#حزب_الله و #إسرائيل ..المُتغيرات في ضوء المُمكن والمُستحيل

israeli-forces

موقع قناة الميادين ـ
محمّد لواتي
رئيس تحرير يومية المُستقبل المغاربي:

بين إسرائيل وحزب الله ردود أقوال حادّة.. إسرائيل تُهدّد بالحرب ضدّ لبنان واجتياحه من جديد، وحزب الله يُهدّد بتدمير كل الألوية التي سوف تخوض بها إسرائيل الحرب ضدّ لبنان، بل ذهب إلى أبعد من ذلك، إلى القول وعلى لسان أمينه العام السيّد حسن نصر الله إلى  تدمير إسرائيل إن هي فكّرت في حرب جديدة..

والسؤال ماذا تعني تهديدات إسرائيل، وماذا يعني ردّ حزب الله عليها، هل هو مُجرّد حرب نفسية لكلا الطرفين أم يعني شيئاً آخر..؟ بالتأكيد ، فإن إسرائيل تعني وراء هذا التهديد ردع الصدع الذي خلّفته حرب جويلية، وإعادة الثقة إلى المجتمع الإسرائيلي، وأن إسرائيل  بالتالي ما زالت قادرة على خلط الأوراق في المنطقة، وأنها بالتالي  أيضاً الدولة الوحيدة القادرة على مواجهة كل الدول العربية، وقد تعوّدنا من إسرائيل مثل هذه الدعاية المسبوقة لأحداث داخلية وأخرى خارجية، وعرف العالم مدى هشاشة مثل هذه الدعاية بعد أن سقطت من الواجهة العسكرية دولياً بعد هزيمتها الأخيرة على يد حزب الله، وسقوط صقورها من عسكريين وسياسيين وإلحاقهم بالمؤسسات المدنية كعمّال فيها برتبة مُستشارين..!!
ولم يبقَ منهم إلا “أولمرت” الذي عاني بدوره من اتّهامات عدّة، ومُطارَد من طرف عناصر حزبه بالخروج منه ومن الباب الواسع.
إذن، إسرائيل بهشاشة موقفها وبالانهيار الداخلي الذي تُعاني منه بعد حربها ضد حزب الله ، تُهدّد من جديد ولكنها بالتأكيد ليست تهديدات عسكرية مؤكّدة ومُحتملة ، إلا إذا أرادت أن تنتحر ،  وذوبانها من الخارطة السياسية والعسكرية .. وأغلب الظن أن القيادة العسكرية الإسرائيلية ليست في مهمة صعبة فحسب بل  إنها في مهمة شبه مُستحيلة، فلا العسكريون قادرون على فكّ لغز نتائج المواجهة مع حزب الله ، ولا السياسيون قادرون على وضع تصوّر للحرب وما بعد الحرب، طالما أن حزب الله معروف لدى إسرائيل أن ما يقوله ليس دعاية، أو مُجرّد كلام سياسي للاستهلاك الداخلي أو الخارجي. وقد أكّد هذه الحقيقة الإعلام الإسرائيلي ذاته  ، فضلاً عن الوقائع والأحداث التي صنعت مجده، فحين شنّت إسرائيل الحرب الأخيرة قال “أولمرت” ومعه “كوندوليزا رايس” بأنها حرب لن  تتوقّف إلا بإطلاق سراح الجنديين الأسيرين لدى حزب الله، في حين قال الأمين العام لحزب الله إن الأسيرين لن يُطلقا إلا بالحوارغير المباشر والتبادُل للأسرى.. وخاب ظنّ “أولمرت” وصدق حزب الله.. من جانب آخر هناك مسار إسرائيلي جديد فيه من الاستجابة لمطالب الشعب الفلسطيني أكثر مما كان متوقعاً، فضلاً عن خضوعها للأمر الواقع، وقبل  طالبت  سوريا بالحوار    المباشر أو غير المباشر وألحّت على ذلك، بيد أنها كانت من قبل ترفضه إلا بشروط تصبّ في صالحها، وأحيانا شروط قاسية.  

