر في إعادة التموضع بالنسبة إلى فرنسا «بزيادة حصتها في الأسواق والتطورات الاقتصادية العملاقة لقطر»، كما أنها ستساعد قطر على نسج «روابط أكثر صلابة مع قوة ديبلوماسية من الدرجة الأولى، وضمان دعم باريس في حال تعرض منطقة الخليج لأزمة خطيرة».
ويشير الناصري إلى أن قطر التي «تقع في عين العاصفة، بين الشهية السعودية والتهديدات الإيرانية، لديها وعي حاد لنقاط ضعفها الجوهرية».
تحليل الناصري في هذا المجال، لا تنكره قطر، التي وجدت نفسها مضطرة لتبرير ظهورها على الساحة الفرنسية وتصاعد نفوذها الاقتصادي، خصوصاً بعد انتشار خبر استثماراتها في الضواحي الفرنسية، فكانت صحيفة «لوموند» منبراً لسفيرها محمد الكواري الذي أوضح، في أحد مقالاته، أن قطر «بلد ذو مساحة صغيرة وعدد سكان قليل، ما يشكل بالنسبة إليه مصدر ضعف في عالم تحكمه الدول العملاقة».
استثمارات إسلامية؟
الاستثمارات القطرية في بريطانيا وإسبانيا وألمانيا وغيرها من الدول الأوروبية، مرت مرور الكرام في الإعلام، إلا أنها في فرنسا أحدثت ضجيجاً مترافقاً مع دفق الكثير من الحبر في الصحف، وإثارة الاستهجان، بعد إعلان هذه «الإمارة»، كما يحلو للإعلام الفرنسي تسميتها، عن فرز مبلغ 150 مليون يورو لاستثمارات في الضواحي الفرنسية التي تسكنها غالبية مسلمة.
ومع ذلك، يمكن وضع هذا الضجيج ضمن خانة «القرقعة الفارغة» التي لم توصل إلى نتيجة، خصوصا في ظل استمرار الإستراتيجية القطرية. فقد أعلنت الدوحة مؤخراً عن دراسة لاستثمار حوالي 13 مليار دولار في الشركات الفرنسية.
وبالرغم من أن الاستثمارات في الضواحي الفرنسية لا تشكل سوى نقطة في بحر الاستثمارات القطرية في فرنسا، إلا أن الإعلام الفرنسي شن «حملة شرسة» عليها، متذرعاً بما يمكن وصفه بـ«الدولة الإسلامية التي تحاول التبشير بالإسلام السياسي اقتصادياً».
استثمارات هذه «الإمارة»، «تشكل مصدر إحسان لمن يهمه الأمر، ومصدر إذلال للبلد المتلقي، الذي يظهر مفلساً إلى درجة الاستعطاء»، بحسب الفيلسوف الفرنسي برنارد هنري ليفي، الذي يقول في مجلة «لو بوان»، إن المبلغ الذي تم الإعلان عنه للاستثمار في الضواحي الفرنسية، «ليس إلا خدعة أو دعاية».
ويشدد هنري ليفي على فكرته هذه، معتبراً أن المبلغ «غير المكلف»، ساعد قطر «حيث الالتزام بالقيم الديموقراطية، موضع تشكيك دائم»، على «شراء شهادة في الأخلاق».
وبالإضافة إلى ذلك، فإن ما يثير دهشة الفيلسوف الفرنسي هو المفهوم السياسي لهذه الأموال، فبالنسبة إليه «هذا المال له لون بلد يحرم مواطنيه من الحرية العامة، ويعامل المهاجرين (الهنود والباكستانيين والفلبينيين)، على أنهم أقل من المواطنين، حتى أقل من البشر أو كأنهم عبيد».
«مشكلة أخرى»، يتطرق إليها هنري ليفي، وهي «الاشتباه بالتبشير السياسي – الديني»، الذي «من المستحيل عدم تغذيته، حين يتعلق الأمر بنظام ليس سريا بالنسبة إليه، دعمه للتيارات الإسلامية المتشددة»، بحسب تعبيره.
نبيل الناصري، الذي يرأس رابطة مسلمي فرنسا، يدحض بشكل غير مباشر ما سبق أن ذكره هنري ليفي، وهو يرد على الحملة التي شنها الإعلام على الاستثمارات في الضواحي، معتبراً أن الوسائل الإعلامية التي روّجت للحملة، هي «مثل جزء من الطبقة السياسية، رهينة رؤية تملؤها العصبية لكل ما يتعلق بالعالم العربي ـ الإسلامي، وكل ما يرتبط بالإسلام».
والناصري الذي يشرح أن «قطر لم تستثمر في الضواحي الفرنسية من تلقاء نفسها، بل إن هذه الضواحي هي التي لجأت إليها وطلبت دعمها»، يعتبر أن كل ما فعله القطريون هو «اغتنام الفرصة، ومساعدة نسبة سكانية مهمشة في فرنسا، تشكل مجموعة من الموارد والمهارات».
أما بالنسبة إلى الخوف من أن يذهب المال القطري إلى المجموعات الإسلامية المتطرفة في الضواحي الفرنسية، فيقول الناصري إنها ذريعة «خيالية ولا مبرر لها، وتستخدم من قبل اليمين المتطرف لإخافة الفرنسيين من الحضور القطري في فرنسا».
مع ذلك، لا يمكن إنكار أن الاستثمارات القطرية في الضواحي الفرنسية، تأتي في وقت يثير الإسلام السياسي حفيظة الفرنسيين بشكل عام، خصوصاً أن «قطر تشكل خوفاً مزدوجاً بالنسبة للفرنسيين»، وفق تعبير الباحث كريم بيطار: «خوف من الإسلام من جهة، وخوف من فقدان السيادة الاقتصادية، مع وجود الأزمة الحالية، من جهة أخرى».
كما أن قطر موضع انتقاد أكثر من غيرها لأن «استثماراتها ليست سوى جزء من مشروع كبير جداً، يهدف إلى صعود قوي اقتصادياً وديبلوماسياً»، وفقاً لبيطار.

