قمة التنوع البيولوجي بكندا: إتفاق تاريخي لحماية مليون نوع معرض للانقراض

موقع العهد الإخباري-

د. علي دربج :

عندما نتأمل بتمعن باحوال كوكبنا، نجد ان الطبيعة فيه، بكافة مكوناتها وعناصرها، بات بحاجة ملحة الى وضعها في درجة العناية الفائقة، نتيجة التدهور اليومي الذي أصابها على كافة الصعد، وبلغ مرحلة حرجة، دفعت معها المنظمات الاممية الى قرع جرس الانذار، والتحذير من خطر “الانقراض” الداهم على البشرية جمعاء والزاحف بقوة نحو كل ما يتعلق بالبيئة والطبيعة من نباتات وحيوانات، وبحار ومحيطات وحشرات وغيرها من الأنواع الكثيرة.

وبناء على ذلك، تداعت الامم والشعوب في العقود الاخيرة، وتحركت لوقف الانهيار الحاصل، في محاولة لايجاد حلول عملية (لا تنظيرية) ناجحة لانقاذ ما يمكن انقاذه قبل فوات الاوان.

وعليه، فبعد قمة المناخ (COP27) التي كانت عقدت في مصر في تشرين الثاني/ نوفمبر الفائت، توصلت ما يقرب من 200 دولة ــ في وقت مبكر من صباح أمس الاثنين ـــ في قمة الأمم المتحدة للتنوع البيولوجي عقدت في كندا، (التي تسمى COP15)، الى اتفاق اطار تاريخي، لوقف فقدان الطبيعة في جميع أنحاء العالم ، وتعهدت بحماية ما يقرب من ثلث أراضي ومحيطات الأرض كملجأ للنباتات والحيوانات البرية المتبقية على كوكب الأرض بحلول نهاية العقد.

وما أهمية هذا الاتفاق؟ وما تداعياته على الطبيعة؟

في الواقع لا يقل الانجاز ــ الذي تم التوصل اليه في مركز مونتريال للمؤتمرات في كندا ـــ من حيث أهميته الكبيرة عن اتفاق باريس للمناخ في عام 2015، عندما وافقت الدول على محاولة الحد من ارتفاع درجة حرارة الأرض إلى 1.5 درجة مئوية (2.7 فهرنهايت)، ولهذه الغاية، بذل المجتمعون جهودا جبارة، وعملوا ايضا حتى بعد منتصف الليل وخلال عطلة نهاية الأسبوع للتوصل إلى هذا الاتفاق. وتعقيبا على ذلك قال هوانغ رونكيو، رئيس COP15 ووزير البيئة في الصين، التي شاركت في استضافة المحادثات مع كندا: “أشعر بالإرهاق الشديد لأن هذا الاجتماع مثل الماراثون”.

أكثر من ذلك، اعطى المجتمعون لانفسهم فسحة “امل” واسعة (كانت بمثابة الدافع والمحفّز للوصول الى الاتفاق) لوضع حدّ لأزمة الانقراض المستمرة، خصوصا وان هناك حوالي مليون نوع معرض لخطر الانقراض إلى الأبد، وهو حدث انقراض جماعي يقول العلماء إنه يتساوى مع الدمار الذي أحدثه الكويكب الذي قضى على معظم الديناصورات.

اللافت، انه لم يغب عن بال المجتمعين ان فقدان التنوع البيولوجي الذي يسير بوتيرة متسارعة هذه الايام، لا يعود سببه إلى صخرة فضائية او نيزك ارتطم بالارض، فالمسؤول الاول والاخير والوحيد عن هذه الكارثة، معروف لديهم الا هو البشر. إذ أدّى، ويؤدي تغير المناخ والتلوث والتدمير (للغابات)، وفقدان الموائل، واستغلال المياه والثروات الطبيعية بشكل جائر إلى انخفاض تنوع النباتات والحيوانات.

ماذا تتضمن هذه الاتفاقية؟

في الحقيقة، مع انه لم يحضر أي رئيس دولة ــ بخلاف رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو ـــ الاجتماع في مونتريال شخصيًا، والذي اجتذب حوالي 12 ألف مشارك ، حيث كان الزعيم الصيني شي جين بينغ، افتتح المفاوضات رفيعة المستوى عن بعد، غير ان الاتفاقية التي تبلغ مدتها 10 سنوات، حددت ما يقرب من عشرين هدفًا، من بينها دعوة الدول للالتزام والحفاظ بشكل جماعي على الحياة البرية بما لا يقل عن 30 بالمائة من الأراضي والممرات المائية الداخلية، والمناطق الساحلية والمحيطية، بحلول عام 2030، لذلك اطلق المشاركون بهذا الالتزام عليه عبارة الوعد المدبلج “30 في 30”.