مُتغيّرات ليست بالمجّان

     هذا المُتغيّر في سياسة إسرائيل لم يأتِ مجاناً، أو صدقة منها، وهي المعروفة بمواقفها الراديكالية حتى ضدّ القرارات الدولية، إنما جاء لأنها أحسّت بالهزيمة.. الهزيمة التي قد تلاحقها وقد تدفع بها إلى وضع صعب، والمُلاحَظ أن الولايات المتحدة الأمريكية بدأت تتشنّج في مواقفها المؤيّدة لإسرائيل ، وقد رفضت مؤخراً الإصغاء إليها في طلبها لمساعدتها في الحفاظ على أمنها باحتمال قيام حرب أخرى في المنطقة تكون فيها إيران طرفاً، وهي الآن تحثّها على الأخذ بمُعطيات الوضع الجديد، خاصة وأن إيران قد فلتت من الحصار الأمريكي الغربي، ودخلت النادي النووي بقوة، فضلاً عن جاهزيّتها لصدّ أي عدوان مُحتمَل. ثم دخول روسيا على خط المواجهة مع الغرب بحربها الأخيرة ضدّ جورجيا القاعدة الأمامية الثانية لأمريكا في الشرق الأوسط ومنطقة القوقاز وخروجها أيضاً مما يُعرف بالشراكة بينها وبين الحلف الأطلسي، ثم أن اعترافها بأبخازيا وأسيتيا، يُعدّ ضربة قوية لمفهوم الواجهة الإستراتيجية لأمريكا من خلال جورجيا وبعض دول أوروبا الشرقية..  وقد لحقت بذلك أوكرانيا  وخروج  جزيرة القرم من جغرافيّتها…إذن، إسرائيل الآن  أمام  تطوّرات داخلية وخارجية عدّة ، وأمام احتمالات عدّة، أهمها الاعتراف بدولة فلسطين والالتزام بالقانون الدولي مثل بقية دول العالم، أو المواجهة المصيرية التي لن تكون هذه المرّة محدودة مثلما سبق في حربها مع حزب الله، أما الاحتمالات الداخلية فإن الهروب الجماعي من إسرائيل مُحتمَل ومطروح اليوم بشدّة خاصة وأن إسرائيل لم تعد قادرة على حماية مستوطناتها من صورايخ المقاومة الفلسطينية، ومُحتمل جداً أن تتطوّر المقاومة إلى ما هي عليه الآن المقاومة اللبنانية، بدخول روسيا كطرف خفّي وتزويدها بأسلحة عن طريق طرف ثالث، خاصة وأن لروسيا اليوم حسابات مع إسرائيل بعد أن تدخّلت في روسيا بمساعدتها لجورجيا بالسلاح، والذي أدّى إلى إسقاط الطائرات الروسية، فضلاً عن مصنع السلاح الذي بنته فيها ودمّرته روسيا مؤخرا.
 

تفاعُلات..أو منطق الصِراع

   إذن، هناك تفاعُلات سياسية جديدة تحكُم منطق الصِراع في المنطقة، وقد تؤدّي هذه التفاعُلات إلى إدخال منطق السلام بدل منطق القوة، ذلك أن سقوط الأوراق السياسية والعسكرية التي كانت تلعب عليها أمريكا وإسرائيل في المنطقة بصمود سوريا ودخول روسيا على خط المواجهة مع الإرهاب، سقوط تلك الأوراق جاء بعد أن خاضت أمريكا حروباً فاشلة في السنوات الأخيرة، ثم فشلها في منطقة القوقاز. وكما هو معروف فإن إسرائيل ليست دولة بل قاعدة عسكرية أمريكية، وكل أنواع الأسلحة التي توجد لديها هي أسلحة أمريكية مُخزّنة هناك، وتقوم بتجربتها في المنطقة ، لكن هذه القاعدة بما فيها من سلاح سقطت وأدّت إلى ظهور منطق جديد، منطق صنعته أطراف عدّة  كانت تنظر إليها أمريكا نظرة غير مُتوازنة مما هي عليه.هذه الأطراف، هي إيران وروسيا والمقاومة  ومعها طرف رابع هو سوريا المؤيَّدة بقوّة من هذه الأطراف الثلاثة، بل والمُستعدّة للدخول إلى جانبها في حال شنّت إسرائيل حرباً ضدّها. هذا المنطق المُغيِّر لكثير من المفاهيم وحتى لميزان القوى الذي ظلّ لصالح إسرائيل أنتج بدوره تفاعُلات سياسية لم تكن أمريكا تعتقد أنها ستُعقِّد مواقفها إلى درجة الإبطال لكل الخرائط التي تُنادي بإنشائها وفق تقسيمات عرقية وإثنية، قصد الاستفادة منها وعلى أمد طويل.  ففي العراق ظلّت حائرة بين البقاء فيه بعد إسقاطه كدولة استعمارية أو الخروج منه وفق اتفاقية أمنية تقضي بوجودها من خلال قواعد عسكرية، فالأولى مرفوضة لأن لا أحد يقبل بالاستعمار، والثانية مرفوضة للشروط التي تحتوي عليها إن لم تكن في صالح العراق.. في مقابل كل هذا  يلعب حزب الله  بكل المساحات السياسية، بما في ذلك في المساحتين الإسرائيلية والأمريكية، ويضع الخطط   ويُعدّها جاهزة للتنفيذ بصورة جدّ مُتطوّرة وقابلة لاحتواء ردّات الفعل حتى ولو كان من النوع غير العادي، ذلك أن زوال حزب الله بمنظوره لا يتم إلا بزوال إسرائيل عسكرياً أو سياسياً. إن الخارطة العسكرية لديه والمُستهدفَة ليست العمارات أو الثكنات العسكرية، بل أبعد من ذلك إنها الأماكن الحسّاسة جداً والتي إن أصابها ستؤدّي إلى كارثة ستُغيّر وجه المنطقة بكاملها، وستزيل إسرائيل بحجمها الحالي إلى ما يشبه الشتات من جديد وهذا هو الذي تحسب له الآن إسرائيل وتفكّر فيه النُخبة فيها، ولا حل إلا حل السلام والقبول بالعيش في إطار تصوّرات تضمن للجميع حق البقاء وليس البقاء لإسرائيل وحدها. إن فكرة إسرائيل من النيل إلى الفرات انتهت ، بل إن إسرائيل في الحيّز الذي أقرّته الأمم المتحدة لها ونصّت عليه مواثيقها هو المطلوب الآن وعلى إسرائيل أن تعترف بذلك.

