قراءة «8 آذار» للجريمة: تزخيم المحكمة.. وضرب الحوار

beirut-explosion1

صحيفة السفير اللبنانية ـ
ايلي الفرزلي:
بدماء محمد شطح، شرعت أبواب المجهول. حكي كثيراً عن فترة صعبة قد تسبق استحقاقي كانون الثاني: بدء جلسات المحكمة الدولية و«جنيف 2»، ويبدو أنها انطلقت أمس. تكثر التحليلات عن سبب استهداف شطح تحديداً، لكن وحده القاتل يعرف الإجابة. تقنياً لا يزال هذا القاتل مجهولاً، لكن فعلياً صار لكل فريق مضبطة اتهامه. «14 آذار» أصدرت حكمها على «النظام السوري وحلفائه اللبنانيين»، و«8 آذار» اتهمت إسرائيل وكل من يسعى إلى الفرقة في لبنان.
في المحصلة، كان لكل فريق محكمته وحكمه، ولكل فريق محققوه الذين عملوا على تقدير أسباب الاغتيال. الأكيد أن شطح، الذي توافق الجميع على وصفه برجل الاعتدال والحوار، قد رحل ضحية مخطط لم يعد يكتف بزعزعة الاستقرار الأمني، بل أراد أن يضرب أي احتمال للتقارب السياسي.
سريعاً حسمت «14 آذار» أمرها، بوصفها «ولية الدم»، واتهمت خصومها بالاغتيال. وسريعاً حاولت «8 آذار» امتصاص الغضب ورد التهمة. خرج «حزب الله» ليحذر من محاولة لتخريب البلد واستهداف الاستقرار وضرب الوحدة الوطنية، «لا يستفيد منها إلا أعداء لبنان»، أي اسرائيل.
دعا الخطاب الرسمي لـ«8 آذار» إلى عدم التسرع في رمي الاتهامات، وانتظار تحقيق جدي يحدد القاتل، ويقطع الطريق على المجرمين، من خلال الركون إلى الحوار وتعزيز الوحدة الوطنية. إلا إنه في موازاة هذا الخطاب، كان خطاب آخر ينسج روايات وفرضيات عن سبب الاغتيال، يصب معظمها في إطار «تزخيم عمل المحكمة الدولية»، وبعضها في إطار قطع الطريق أمام أي احتمال توافقي في البلد.
تتكئ هذه الفئة أو تلك في دعوتها الى عدم اصدار الأحكام المسبقة، على إرث الشهيد الانفتاحي. تكشف أنه في السنوات الماضية، كان هنالك دائماً أطر خلفية للحوار مع «14 آذار»، كان شطح جزءا منها. انطباع الذين تعاقبوا على التواصل معه في هذه الأطر كان واحداً: هذا الرجل رجل حواري بامتياز.
يتوقف مصدر مسؤول في «8 آذار» عند رد فعل «فريق 14 آذار» الذي سارع إلى اتهام فريقه بالاغتيال. يعتبر أن «هؤلاء لا يستطيعون مقاربة أي حدث يتهدد الوطن، إلا بعقل انقسامي». يرفض المقارنة بين اتهام «حزب الله» للسعودية بتفجير السفارة الايرانية وبين اتهام حلفاء سوريا باغتيال شطح. يقول إن الحزب لم يتهم الرياض بعد دقائق من التفجير، كما فعلت «14 آذار»، إنما جاء اتهامه، مستنداً إلى معطيات تجمعت عند القوى الأمنية والحزب على حد سواء.
ثمة فئة في «8 آذار» لا تتهم مباشرة إنما تلمح. تتفق هذه الفئة مع «14 آذار» في الربط بين الاغتيال وموعد الجلسة الأولى للمحكمة الدولية. لكنها تختلف معها جوهرياً في التفاصيل. إذا كانت «14 آذار» ترى أن الاغتيال هدفه عرقلة عمل المحكمة من الذين يحمون المتهمين، فإن «8 آذار»، أو بعضها، لا يمكن أن يقرأ الاغتيال إلا في سياق بث الحياة في شرايين المحكمة الدولية.
تستخف هذه الفئة باتهام فريقها بالاغتيال. تقول إن من يقوم بهذه العملية لا بد من أن يكون يائساً، و«8 آذار» ليست في مرحلة يأس في ظل المعطيات الإقليمية والدولية. «هذا التفجير يعلن إعادة استعمال المحكمة كسلاح في لعبة الأمم». يعيد المصدر التذكير بالاغتيالات السابقة. يقول إن توقيت الاغتيالات كان دائماً مرتبطاً بمحطات المحكمة، منذ إنشائها مروراً بكل عقدة كانت تواجهها. في تحليل هذه المصادر، فإن المحكمة غابت عن السمع عندما ظن البعض أنه سينتصر بسقوط النظام السوري، بينما أراد استعمالها مجدداً بعدما أيقن أن سلاح الرهان على رحيل الأسد لم يعد مطروحاً. وبطبيعة الحال، فإن اغتيال أحد أعضاء «8 آذار» لا يقدم ولا يؤخر في تحقيق هذا الهدف، بينما اغتيال شطح، الذي يعتبر عصب تيار «المستقبل»، يحيي السلاح الاحتياطي (المحكمة) في وجه المقاومة.
ثمة في «8 آذار» أيضاً من لا يؤمن كثيرا بلعبة الأمم. يتحدث هؤلاء عن أنه يراد من الاغتيال عرقلة الاتفاق الذي كان يحضر له محلياً ويقضي بالاتفاق على رئاسة الجمهورية والحكومة معاً. يعتبر مصدر معبر عن وجهة النظر هذه أن المتضررين من دعوات الحوار أرادوا أن يقطعوا الطريق على أي احتمال للتقارب بين اللبنانيين، فاستهدفوا شطح لتحذير سعد الحريري من التجاوب مع أي حوار. من خلال المواقف التي صدرت أمس عن «14 آذار»، يعتقد المصدر أن هذه الجهات قد حققت هدفها.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.