التعويض في «كسب»: رهان فاشل

free syrian army - kasab

موقع سلاب نيوز – 

حسين طليس:

مؤلمة كانت عمليات الجيش السوري الأخيرة في يبرود والحصن، وبقدر ما سببت ضرراَ للمسلحين في الداخل، سببت أضعاف ذلك لداعميهم من الخارج. فقد المسلحون آخر قواعدهم الخلفية (القلمون) التي كان من المفترض أن تكون ارتكازاً لهم ومنطلقاً لإنتشارهم، إضافة الى كونها الملجأ الخلفي في حال التراجع، ومخازن الاسلحة والدعم القادم من خلف الحدود.

ليست القلمون فحسب، فمواقعهم في حلب أيضاً تتعرض هي الأخرى لحملة يشنها الجيش السوري لتطويق المدينة بات قاب قوسين او ادنى من من اطباق الطوق وعزلها عن الريف، في وقت يتقدم في ريفها الشرقي بمساحات واسعة.

كذلك دير الزور حيث يشن الجيش حملة عسكرية واسعة أحزر خلالها تقدماً كبيراً واعاد المحافظة التي كانت تشكل بدورها منطقة شبه آمنة للمسلحين، جبهة قتال يتقدم فيها ويقضي على وجودهم تدريجياً.

حمص، تبقى منها الأحياء القديمة تحت سيطرة المعارضة. ريف دمشق بغوطتيه، أصبح مناطق محاصرة ومعزولة على غرار دوما، أو جبهات باتت على وشك السقوط كداريا وحرستا. حماه المدينة بيد الجيش وريفها مقسوم بينه وبين المسلحين والجبهات مفتوحة. بإختصار لا منطقة آمنة ومستقرة بالنسبة للمسلحين، خاصة تلك التي تستوفي الشروط لتكون “القاعدة”.

معنويات المسلحين تكاد تتدنى الى ما دون الصفر بعد سقوط يبرود والإطباق على حلب وهجوم دير الزور، هزائم وتراجع على كافة الجبهات، انقسامات وتشتت وضعف في التنسيق، كان لا بد من “كسب” ما.
لوحت أميركا بدعم المسلحين من جديد، وفي وقت كانت جبهات القلمون تنهار، والحصن في تلكلخ محاصر وعلى وشك الإنهيار، باتت فرضية ان يكون الخط الحدودي مع لبنان هو القاعدة المرجوة امر مستحيل، فتم اختيار درعا، سربت الانباء او كشفتها الأجهزة السورية، فقام الجيش بتنفيذ عملية وقائية في درعا وريفها إضافة الى صد المسلحين في القنيطرة، في الوقت نفسه كانت الأردن تتحسس خطورة المسلحين وتواجه عمليات تسللهم عبر حدودها، ولم تجد مصلحة لها وسط التهديد السوري الرسمي لها بالعواقب، أن تكون المنطقة الآمنة على حدودها والإنطلاق من أراضيها، فسقطت فرضية درعا، ومعها سقط مشروع الهجوم على دمشق.

كان لابد من تعويض، منطقة توازي دمشق في أهميتها، تعيد السيطرة عليها زخم المعنويات للمسلحين، وتشكل ضربة موجعة للحكومة السورية والجيش السوري، وتتوافر فيها الشروط المطلوبة من الجهات الخارجية لتوريد المساعدات، ولا تنفذ منها “جماعات غير منضبطة” على غرار داعش، فكانت كسب.

كسب في الريف الشمالي لمدينة اللاذقية التي توازي دمشق أهمية بالنسبة للنظام، والتي من شأن الوصول اليها او تحقيق المكاسب فيها أن يعيد المسلحين من الغيبوبة والتشتت الذي سببته صفعة يبرود والحصن، خالية من داعش والفصائل “غير المنضبطة” التي قد يسبب دعمها احراجاً للدول الغربية كونها مصنفة ارهابية وتثير مخاوفها، قريبة من البحر المتوسط وبإستطاعتها تأمين منفذ بحري للمسلحين، طبيعة حرشية تسمح بالتسلل الخفي، على الحدود التركية حيث الحكومة الأردوغانية التي تتهاوى في الداخل وتحتاج الى اي انجاز او دعم خارجي يثبتها في الداخل على أبواب انتخابات بلدية، وبالمقدور وصلها بريف ادلب وريف حلب الشماليين، فتكون منطقة آمنة تشكل قاعدة للمسلحين، وتعويض عما خسروه في باقي المناطق.