حزب الله ..المنهج والموقف

 أما حزب الله وما صرّح به مؤخّراً زعيمه، فإنه يبدو ومن الوجهة السياسية يتحكّم بزِمام الأمور في المواجهة، ومعروف عنه أنه لا يتصرّف إلا وفق منظار مُعيّن يتحكّم في مساره  وأن الاستراتيجية التي ينتهجها مُتحرّكة، أي أن حساباته غير معروفة مُسبقاً إلا بنتائجها على أرض الواقع. وهي نتائج متوافقة على ما ينظر إليه ويؤمن به، وأن قاعدته العسكرية لها طابعها الخاص والمُميّز، بحيث لا يعرف عنها العدو إلا الظاهر منها، وهذا الظاهر غالباً ما يكون مُجرّد ديكور لحالات أشدّ تختفي وراءه..ثم إن المواجهات السابقة علّمته كيف يتخندق وكيف يُحقّق الانتصارات..إن الهزيمة لا تُصيب فعلاً الذين يُناضلون طبقاً لمفهوم عقدي، وأن التخلّي عن الواقع إلا للضرورة ليس من طبائعهم، والذين يحملون هذه الصورة هم أصلاً يحملون الانتصار بين أيديهم، ثم إن الخارطة التي يلعبون فوقها هي خارطتهم، وبالتالي فهم أدرى بما تحمله هذه الخارطة من تحصينات تشبه أحيانا الدروع المنصوبة ضدّ أهداف مُبرمجة.. إن التاريخ يُعلّمنا بدقّة كي نصنع الهزائم إذا توافرت شروطها.. وشروطها متوافرة لدى حزب الله، بالنظر إلى السياق التاريخي الذي سارت عليه المقاومة منذ ولادتها، والأهداف التي قامت من أجلها. هذا جانب، الجانب الآخر هو هذه السلسلة الجديدة من التضامن معه سواء داخل لبنان أو خارجه  ، وهذه الحلقات الجديدة المُضافة للصِراع ضدّ الهيمنة الإسرائيلية الأمريكية بدءاً من روسيا  مروراً بإيران وسوريا، فضلاً عن مواقف الشعوب الرافضة للإجرام الأمريكي الإسرائيلي، والذي يكاد يُغطّي القارات الخمس. وواضح من أن  الاختراق الذي تم  لحصار غزّة من طرف مجموعة أشخاص من بلدان عدّة تعمل في إطار الدفاع عن حقوق الإنسان، والتي سوف تكشف بالتأكيد لشعوبها حقيقة إسرائيل وجرائمها. وهذا شيء أساسي أيضاً طالما أن إسرائيل ظلّت لسنوات تُضلّل العالم كله بأنها الدولة الديمقراطية الحامية لحقوق الإنسان..؟ !! وأن غيرها مُجرّد إرهابيين يمارسون ضدّها الإبادة. وعلى هذا الأساس فإن الأحداث القادمة، إن وقعت، ستكون بداية العدّ التنازلي لمشكلة الشرق الأوسط ولمشكلة الوجود الإسرائيلي في المنطقة.
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.