قطــــر فـــي فرنســا

من الصعب الحصول على قائمة شاملة بالشركات والمؤسسات الفرنسية التي تلقت استثمارات من الدولة القطرية في السنوات الأخيرة، ولكن يمكن على الأقل تعداد بعض الشركات المعروفة:
÷ قطر هي ثاني أكبر مساهم منذ العام 2009، في المجموعة الفرنسية «فينشي» (vinci)، الأولى في عالم البناء.
÷ تملك قطر 5 في المئة من مجموعة «فيوليا» (violea) للبيئة، الرائدة عالمياً في مجال معالجة النفايات.
÷ تملك قطر 12.38 في المئة من مجموعة «لا غاردير» (Lagardère) ، (المعروفة في مجال الإعلام، الرياضة، والدفاع)
÷ تملك الدوحة حصة 2 في المئة من مجموعة «فيفندي» (Vivendi) للإعلام والاتصالات.
÷ تملك قطر 2 في المئة من شركة «توتال» للنفط.
÷ تملك قطر أيضاً عدة مبان في باريس، من بينها مقر صحيفة «لو فيغارو»، والمبنى الذي يضم متجر»فيرجن» (Virgin) في شارع الشانزليزيه.
في عالم السياحة والفنادق والترف:
شكل عالم الترف مصدر اهتمام بالنسبة لقطر:
÷ امتلكت قطر سلسلة من الفنادق الفخمة، مثل «رويال مونسو» (Royal Manceau) في باريس، و«كارلتون» (Carlton)،»مارتينيز» (Martinez) و«ماجيستيك» (Majestic) في كان.
÷ تملك قطر واحدا في المئة من مجموعة LVMH، الرائدة في عالم الترف والتي تضم «فويتون» (Vuitton)، و«ديور» (Dior)، و«تاغ هوير» (Tag Heuer) وغيرها، كما تملك 85 في المئة من مجموعة «لا تانير» (La tanneur) للجلديات.
÷ تملك 6.39 في المئة من «مونت كارلو اس بي ام» (Monte-Carlo SBM) ، التي تدير العديد من الأسهم في الفنادق والسياحة.
الرياضة:
÷ في العام 2011، اشترت قطر فريق «باري سان جرمان» (Paris Saint Germain) لكرة القدم.
÷ تملك قطر منذ حزيران الماضي نادي باريس لكرة اليد.
÷ تملك قطر جائزة «آرك دو تريونف» (Arc De Triomphe) لسباق الخيل والذي يجري مرة كل سنة.
÷ ستستلم قطر عملية تشغيل «استاد دي فرنس» (Stade De France) في سان ديني.

قطـــر فــي أوروبـــا

بريطانيا:
÷ استثمارات كثيرة في القطاع العقاري، وخاصة في الحي التجاري «كناري وارف» (Canary Wharf) و«القرية الأولمبية» (Olympic Village).
÷ تمتلك قطر محلات «هارودز» (Harrods) الفخمة، وستة في المئة من مصرف «باركليز» (Barclays)، و15 في المئة من بورصة لندن.
ألمانيا:
÷ تمتلك 10 في المئة من شركة «بورش» وسبعة في المئة من شركة «فولس فاغن» للسيارات.
إسبانيا:
÷ تملك قطر نادي «ملقة» (Malaga) الرياضي لكرة القدم.
÷ مواد أولية وطاقة: «إيبردرولا» (Iberdrola) (6.2 في المئة)
لوكسمبورغ:
÷ مصـرف «ديكسـيا» (Dexia) (90 في المئـة)، ومصـرف «KBL» (100 في المئة)

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.