كيف يوصل النأي بالنفس الى «فيينا»؟

image_0_1-488x340
صحيفة البناء اللبنانية ـ                                                                                                                                      روزانا رمال :

خرقت الازمة السورية الاعراف السياسية والديبلوماسية وتخطت حدود انحسارها بحدود الدولة الطبيعية لجغرافية منطقة متداخلة اولا وملتهبة ثانياً، فأصبحت موضع اهتمام وتوجه كلّ من طاوله منها فائدة او ضرر، قريباً كان او بعيدا، ففي هذه الازمة حضر العالم كله من دون استثناء عند شتى مراحل تدرّجها، فقد تنقلت من مطالب معيشية الى انشقاقات في الجيش بإغراءات مالية خليجية وقرارات فردية شكلت جيشاً سُمّي «الجيش الحر»، ثم مجالس سياسية اتخذت من الخارج ملاذاً لها، خصوصا تركياً وما عرف بـ«المجلس الوطني» وسُمّي بمجلس اسطنمبول، الى إرهاب يحتلّ القرى والمدن وهو المنبثق من فكر «القاعدة» بين «جبهة نصرة» و«داعش» وألوية متعدّدة وكلّ ما وراءها من دعم خليجي و«إسرائيلي» واميركي وتركي، وصولا الى اليوم الذي دخلت فيه روسيا عسكرياً ايضاً لتحدث فرقاً وعدت بتحقيقه.

المفارقة انّ حوادث الإرهاب توالت وتدحرجت من المنطقة الى العالم بمجرد ان وضع الإرهاب سورية ركيزة رئيسية للتمدد نتيجة الدعم الذي لقيه هناك، والامان الذي استشعر وجوده، حتى توسعت خطة تمدّده وانتشرت الخريطة السوداء التي وصلت حدودها الى اوروبا وهدّدت بتدمير الكعبة في مكة.

هنا يفيد التذكير بأبرزها: حوادث مصر الإرهابية في سيناء وما عاناه الجيش المصري ولا يزال من مخاطر أمنية وموجات تفجيرات إرهابية تستهدف البلاد كلّ حين، أحداث «شارلي ايبدو» في فرنسا والتي اعتبرت تحوّلاً في الشارع الفرنسي الذي رأى في سياسة البلاد قلة مسؤولية في مضيّها باستبعاد الرئيس السوري بشار الاسد عن ايّ محادثات وعدم الاقتناع بوجوب التعاون الذي دعا اليه مراراً.

في العموم، وبعدما تيقن ان الارهاب ذاهب الى اوروبا وما بعدها، ومنذ ذلك الوقت بدأت وفود فرنسية برلمانية تتقاطر نحو سورية مع معلومات تحدثت عن زيارات لقادة استخبارات دول اوروبية كبرى مثل ألمانيا للقاء الأسد بحثاً عن حلول للارهاب، كلّ هذا بالإضافة الى اجتياح بعض محافظات العراق الرئيسية مثل الموصل والانبار وديالى وصلاح الدين وغيرها، فلم يبق لأي دولة قرار واستقرار من دون التدخل في سورية للاطمئنان على مستقبلها الأمني قبل أيّ شيء بعضها أراد والبعض الآخر أقحم عبر تحالفات دولية عسكرية قادتها واشنطن.

مفارقة لبنان أنّ سلطاته وحدها التي كانت تدعو للنأي بالنفس، مع العلم أنّ ما جرى فيه من أخطر الحوادث الأمنية وأكثرها قدرة على فرض شرخ بين فرقائه، أبرزها حادثة تفجير السفارة الإيرانية والتفجيرات المتنقلة في الضاحية وغيرها، والقصف الذي طاول مناطق بعلبك والهرمل ونشوء حركات متطرفة مثل حركة «أحمد الأسير»، مع علم السلطات نفسها بأنّ حزب الله وتيار المستقبل لاعبان واضحان في تلك الأزمة، بغضّ النظر عن الأدوار لكنها تعرف عبثية هذا الحياد وعزل نفسها عن التواصل مع السلطات السورية لبحث أهمّ المشاكل المحدقة وكأنّ لبنان أبعد عن سورية بقارة او قارتين.

لم يكن يفضل الرئيس اللبناني السابق ميشال سليمان الذي شهد عهده بداية الأزمة وأكثر سنواتها دقة والذي لحظ إنعكاساتها على لبنان أن يتدخل أيّ فريق سياسي فيه في ما يجري هناك من دون أخذه ربما بعين الاعتبار ما اعتبرته دول مجاورة قلقاً محدقاً بأمنها القومي حيث لا تهاون فيه او تساهل مثل أزمة اللاجئين السوريين في بلادهم وصولاً الى بعض التشديدات الامنية التي فرضها دخولهم، خصوصاً أنه كان بينهم جزء ممن يتواصل مع المعارضة المسلحة الارهابية. فريق الرابع عشر من آذار كان كذلك فلم يكن يفضل ايضا هذه العلاقة لارتباطاته بشكل رئيسي بموقف سعودي يطغى على الفريق الذي يتزعّمه «المستقبل»، ما رجح اصوات وزراء الحكومة اللبنانية ومواقفهم المتصلبة على قطع العلاقة مع سلطات دمشق، وجلب على البلاد الفوضى وأدخل الارهاب اليه بأبواب فتحت على مصراعيها، فها هي اليوم عرسال أسيرة الإرهاب المحيط ولبنان وعسكرييه معها، الذي وإنْ عاش أمنا نسبياً إلا أنه معرّض للإنفجار في أيّ لحظة.

سوء حساب السلطات اللبنانية بين رئيس جمهورية سابق وحكومة تابعة رسمياً للموقف السعودي في سورية لا يجد أمامه تبريراً اليوم بعدما تمّت دعوة لبنان رسمياً إلى المشاركة في المؤتمر المخصص لبحث الأزمة السورية في فيينا، بحضور الدول الكبرى المعنية والدول المحيطة والمجاورة، وقد تمت تلبية الدعوة رسمياً التي لا تفسّر حضوره بالمفهوم اللبناني المحايد، وهنا وللذين يعتبرون الدعوة أتت بناء على نوايا تحجيم السعودية للحضور الإيراني فوسعت دائرة الدعوات، فإنّ الجواب في هذا الاطار أنّ من يحضر المؤتمرات الدولية يعني قبول الالتزام بكلّ ما ينبثق عنها، وهنا فإنّ لبنان الرسمي النائي بنفسه سنوات يحضر اليوم على طاولة الحلول.

يتضح اليوم بوقائع بعيدة عن الاصطفافات أنّ سلوك السلطات اللبنانية في سنوات الأزمة سابقاً لم يكن الا ترجمة للموقف الخليجي السعودي، وهو اليوم أيضاً يحضر ترجمة لهذا القبول أيضاً، لكن هذه المرة كونه أحد دول جوار سورية المتأثرة بالأزمة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.