خطاب الرئيس: أكثر عقلانيةً واتزاناً من مؤيديه ومعارضيه

Syrian President Bashar Assad speech

موقع إنباء الإخباري ـ
دمشق ـ المحامية سمر عبود:

وسط ترقب شديد، سارعت قنوات الاعلام، المؤيده منها والمعارضة، إلى تحليل خطاب الرئيس حتى قبل أن يُبث.  هكذا نحن: شعب ذكي، “نبي”، بالفطرة.
لا عليكم من هذا كله،  أتى يوم الأحد، وحان موعد الخطاب،  وابتدأ عرض خاص على جميع القنوات،  الكل يتكهن ماذا سيقول الآن؟ وماذا سيحدث ؟
مضى وقت طويل منذ آخر إطلالة له، والكل متشوّق، إن كان سلباً أم إيجاباً لمعرفة مكنونات هذا الخطاب، وماذا يقدّم لحل الأزمة السورية.
دخل السيد الرئيس الدكتور بشار الأسد قاعه دار الأوبرا  بدمشق، وصدحت الحناجر السوريّة بالتحيّة والهتاف.
ابتدأ الخطاب بضحكة الجمهور، وكلمه “ع قلبكون” من الرئيس.
جو عائلي دافئ، ابتدأ الرئيس بخطابه المرتقب، بتحليل واقعي لما آلت إليه سوريا، بلد الامان، بواقعية متناهية.
يقول: لم يعد هنالك أمان كما عهدناه، تصريح في منتهى الشجاعة من رجل يتقلّد زمام السلطة. لم ينكر الواقع، بل قبله، حلّله، وبحث عن الحل.
مدّ يده بالمصالحة الوطنية قائلاً: يجب علينا أن نسامح بعضنا بعضاً. وعرض خطة أو مبادرة لإنهاء الأزمة، تقوم على وقف التسليح وإطلاق سراح المعتقلين ووقف العمليات العسكرية، مع حفظ الحق بالرد على أي خرق.. والإصلاحات.
أوضح أن الدولة  لم تختَر الخيار العسكري، بل هي على قدر من المسؤولية لتعي تبعيات هذا القرار وما يجلبه من دمار شامل، لكنه أوضح قائلاً: إن المبادرةلا تمنع الدولة من القضاء على الإرهاب أينما كان.
وأردف قائلاً: إن الإصلاح هو خطوة لكنه ليس الحل، لأن القضية لم تكن يوماً نزاعاً بين مؤيد ومعارض كما يعتقد البعض، القضية أكبر من هذا، إنها صراع على تقسيم سوريا.
لكنه وجّه كلمته للمعارضة الداخلية، وأوضح بشكل لا يقبل التأويل ان الآخرين، أي المعارضة الخارجية، لا يمكن لهم أن يرفضوا شيئاً لم يوجّه لهم أساساً، فهم من سلّح، من بعث بالإرهابيين ودمر البنيه التحتيه للوطن واقتلع زهرات من شبابنا من مدنيين وأطفال وجنود.
أرسل عدة رسائل إلى روسيا الصين وأميركا، لم يفُته أن يقول: إننا نقبل النصيحة ولا نقبل الإملاء، فسوريا مهد الحضارات تعرف كيف تدير شؤونها.
رسالة شجاعة من رجل شجاع، في وقت أزمة.
ما لفت نظري العلم الذي تكوّن من صور الشهداء، فزيّن دار الأوبرا وأضفى رائحة الشهاده على كلام في الصميم.
بعد انتهاء الخطاب مباشرة لفتني أول تعليق من مذيعة قناة العربيّة، حين قالت: أقصر خطاب، بالله عليكم، هل هذا مهم؟ إنه أقصر خطاب؟ لقد تحدث قرابة الساعة، ولم يلفت انتباهكم سوى مدة الخطاب؟ ألا يقول هذا شيئاً عن سطحيتكم؟؟
ومن ثم تأتي ريما فليحان لتصدح بصوت عالٍ أزعجني لدرجة أنني فقدت اهتمامي بسماع ما لديها من أقوال.
وتلاها البني، ولفتني الارتباك الواضح في كلامه: يقول إن الاسد يرسل رسالة إلى روسيا أن كل المبادرات التي لم تأتِ من هنا مرفوضة، فعلقت المذيعة بقولها: إذاً هو يتحدث من منطلق قوة، في البداية لم يعد قادراً على الرد.. فتجاهل السؤال وابتدأ بإلقاء الكلمة المعدّة مسبقاً.
توقعت من قبل أن يبث الخطاب أن يأتي بعض من المعارضة ليقول إن الخطاب مسجّل، أو أنه لم يتم في دمشق، لكنني استبعدت الأمر، وقلت في قرارة نفسي: لا يعقل أن يصل خيالهم لدرجة الهذيان، لكني والحق يقال، فوجئت بما سمعت، فخيالهم فاق من يكتب سيناريوهات لأفلام الخيال العلمي في هوليوود.
تارةً يقولون إن الخطاب مسجّل، وتارة يقولون إن النظام ضرب طوقاً أمنياً حول دار الأوبرا. إذا كان الخطاب مسجلاً، فلمَ الطوق الأمني، يسأل مراقبون؟
تارةً يقولون إن الثوار على بعد أمتار، فاذا كان مسجلاً لماذا يهرعون إلى هناك؟؟
وتارةً يقولون إن هذه ليست دار الاوبرا، وانما مبنى صمم خصيصاً في إيران؟؟ هذا ما قاله د فيصل القاسم والبني وغيرهم.
بدأت أتجول في الصفحات والتنسيقيات، علّي أجد رأياً موضوعياً محلِّلاً غير متهكم، غير مهين، لكنني لم أجد. كل ما وجدته هو اقتباس لأقوال البني وقاسم و”رشّة” من قلة التهذيب والسباب والتشديد على حرف السين وغيرها.
بدأت أتجول في الصفحات المؤيدة، ووجدت من غضب وثار لكلام الرئيس وقال إن علينا الحسم وفوراً وعلينا وعلينا، ونسوا كل ما قيل بعد أن انتهى الخطاب مباشرة.
ورأيت رفضاً كليا لمبدأ المصالحة والمحبة.
حزنت جداً، ولكن لفتني تعليق لصديق معارض شريف، قال إنني رغم اختلافي معه شخصياً، إلا أن بشار الأسد أثبت أنه أكثر عقلانيةً واتزاناً من مؤيديه ومعارضيه.
أشدت بكلامه وقلت: لو أن المؤيدين والمعارضين تناسوا الحقد وتبنوا  روح المحبة رغم صعوبتها، لكنا الآن نعيد بناء الوطن ونجعله أحسن مما كان.
بعد قرابة السنتين على الأزمة ما زالت أغلبيه العقول ترفض المصالحة وترفض إنهاء الأزمة، لكنهم لا يعون هذا.
سيدي الرئيس: أنت رجل شجاع، متزن، عقلاني، في زمن قلّت فيها هذه المعايير كلها.
تابع ما أنت ماضٍ إليه، نحن معك، نريد وقف النزيف، نريد المصالحة، ومن هنا أعلن أنني أسامح كل من أراد شراً إن تاب وأراد خيراً لبلدي.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.