العنف ضد المرأة.. إنتهاك لحقوق الإنسان

صحيفة البعث السورية-

د. معن منيف سليمان:

تحتفل الجمعية العامة للأمم المتحدة سنوياً بتاريخ الخامس والعشرين من شهر تشرين الثاني، ومنذ العام 1999، باليوم العالمي لمناهضة العنف ضدّ المرأة، وتوصي المنظمة الدولية جميع المنظمات الرسمية وغير الحكومية ووسائل الإعلام حول العالم بالترويج لثقافة القضاء على العنف تجاه المرأة. فالعنف ضدّ المرأة يعدّ انتهاكاً لحقوق الإنسان، كونه ينجم عن التمييز ضدّ المرأة قانونياً وعملياً، وكذلك عن استمرار نهج اللامساواة بين الجنسين، ويترتّب عليه من الآثار السلبية ما يعيق التقدم في العديد من المجالات مثل القضاء على الفقر، ومكافحة فيروس نقص المناعة البشرية (الإيدز)، والسلام والأمن. لكن هذا العنف يمكن مكافحته على الرغم من أنه وباء عالمي تعاني منه أكثر من 70 بالمئة من النساء في العالم.

أعلنت ناشطات نسويات يوم 25  من شهر تشرين الثاني من كل عام كيوم للقضاء على العنف ضدّ المرأة منذ عام 1981. وفي يوم17  من شهر كانون الأول عام 1999، عدّت الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 25 تشرين الثاني اليوم الدولي للقضاء على العنف ضدّ المرأة (القرار 54/134)، حيث دعت الأمم المتحدة الحكومات، والمنظمات الدولية والمنظمات غير الحكومية لتنظيم نشاطات ترفع من وعي الناس حول مدى حجم المشكلة في هذه الاحتفالية الدولية. هذا اليوم يصادف أيضاً بداية من 16 يوماً من النشاط لمناهضة العنف ضد المرأة، تنتهي يوم 10 كانون الأول المصادف اليوم العالمي لحقوق الإنسان.

أتى هذا التاريخ من عملية الاغتيال الوحشية في عام 1960 للأخوات “ميرابال” الناشطات السياسيات في جمهورية الدومنيكان -تلك الجمهورية الصغيرة الواقعة في الكاريبي على مشارف كوبا وهاييتي- بأوامر من ديكتاتور الدومنيكان “رافاييل تروخيلو” (1930- 1961)، لتصبح تلك الحادثة لاحقاً إلهاماً للعالم فيما يتعلق بقضايا مناهضة العنف ضدّ المرأة.

الأخوات “ميرابال” ثلاث شقيقات دومنيكيات كان والدهن رجل أعمال ناجحاً، وكنّ يعشن حياة الطبقة الميسرة المستقرة مع شقيقتهن الرابعة، وكانوا جميعاً معارضين سياسيين لنظام الديكتاتور تروخيلو الذي ظلّ على هرم السلطة في بلاده حتى عام 1961، فارضاً سيطرة مطلقة على البلاد من خلال تحالفه السري مع الكنيسة والأرستقراطيين والصحافة، مع إدارته لسلطة عسكرية بوليسية وإعدامه الآلاف من معارضيه.

شكلت الأخوات “ميرابال” حركة ضمّت مجموعة من المعارضين لنظام تروخيلو، وعرفت باسم “حركة الرابع عشر من حزيران”، وضمن هذه المجموعة، كانت الشقيقات “ميرابال” يلقبن بـ”الفراشات” لجهودهن وحيوية الشباب التي كنّ يعشنها، إلا أن الديكتاتور سرعان ما أمر باعتقالهن وذويهن وجرى سجنهن والتنكيل بهن، ولكن بعد الإفراج عنهن قتل مجهولون الشقيقات الثلاث بطريقة وحشية، وكشف فيما بعد أن الديكتاتور كان وراء الاغتيال، فكان اغتيال الأخوات “ميرابال” الضربة القاضية لنظام “تروخيلو”، الذي اغتيل بعد ستة أشهر من حادثة اغتياله للشقيقات.

