سيمفونيات الهجوم على حزب الله: “عنزة ولو طارت”

موقع العهد الإخباري-

ايهاب زكي:

حين سألني أحد الأشخاص عن زعم “إصرار حزب الله على إذلال الناس”، من خلال إصراره على تعطيل الحكومة بشكلٍ مباشر أو غير مباشر، سألته عن مدى ثقافته بالأمثلة الشعبية، لكنه لم يُجب، حيث لم تسعفه بديهته للربط بين سؤاله وسؤالي، فأكملت بسؤالٍ استفساري إن كان يعرف قصة المثل الشعبي”عنزة ولو طارت”، فأصل المثل أنّ شخصين في فلاةٍ مترامية الأطراف، شاهدا جسماً أسود من مسافةٍ بعيدة، أحدهما قال هذه عنزة، والآخر قال بل هذا غراب، وأصرّ كل منهما على رأيه فتراهنا، وحين اقترابهما من الجسم أكثر طار، فأصبح يقيناً أنّه غراب، ولكن صاحب رأي العنز قال “عنزة ولو طارت”، وأنت يا صديقي ستصر على أنّ الحزب هو المسؤول عن الأزمات في لبنان، حتى لو رأيت بأمّ العين كل الأدلة والبراهين، على أنّ الحزب هو الجهة الأكثر تضرراً من الفراغ الحكومي، وهو الجهة الأكثر تحملاً للمسؤولية والأكثر حرصاً على الاستقرار وإبعاد شبح الجوع والفقر، كما أنّه من المعيب أنّ تسأل أسئلة وتبحث لها عن أجوبةٍ ترسخ قناعاتك بأنّ العنز يطير.

وهذا المثل ينطبق على خصوم حزب الله في الداخل، حيث لا تكمن المشكلة بالحقائق، ولا تُقاس بالمنطق ولا تُقارب بعقلانية وموضوعية، بل إنّ المعضلة الكبرى هي في انعدام الخيارات، فالولايات المتحدة و”إسرائيل”، لم تعد لهما مروحة من الخيارات التي تساهم في تنفيذ مشروعهما، سوى إشغال حزب الله بالأزمات الداخلية التي صنعتها الولايات المتحدة، ولا تنفك تزيدها تفاقماً، لأنّ رفع الحصار عن لبنان، والكف عن اختلاق الأزمات، سيعني أنّ حزب الله سيظل يراكم أدوات القوة دون ضغط داخلي وانشغال محلي، وهذا بطبيعته سيجعل الخيار الوحيد لمنع الحزب من مراكمة القوة هجوم “إسرائيلي”، لسحق قوة لبنان، بما يتيح لـ”إسرائيل” سرقة الثروات اللبنانية في البر والبحر، كما يتيح للولايات المتحدة الاستفراد في لبنان، لتنفيذ مشاريعها في المنطقة وفي سوريا خصوصاً، وبما أنّ العدو “الإسرائيلي” أعجز عن القيام بمهاجمة لبنان، تبقى صناعة الأزمات ومفاقمتها في لبنان هي الخيار الوحيد ولا بدائل عنه حتى الآن، وهذا يتطلب صفاقة غير مسبوقة في الإصرار على تحميل حزب الله كل المسؤولية، حتى مع العلم المسبق ببراءته.

كما أنّ هذه الصفاقة غير مفعولها على قاعدة “اكذب اكذب حتى يصدقك الناس”، فإنّ لها مفعولًا على “خدش السمة الأخلاقية للحزب، حسب اعتقاد أصحاب هذه السياسة، وفي ظنهم أنّ هذه الصفاقة ستخصم من الرصيد الأخلاقي الذي يتمتع به حزب الله، وكما قال السيد نصر الله في آخر خطاب له يوم الجمعة الماضي، إنّه “حين نجلس والإخوة ونتساءل فيما بيننا، إن فكرنا ذات يوم أننا سنناقش المازوت والبنزين والدواء”، فالحزب في أصل نشأته كان لمقاومة العدو وتحرير لبنان وحمايته، وهو ليس جهة تنفيذية حكومية، كما أنّه ليس جمعية خيرية، وهذا بالضبط ما يظنه أصحاب مشروع حصار لبنان، حيث ينشغل الحزب عن مراكمة القوة بمراكمة الحلول المعطلة لأزماتٍ مستعصية بفعل فاعل. وأضاف السيد نصر الله “ولدينا استعداد للعمل كزبالين في خدمة الناس”، وهذا قد يفتح شهية الولايات المتحدة و”إسرائيل”، على الرهان بأنّ الحزب سينشغل بالخبز عوضاً عن انشغاله بالسلاح، ولكن ما يفوتهم هو أنّ حزب الله ليس جزءًا من المشكلة، حتى يعملوا على أنّ يصبح هو كل المشكلة، بل هو جزءٌ من الحل، وما يعملون عليه سيجعله في مرحلةٍ ما هو كل الحل، فالحزب لا يستقي شرعيته من توفير الخبز والبنزين، بل من حماية لبنان شعباً وأرضاً وثروة، وإذا كان البعض اللبناني أو الخارجي، يعتقد أنّ شرعية السلاح تخص فئةً بذاتها وجمهوراً بعينه، فإنّ تحوّل مبادرات الحزب للحلول الاقتصادية لوقائع، ستجعل من شرعية الحزب تعمّ لا تخص.

وفي هذه المرحلة ستكون الخيارات منعدمة أمام الولايات المتحدة و”إسرائيل”، حيث تحويل الحزب محنة لبنان إلى منحة، وإذا كان بديل مواجهة الحزب عسكرياً في هذه المرحلة، هو صناعة الأزمات ومفاقمتها وتضخيم آثارها، فماذا سيكون البديل في مرحلة تحوّل المحنة إلى منحة؟
فالولايات المتحدة لم تعد تمتلك بديلاً سوى صناعة الأزمات والعقوبات وتمويل الصفاقة، وإدخال “إسرائيل” في مغامرة عسكرية مع لبنان، أمرٌ فيه من المجازفة ما لا يمكن توقع نتائجه في العقل “الإسرائيلي” أو تحملها، فهل تقوم الولايات المتحدة بالسماح بانفراجةٍ اقتصادية في لبنان، حتى لا تفقد خياراتها بما يؤدي للعودة لخيار الحرب، كما تحاول أنّ تفعل في غزة، حيث تحاول مقايضة الانفراجة الاقتصادية بعدم تفعيل السلاح، أم لا زالت تراهن على أدواتها محلياً وإقليمياً لقطع الطريق أمام تحوّل مبادرات حزب الله للحلول إلى وقائع؟ لا نستطيع الإجابة بدقة قطعيةٍ عن هذه الأسئلة، ولكن ما يمكن القطع به يقيناً، هو أنّه مهما كانت الخيارات الأمريكية و”الإسرائيلية”، فإنّ حزب الله يُعطي الفرصة تلو الفرصة لمراعاة التركيبة اللبنانية، وتحصيل أكبر مصالح لبنانية بأقل الأضرار ولو على حساب نفسه، ولكن في لحظة الاقتراب من الارتطام بالجدار، فهو يمتلك الكوابح اللازمة، كما يمتلك الخرائط الكاملة للطريق التي تؤدي لحفظ لبنان من العدوان والجوع والذل معاً، وحل الأزمة في لبنان عن طريق الحزب وحلفائه، بعيداً عن أمريكا وأدواتها، سيضع أمريكا و”إسرائيل” أمام بديلٍ واحد لا قدرة لهما عليه، وهو الحرب.

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.