إنعطاف تركي وثبات سوري

صحيفة الوطن السورية-

 مازن جبور:

انعطافة حادة في السياسة الأردوغانية، ذهبت إلى حد اقتراحه شخصياً عقد قمة رئاسية ثلاثية تجمع رؤساء سورية وروسيا وتركيا، بهدف تسريع المسار الدبلوماسي بين دمشق وأنقرة، إلحاح النظام التركي يظهر مدى حاجة نظام «العدالة والتنمية» إلى استعادة العلاقة مع سورية، كمحدد لمصيره في الانتخابات الرئاسية القادمة، ويبين درجة التأزم في الوضع الداخلي التركي من السياسات العدوانية التركية ضد سورية الأمر الذي يسعى النظام التركي للتخفيف من حدته، فيكرر طلب اللقاء مع القيادة السورية كلما رفضت الأخيرة.

مقترح أردوغان وإلحاحه، يثير الهواجس لدى أطراف أخرى متأثرة بشكل العلاقات السورية التركية، أولها «قوات سورية الديمقراطية- قسد»، فمشروع استعادة العلاقات الدبلوماسية بين دمشق وأنقرة، يهدد ما تعتبره «قسد» حقها في إدارة ذاتية لمناطق سيطرتها الحالية، على زعم أنها سيطرت عليها من جراء محاربتها لتنظيم داعش الإرهابي وليس نتيجة استقوائها بالاحتلال الأميركي، فأي تطور في العلاقات بين سورية وتركيا، يعني وضع «قسد» بين فكي كماشة، على الأقل كما تعتبر هي، وأحد طرفيه الطموحات التركية العابرة للحدود وسط تهديدات النظام التركي بإنشاء «منطقة آمنة» على طول الحدود الشرقية لسورية بعمق 30 كم، أو بين العودة إلى مكانها الطبيعي كجزء من الدولة والمجتمع السوري، ومن ثم عودة سيطرة الدولة السورية على كامل شمال شرق البلاد.

ثاني المتوجسين، هم المعارضة السورية التي تتخذ من تركيا مقراً لها أو بالأحرى ما تبقى منها، بالإضافة إلى التنظيمات المسلحة التي تسيطر على إدلب شمال غرب البلاد، خصوصاً أن شروط الدولة السورية لاستعادة العلاقات مع تركيا، تشترط بشكل أساسي، وقف دعم تلك التنظيمات المسلحة والمعارضة، وجدولة زمنية للانسحاب قوات الاحتلال التركي من المناطق التي تحتلها في سورية، وهنا يبرز سؤال رئيس عن استعدادات النظام التركي للالتزام بهذين الشرطين، خصوصاً أنه سمع بهما مراراً وتكراراً سواء عبر موسكو أم عبر قنوات أخرى، بأنهما شرطان لا تنازل عنهما ولا تساهل فيهما للبدء بمسار دبلوماسي مجدول، كالذي اقترحه رئيس النظام التركي.

يأتي الجواب، عبر فهم الانعكاسات السلبية التي خلقها النظام التركي لنفسه داخلياً عقب قرار الحكم بالسجن على رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو، لمدة سنتين وسبعة أشهر وحظره من العمل السياسي، وبالتالي حرمان المرشح الأبرز في مواجهة أردوغان، من خوض الانتخابات الرئاسية التركية القادمة بعد ستة أشهر من الآن، إذ شهدت تركيا تظاهرات وحملات تضامن من قبل ستة أحزاب مع إمام أوغلو، وهي تمثل أغلبية المعارضة التركية.

إذاً حلحلة جديدة تبرز في المساعي التركية لاسترضاء دمشق، بعد عشرة أيام فقط من تصريح أردوغان بأنه لا يخطط لعقد لقاء مع الرئيس بشار الأسد، ليناقض نفسه بخطة من ثلاث مراحل، الأولى لقاء على مستوى أجهزة الاستخبارات، الثانية لقاء على مستوى وزراء الدفاع، الثالثة لقاء على مستوى الرؤساء بحضور الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، اللافت الآن في طرح النظام التركي، أنه يحاول إبراز كم كبير من الجدية بعد مراوغاته العديدة، عبر طرح خطة مرحلية محددة وواضحة، وتقديم روسيا كضامن لهذه الخطة، فأردوغان اتصل ببوتين وأبلغه بها، الأمر الذي رحبت به موسكو، انطلاقاً من تيقنها بخطورة العملية العسكرية العدوانية التركية شمالاً، والتي تهدد أنقرة بشنها منذ مدة، لذلك أشارت العديد من التقارير الإعلامية خلال الأسبوعين الفائتين إلى وساطة روسية بين دمشق و«قسد» لتقريب وجهات النظر بين الطرفين، ونشر قوات للجيش العربي السوري على الحدود الشرقية للبلاد، وهو ما بدأت الأنباء تتوارد عن الشروع فيه.

أياً تكن الانعطافات التركية، فإن الثبات هو سيد الموقف في دمشق، ثبات على شرطين أساسيين، هما وقف دعم التنظيمات المسلحة والمعارضة، ووضع جدول زمني لانسحاب قوات الاحتلال التركي من الأراضي السورية، ومن دون ضمانات حقيقية لهذين الشرطين، سيبقى مسار خطا استعادة العلاقات الدبلوماسية مقطوعاً.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.