علاوة على ذلك، يدعو الاتفاق أيضا إلى خفض الجريان السطحي للمغذيات من المزارع (اي الاسمدة الكميائية) بمقدار النصف، فضلا عن تقليل معدل إدخال الأنواع الغازية إلى النظم الإيكولوجية.

كما التزمت الدول بتقليل مخاطر المبيدات بنسبة 50 في المائة، خصوصا ان أعداد الحشرات تشهد انخفاضًا حادًا في بعض أجزاء العالم.

وماذا عن آليات التنفيذ؟

ما يجدر معرفته في الوقت الحالي هو ان حوالي سدس القارات، و 12 محيطا فقط، تتمتع بشكل من أشكال الحماية، وفقًا لمركز مراقبة الحفظ العالمي التابع للأمم المتحدة.

وعليه، أمام الدول الآن ثماني سنوات بعد تاريخ القمة، لتحقيق أهدافها لحماية الأرواح الانسانية. من هنا، ونظرا لوجود عدد قليل من الآليات القانونية للتنفيذ، سيتعين على الدول (وفقا لمسؤولين في منظمات دولية) الوثوق ببعضها البعض لحماية الموائل، وتوجيه مئات المليارات من الدولارات للحفاظ على هذه الانواع المهددة.

ما أبرز التحديات التي واجهت قمة التنوع البيولوجي؟

كان المال نقطة التوتر الرئيسية بين البلدان الغنية والفقيرة. وفقا لأحد التقديرات، هناك حاجة الى ما بين 598 و 824 مليار دولار سنويا، لعكس اتجاه فقدان الأنواع في جميع أنحاء العالم.

أرادت دول في أمريكا الجنوبية وأفريقيا ــ موطن الغابات المطيرة وغيرها من النظم البيئية التي تؤوي أغنى تنوع للحياة على وجه الأرض ــ تطمينات من الدول الأكثر ثراء، بأن الأموال ستتدفق من المانحين والأفراد والحكومات الأجنبية لمساعدتها على حماية المناظر الطبيعية (من خلال تجنيد عناصر شرطة لمكافحة الصيادين غير القانونيين، وقاطعي الأشجار).

من جانبها رأت سوزانا محمد، وزيرة البيئة في كولومبيا الغنية بالغابات المطيرة، ان الاتفاقية يجب ان تلحظ مواءمة الموارد والطموحات.

بدورها أكدت إيف بازيبا، وزيرة البيئة بجمهورية الكونغو الديمقراطية، إن بلادها ملتزمة بهدف 30× 30 لكنها أضافت أن حكومتها تحتاج إلى مساعدة مالية لحماية مساحات حوض الكونغو، الذي يضم ثاني أكبر مساحة من الغابات الاستوائية في العالم.

بموازة ذلك، وانطلاقا من مصالح واشنطن، لعب الوفد الأمريكي دورًا في المفاوضات وقدم التزاما بالحفاظ على وعد “30 × 30” ، على الرغم من أن الولايات المتحدة (الملوث الاكبر في العالم) ليست طرفًا رسميًا في اتفاقية التنوع البيولوجي، إذ ان الرئيس الاسبق بيل كلينتون كان وقع الاتفاقية في التسعينيات، لكنها لم تحصل على تصديق بأغلبية الثلثين في مجلس الشيوخ. الاكثر غرابة، ان الدولة الأخرى الوحيدة التي ليست عضوا في المعاهدة، هي الكرسي الرسولي.

المفارقة، انه مع اعتراض عدد من الدول على بعض البنود، غير ان الصين حسمت القرار بضربة مطرقة، في النهاية ووضعت الاتفاقية الدول الأكثر ثراءً امام مسؤولياتها، لإرسال 30 مليار دولار سنويًا إلى الدول الجزرية الصغيرة، والدول النامية الأخرى بحلول نهاية العقد، وهو رقم أقل مما دعت إليه الدول الفقيرة في البداية.

في الختام، صحيح ان اتفاقية التنوع البيولوجي، شددت على ضرورة تعبئة 200 مليار دولار سنويًا للحفاظ على التنوع الحيوي للطبيعة، لكن العبرة، تكمن بمدى جدية التزام قادة العالم بهذا الاتفاق خلال العقد القادم، لا سيما وانه في السنوات الماضية، أخفقت البلدان في تحقيق الأهداف المحددة في صفقات مماثلة، وما قمم المناخ المتعاقبة، التي لم ينفذ من توصياتها سوى القليل القليل، الا خير دليل على قمم بلا نتائج ملموسة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.