الفيول الإيراني.. جرعة وقود لتحريك عجلة الحياة اللبنانية

موقع قناة المنار-

أمين أبوراشد:

نبتعد كل البعد عن السياسة في تناول الهبة الإيرانية الكريمة من الفيول، ونكتفي من المنطلق الوطني السيادي اللبناني بالقول، أنه مع الإعلان عن تفاهم مبدئي بين لبنان وإيران حول هبة الفيول، وبدء البحث بتأهيل وتفعيل معامل الكهرباء، حذَّر وزير الحرب في كيان العدو الإسرائيلي بني غانتس من تداعيات مثل هذه الخطوة، لأن اعتماد لبنان على الطاقة من إيران، يُمكن أن يؤدي، حسب زعمه، إلى “إقامة قواعد إيرانية على الأراضي اللبنانية”.

لا يستحق أي مرجع حكومي صهيوني الردّ من طرفنا، لأن العلاقة بين لبنان وإيران هي علاقة ندِّية، مبنيَّة على أسس الإحترام المتبادل بين دولتين، وفق ما نصَّت عليه القوانين والأنظمة الدولية التي ترعى العلاقات البينية بين الدول السيادية الصديقة، والعلاقة بين الشعبين ترعاها المصالح المشتركة، وإيران / القارة، وإيران الأمة العظيمة، ليست بحاجة الى بناء قواعد عسكرية في لبنان أو سواه من بلدان الجوار مع الكيان الإسرائيلي، لأن قدراتها الجبارة تخوِّلها عندما تقرر، تدمير إسرائيل من أراضيها الذاتية وليست بحاجة الى أراضٍ مجاورة لمواجهة هذا الكيان الملعون.

المقاومة في لبنان تفخر وتعتزّ بالعلاقة مع إيران، ومعها شرائح واسعة من الشعب اللبناني ومن مختلف الطوائف، وهذه المقاومة سحقت العدو بدماء الشهداء وليس بالفيول، قبل زمن حاجة لبنان لهذه المادة وخلاله وبعده، ولا شيء يجمع الشعبين اللبناني والإيراني سوى الكرامة والسيادة ورفض الظلم، وعدم الإنصياع للمُكابرة التي تعتمدها الدول الغربية وبعض الدول الإقليمية مع لبنان، هذه الدول التي لم ترفِد لبنان بنقطة نفط ولا بنفحة غاز في أوجّ حاجة شعبه الى جرعة أمل، خاصة في ظل قانون قيصر الأميركي، بل شاركت بعض هذه الدول في تشديد خناق الحصارعلى الشعب اللبناني، نتيجة انصياع فريق لبناني لأوامر تلك “السفيرة السامية” أو ذاك السفير الذي يُملي علينا من ديكتاتورية بلاده كيفية الإنتخاب وممارسة حقوقنا الديموقراطية.

نعم، نحن لا نتناول موضوع الفيول الإيراني من المنظور السياسي الضيِّق المحدود، بل من المنطلق الوطني والوجودي لشعبنا اللبناني الكريم، الذي أدَّت ممارسات بعض سياسييه الى تراكم أكثر من 30 مليار دولار عليه جراء عجز مؤسسة كهرباء لبنان، ونتيجة العراقيل التي وضعها هؤلاء السياسيون أمام المبادرات الإيرانية أقلُّه منذ العام 2006 وحتى الأمس القريب، ومن حق هذا الشعب الإطلاع على أبرز الفرص التي فوَّتتها سياسات المصالح الشخصية والنفوس المُرتهنة، وأدَّت الى تقويض الكثير من مبادرات طهران، وليس فقط على مستوى النفط والغاز، بل كافة المواد الإستهلاكية التي يحتاجها لبنان.

منذ سنوات، بل منذ عقود، والجمهورية الإسلامية في إيران تتقدَّم بأفضل العروض لحلّ أزمة الطاقة في لبنان، وكان آخر سياقاتها للأسف، أن رفضت الحكومة اللبنانية عام 2006، عرضاً إيرانياً للمساعدة في حلّ الأزمة عبر بناء معامل إنتاج على الغاز، وكذلك في العام 2009، وفي العام 2010 تجدّد العرض في زيارات رسميّة متبادلة بين البلدين، قام بها رئيس الحكومة آنذاك سعد الحريري ووزير الطاقة جبران باسيل، وجرى الحديث عن استعداد إيراني لبناء معملين لإنتاج الكهرباء بقدرة 1000 ميغاواط وبكلفة زهيدة، لكن الجانب اللبناني طلب التريّث حتى إنجاز الصيغة القانونية!

في العام 2012، كرّر السفير الإيراني موقف بلاده بالاستعداد لبناء معامل كهرباء في لبنان، وتأهيل المعامل خلال عام لإنتاج 500 ميغاواط، وكانت العرقلة سياسية من لبنان، وفي العام 2017، جدّد معاون وزير الطاقة الإيراني للشؤون الدولية علي رضا دائمي العرض، خلال لقائه وفداً إعلامياً لبنانياً زار وزارة الطاقة الإيرانية، وفي العام 2019، أكّد وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، خلال زيارته للبنان، أنّ عرض بلاده لإنقاذ لبنان من أزمة الكهرباء لا يزال قائماً، وبقيت الأمور في المرمى اللبناني دون أجوبة واضحة، نتيجة الضغوط الخارجية التي تنصاع لها جهات سياسية لبنانية.

العرض الأخير كان في العام 2020، وذلك خلال زيارة رسمية لرئيس مجلس الشورى الإيراني السيد علي لاريجاني الى لبنان، حيث جدّد العرض أمام الرؤساء الثلاثة، باستعداد إيران لمدّ يد العون في مجالات اقتصادية عديدة، وفي مقدمتها إنشاء معامل إنتاج كهرباء بمواصفات مميزة واستثنائية تناسب الجغرافيا اللبنانية، وتزويد لبنان بالمشتقات النفطية المتنوعة بأسعار مدروسة وجودة عالية، لكن العرض الإيراني قوبل بالرفض، بحجة المخاوف من احتمال أن تقوم الولايات المتحدة بفرض عقوبات على قطاعات مصرفيّة واقتصاديّة لبنانيّة.

إننا اليوم، ومع بروز بوادر حلحلة سياسية بشأن التعاون اللبناني الإيراني في شؤون إنتاج الطاقة الكهربائية خلال زيارة الوفد التقني اللبناني الى طهران، فإننا نربأ ببعض الفئات اللبنانية استخدام مقولة المساعدة الإيرانية المشروطة وسواها من أكاذيب السفارات، بدليل أن كل اللقاءات التي تحصل على المستويات الرسمية، يتواجد فيها فرقاء من كل الأطراف السياسية اللبنانية، ولم تضع إيران شرطاً في يومٍ من الأيام لمساعدة لبنان، كما تفعل سواها من الدول الإقليمية التي تُدير البعض في لبنان عبر شخصٍ برتبة سفير…

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.