انطلق الهجوم، وكانت “معركة الأنفال” وفق التسمية التي اطلقها المسلحون عليها، وبدعم عسكري تركي واضح وعلني، انطلق آلاف المسلحين عبر الحدود التركية بعد أن قام حرس الحدود التركي بقطع الأسلاك الشائكة، ونفذوا عمليات قنص ضد جنود الجيش السوري المتمركزين على المعبر الحدودي الأخير بين سوريا وتركيا الخاضع لسلطة الجيش السوري، معبر كسب.

آلاف المقاتلين الأجانب يقودهم الشيشاني الملقب بأبو موسى، والذي بحسب ما أفادت المصادر يتولى قيادة العملية والتنسيق مع الأتراك وعلى صلة وثيقة وتعاون قوي مع ضباط في الإستخبارات التركية، عبروا الحدود وسيطروا على معبر كسب، إضافة الى معبر نبع المر والصخرة، وتابعوا تقدمهم وسط تغطية مدفعية وحماية جوية من قبل الجيش التركي، كانت علنية وواضحة حتى وصلت الى اسقاط طائرة سورية كانت في طور شن غارة على المسلحين، فيما وصل المسلحون الى مشارف مدينة كسب ونفذوا على البحر المتوسط غرباً.

منذ عبورهم الحدود مع تركيا وحتى وصولهم الى مشارف كسب، كان الجيش السوري ولجان الدفاع في حال «دفاع انفعالي» بوجه الهجوم المباغت المدعوم من تركيا تجهيزاً وتسليحاً وتخطيطاً، الا أنه سرعان ما تم امتصاص تأثير الصدمة عند مشارف مدينة كسب، ليتفاجأ المسلحون بمقاومة عنيفة من لجان الدفاع في المدينة وهجوم مضاد من قبل الجيش السوري أستعاد عبره السيطرة على عدة نقاط استراتيجية وتلال مهمة في المنطقة، فيما لا تزال المعارك على أشدها مع فقدان المسلحين للقدرة على تثتبيت نقاطهم في الاماكن التي سيطروا عليها، يتابع الجيش السوري عمليات القصف الواسعة على التلال والأحراش التي انتشر فيها المسلحون قاضيا على العشرات منهم، وقواته البرية تتقدم لإستعادة السيطرة على المناطق التي سقطت. فهل سيستطيع المسلحون أن ينطلقوا من كسب في عملية انشاء القاعدة الخلفية للإنطلاق منها بعمليات مؤلمة ضد المناطق الساحلية؟

مصادر مراقبة للميدان تعتبر أن الهجوم قد فشل، وفشلت من خلفه تركيا والجهات الخارجية التي اوعزت الى تركيا دعم الهجوم وتغطيته، إذ أن النظام استدرك الامور سريعاً، واستعاد زمام المبادرة فيما لم يستفد المسلحون من عنصر المباغتة، وباتوا في موقع الدفاع عن المناطق التي سيطروا عليها بدل أن يكونوا في موقع الهجوم والتقدم للسيطرة على مساحات أوسع، بما يخدم ربط ريفي ادلب وحلب بريف اللاذقية وصولاً لتحقيق حلم أول منفذ بحري على المتوسط والحدود التركية شمالاً.

وتضيف المصادر، تركيا فعلت كل ما يمكن فعله في العلن، وما عاد بإستطاعتها أن تقدم أكثر من ذلك، سلاح الجو السوري تجاهل الرسالة التركية عبر إسقاط الطائرة، بل أرسلت الدفاعات الجوية اليوم رسالة بوجهها تفيد بأن سوريا أيضا جاهزة للضرب في حال أي تدخل او دعم جوي، كذلك فعلت الصواريخ السوري التي طالت الأراضي التركية رداً على القصف المدفعي. المسلحون خسروا الدعم اللوجستي والعسكري التركي، وسلاح الجو السوري يتابع تفوقه على عنصر قوتهم في التسلل عبر الأحراش، المسلحون عاجزون عن الصمود في نقطة واحدة، فهل سقطت الخطة الأخيرة، لإنشاء القاعدة الخلفية ؟!

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.