عودة صواريخ الحرب الباردة

Patriot-missile

صحيفة الخليج الإماراتية ـ
خليل حسين:

كادت أزمة الصواريخ الكوبية في العام ،1961 أن تشعل حرباً عالمية ثالثة، لولا تدارك كل من الاتحاد السوفييتي السابق والولايات المتحدة لهول ما يمكن أن يتأتى عن الأزمة، وتمت تسوية الأزمة بطريق دبلوماسي رفيع الأداء والاستثمار المتبادل، فهل ستتمكن كل من موسكو وواشنطن ولوج حل ما لأزمة صواريخ الباتريوت في تركيا؟

ربما وقائع وظروف ستينات القرن الماضي هي مختلفة بعض الشيء في الظاهر، لكنها تحمل الأسباب والمؤثرات ذاتها في الباطن، فالصواريخ التي نشرها الاتحاد السوفييتي في كوبا، كانت مظهراً من مظاهر تسارع وتيرة الحرب الباردة آنذاك، وتحدياً لمتطلبات الأمن القومي الأمريكي، كما اعتبرته واشنطن . ورداً على هذا التهديد عمدت هذه الأخيرة إلى نشر صواريخ باليستية في تركيا موجهة إلى الاتحاد السوفييتي وكتلته، وهي المنطقة التي تعدّها موسكو الخاصرة الرخوة لها كما تمثل كوبا لواشنطن .

أتى الحل الدبلوماسي آنذاك بعد الاحتكام إلى عِبَر التاريخ، وبالتحديد إلى أسباب وكوارث الحرب العالمية الثانية، عبر كتاب وزعه الرئيس الأمريكي على مستشاريه الأمنيين والعسكريين الذين تأثروا به وتراجعوا عن مواقفهم الداعمة للمواجهة العسكرية مع موسكو .

اليوم تم نشر صواريخ “الباتريوت” في تركيا، وصلاً بالأزمة السورية وتداعياتها المحتملة على دول المنطقة، قابله تصميم وتحذير بنشر صواريخ “إسكندر” الروسية، ما يعيد خلط الأوراق مجدداً، ولكن بمستويات توتير أعلى، وهذا يسمح أيضاً بتكوين عناصر أزمة دولية متفاقمة يصعب السيطرة عليها، بالنظر إلى أبعادها وتداعياتها التي ستطال قوى إقليمية فاعلة في الأزمة السورية، وبالتحديد إيران على سبيل المثال لا الحصر .

طبعاً إن المعلن من أهداف صواريخ الباتريوت هي واقعية من الناحية العملية، لو حُصر الموضوع في النطاق السوري تحديداً، لكن الأمر يتعدى نطاق الجغرافيا السياسية للأزمة السورية إلى المدى الحيوي الأوسع الذي يشمل طهران وموسكو أيضاً، بخاصة ما أثير سابقاً عن موضوع نشر الدرع الصاروخية ضمن حلف الناتو كمظلة أمنية أوروبية بمواجهة الدور الروسي المتنامي، وعودته إلى الساحة الدولية بقوة في إطار مشروع بوتين الأورو- آسيوي . علاوة على تصاعد التوتير الإيراني – “الإسرائيلي” على قاعدة البرنامج النووي، وما تم من حرب بالواسطة كان آخرها قصف “إسرائيل” لمصنع اليرموك في السودان .

إن ما يجري من نشر للصواريخ ونشر مضاد، يعني في علم الأزمات الدولية، أن ثمة استعداداً للتصعيد لدى أطرافها، وهذا لا يعني بالضرورة الوصول إلى مواجهات عسكرية مباشرة، وإنما من ضمن السيناريوهات المحتملة إعادة تموضع سياسي بشروط التسوية التي يمكن أن تكفل مصالح أطراف الأزمة المحليين والإقليميين والدوليين، وهذا ما يحاول كل طرف الوصول إليه منذ اندلاع الأزمة السورية .

ربما أن الوضع القائم حالياً، قد كوّن بيئة قابلة للبناء عليها واستثمارها مستقبلاً، فالحلول الأمنية والعسكرية هي عملياً مقفلة ومن الصعب التوصل عبرها إلى حل ما، ما يعني ضرورة الولوج بحلول تسووية تدار آلياتها ووسائلها على طريقة إدارة الأزمة بالأزمة، وهي من الطرق الفاعلة والمجربة بين موسكو وواشنطن في عقود الحرب الباردة سابقاً، ومن الواضح أن بؤرة الأزمة الحالية وتفاعلاتها تشير إلى لجوء الطرفين إلى مثل هذه الوسائل .

اليوم لا موسكو ولا واشنطن مستعدتان لخوض مواجهات عسكرية بهدف تحقيق بطولات وهمية، فلكل منهما مصالح حساسة في الشرق الأوسط من الصعب تجاوزها أو غض الطرف عنها، والمضي في السبل والوسائل الدبلوماسية أمر منتج ومربح للطرفين، في ظل ما يُحكى عن متغيرات في السياسة الخارجية الأمريكية بعد تعيين جون كيري خليفةً لهيلاري كيلنتون، وما يقال عن موقعه ودوره وأسلوب عمله في إدارة الأزمات سابقاً .

انتهت أزمة الستينات بسحب الصواريخ السوفييتية من كوبا، مقابل سحب الصواريخ الأطلسية من تركيا، فهل سيعيد التاريخ نفسه بشروط مختلفة وبتقاسم نفوذ جديد؟ تاريخياً حرصت موسكو على بقاء مضيقي الدردنيل والبوسفور ممراً آمناً لها بهدف الوصول إلى المياه الدافئة، وهي تعرف ثمن ذلك جيداً، لذلك لا تستطيع إلا التحرك في نطاق إدارة الأزمة لا تفجيرها، وفي المقابل تدرك وتعرف واشنطن، أن مثل تلك الأزمات لا يمكن حلها إلا بطرق التسوية، لأن الحروب مكلفة جداً لها، بعد حربين إقليميتين كُبريين في أفغانستان والعراق في زمن لم يتجاوز السنتين إلا قليلاً .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.