بعد انهيار نظام الديكتاتور تروخيلو باغتياله، كرّمت ذكرى الأخوات “ميرابال”، وقامت أختهن “ديدي ميرابال” الباقية على قيد الحياة بتحويل المنزل الذي ولدن فيه إلى متحف للراحلات يضمّ مقتنياتهن، ويجمع العديد من الكتب والأفلام الوثائقية والسينمائية التي خلدت ذكرى الأخوات ميرابال.

ولعلّ أشهر ما كتب حولهن رواية “في زمن الفراشات” للكاتبة الأمريكية “جوليا أفاريز” التي نشرت عام 1994، ولاحقاً حولت الرواية إلى فيلم حمل الاسم نفسه (في زمن الفراشات) عام 2001. وهناك كتب أخرى كتبت حول الأخوات الراحلات، كان آخرها كتاب وضعته أختهن الباقية على قيد الحياة طبع عام 2009، سبقه بعامين صدور رواية جديدة للروائي الدومنيكاني “جونتو دياز” حول حياة الشقيقات الراحلات، وهنالك مجموعات من قصص الأطفال حولهن وأفلام وثائقية عديدة أنتجت حول نشاطهن ورحيلهن، فضلاً عن عشرات النصب والتماثيل والمطبوعات التي حملت صورهن.

إن العنف ضدّ المرأة واحد من انتهاكات حقوق الإنسان الأوسع نطاقاً في العالم، فهو يتخطى الحدود والعرق والثروة والثقافة والجغرافيا، ويحدث في كل مكان في المنزل أو في العمل، في الشوارع أو في المدارس، في أوقات السلم أو الصراع. ولكن هذا ليس أمراً حتمياً، إذ يمكن مواجهة العنف ضدّ المرأة والحدّ منه بشكل منهجي، ومع مزيد من الإصرار يمكن القضاء عليه.

ففي سورية تعمل الحكومة السورية من خلال تضافر الجهود بينها وبين باقي المؤسسات لمناهضة ووقف جميع أشكال العنف ضدّ المرأة، والعمل على زيادة الوعي العام بحقوقها والتعبئة الاجتماعية لحمايتها من العنف بكل أشكاله وأنواعه بشكل خاص في ما يمكن أن تتعرض له المرأة في ظل الظروف الراهنة. ويتيح القانون السوري لأية فتاه أو امرأة تعرضت لعنف رفع دعوى أمام القضاء، وحيث إن قوات الجيش والشرطة هي قوات نظامية وطنية معروفة المرجعية فإن إمكانية ملاحقة المرتكبين وإيقاع العقوبات بهم متوفرة في حال توفر الأدلة والقرائن، وهو ما يحصل بالفعل.

وفي هذا الصدد تجدر الإشارة إلى أنه في المناطق التي توجد فيها الجماعات الإرهابية المسلحة، وبالنظر إلى الفكر المتطرف والأيديولوجية الوهابية التكفيرية التي تحملها هذه الجماعات التي لا تعرف، ولا تعترف، بالقوانين الوضعية ولا تقيم وزناً للاتفاقات الدولية وللقانون الدولي وحقوق الإنسان، فضلاً عن أنها تحمل نظرة شديدة الدونية إلى المرأة تجردها من إنسانيتها ولا تعترف بأية حقوق لها، تحصل ارتكابات جسيمة من قبل هذه الجماعات ضدّ المواطنين وخاصة النساء والأطفال كالخطف والاغتصاب والقتل والتمثيل بالجثث وبقر البطون واستخراج الأجنة منها وقطع الرؤوس وشيها وأكلها، وهذا كله تفاخر به هذه المجموعات وتضعه على مواقعها على الانترنت، في ظل انتشار الفتاوى الوهابية التكفيرية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.