شعب رفض القهر.. فكان سرَّ النصر

 

موقع العهد الإخباري ـ
مريم علي زريق:
في صدر الإمام، قلب تسارعت دقّاته، مع كل خطوةٍ جعلته أدنى من أرض رحل عنها قسرًا. وفي صدور الجماهير المنتظِرة، قلوب كاد يتوقف خفقانها، مع كل وطأة قدم لمفجّر ثورتهم.

يوم عاد الخميني “قده”، افترش الشعب الإيراني الطرقات والساحات، حتى ضاقت الأرض بالمتلهفين، فاعتلوا الأشجار، في مشهد لقاء مهيب قلّ نظيره.

هذا الشعب الذي استمع تسجيلات الإمام بشوقٍ، واتّبع توجيهاته تائقًا للحرية، ومواجهة الاستعباد، احتفى بنصر، هو وليد تضحياته وعذاباته. نصرٌ لم يتوقف عند حدود الثورة بوجه حكم الشاه الجائر، بل الثورة ضد الجهل والتخلّف، الذي شاء الغرب أن يُغرق إيران بهما، فتسهل عليه السيطرة والهيمنة على مقدرات الأمة هناك.

عاد الإمام، لينهض بإيران، سياسيًا، اجتماعيًا وعلميًا، فكان للشعب دور رائدٌ عظيم في بناء الدولة المعاصرة بوجهها الإسلامي المشرق، التي يرعاها التحول في الوعي الذي أدخله الإمام الخميني “قده” إلى نفوس الإيرانيين، كطرح يقوم على أن الإسلام دين حياة. وهو الذي يولي العلماء والمثقفین والروحانیین في المجتمع، دورًا یکمن في إرشاد الجماهیر وتوعیتها.

الإمام الخميني
من وصية الإمام للشعب الإيراني

“هذه الجرعة جعلت الشعب هناك سندًا دائمًا، يقف إلى جانب الدولة، يشارك في البناء والتقدم العلمي”، يقول الباحث الإيراني محمد صادق الحسيني لـ”العهد الإخباري”، مستحضرًا صمود الإيرانيين أمام التحديات والعقبات والعراقيل في مواجهة العالم أجمع، أيام الاتحاد السوفياتي وبعده الولايات المتحدة، فـ”العالم المتغطرس منذ تلك الحقبة لا يعترف بخصوصيات الشعوب”.

لطالما رافق الصبر والتحمل هذا الشعب، وآزراه في ولوجه إلى جانب الدولة في امتحانات مشتركة، الدولة التي وكلته دورًا أساسيًا من خلال الإنتخابات الديمقراطية، علمًا أنها أول خطوة قام بها الإمام الخميني “قده” عقب انتصار الثورة.

كذلك كان الإمام الملهم في المراحل كلها، حسب الحسيني، “إذ لقّمهم فلسفة “التمكن والاستطاعة”، فشعر الشعب حينذاك أنه أمام تحدي النهوض بهذه الجمهورية.

محاولات النيل من الثورة

لم يرُق للغرب وأدواته التغير الكبير الذي حصل في إيران، فحارب الثورة وحاول بشتى الطرق قتلها في مهدها، فكانت الحرب العراقية الإيرانية المفروضة، حيث  جاهد الشعب، بكل فئاته- رغم أن الإمام لم يُصدر فتوى بوجوب ذلك. و”امتزجت دماء الإيرانيين، من مختلف الطوائف والمذاهب، بعضها ببعض، حتى أن بيتًا لم يخل كل من شهيد أو جريحٍ أو مفقود أثر”، يؤكد الباحث الحسيني. ومنهم من لا يزال يتجرع مرارات الألم حتى اليوم، فلا يزداد إلا عزمًا على الحفاظ على ما حققته هذه الدولة، “خمينية الفكر والانطلاقة”، حتى  اليوم.

وبعد الحرب المفروضة، وهزيمتها في كسر روح الثورة، أعاد الغرب الكرّة، لكن عبر الحرب الناعمة هذه المرة، فكانت له بالمرصاد، منظومة “العيون الأربع”، كما يطلق عليها الباحث الإيراني محمد صادق الحسيني، ألا وهي: العلم والعقل والعزيمة والعقيدة.

الإمام الخميني
الإمام الخميني متوجهًا للإيرانيين

ففكر الثورة، أعاد إلى الشعب ثقافة اكتساب العلم وحثّ العقول على الابتكار والتقدم، وجعلها قرينة للإسلام المحمدي، عكس ما يقدمه الإسلام المشوّه من تخلّف ومعاداةٍ للتطور.

ورغم الحصار الاقتصادي الذي فُرض على إيران من قبل الغرب، إلا أن عوامل الثبات والعزيمة والإرادة الصلبة ارتقوا بإيران، فحققت اكتفاءً ذاتيًا من حيث الصناعات، وتحدت العالم باستخدام الطاقة النووية السلمية، وأصرت على المضي قدمًا.

رضخ الغرب وأذعن، وجاء الاتفاق النووي بين جمهورية إيران الإسلامية والدول الست، ثمرةَ هذه المنظومة.

ولأن الغرب لا تؤمن مكائده، دأب آية الله العظمى الإمام السيد علي الخامنئي على التذكير بأهمية تحصّن المجتمع الإيراني في وجه الحرب الناعمة، فكانت توعيته الدائمة سدًا منيعًا في وجه الغرب، ما جعله يشعر بالانكسار.

الإمام الخامنئي
الإمام الخامنئي يدأب على تحذير الإيرانيين من الحرب الناعمة

وفي هذا الإطار، يرى الحسيني أن “النخب محصّنة من خلال منظومة العيون الأربع، إلا ما ندر”، بالإشارة إلى محاولات الغرب الحثيثة لإيقاع البعض في الداخل الإيراني بفخ الفتنة.

كما يلفت إلى نقطةٍ بارزة، تؤكد تماسك الشعب الإيراني في وجه الرياح الخارجية، ألا وهي تكاتف المجتمع التعددي في إيران مع المجتمع العام، ومشاركة في بنائه.

فهناك، تتلاقى الجهود وسط أجواء اللُحمة الوطنية، مظللةً بفسحة الحريات المعطاة للمذاهب والطوائف على اختلافها، وتتعدد الدوافع للتمسك بروح الثورة وإنجازاتها العظيمة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.