مناورة بريطانية بارعة

EU-UK-flag

صحيفة الخليج الإماراتية ـ
فيصل جلول:

” لو قرر البريطانيون ان ينسحبوا من الاتحاد الاوروبي فاننا سنفرش لهم السجاد الاحمرلمباركة الانسحاب” بهذه العبارة النادرة بسخريتها السوداء وصف وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس الانباء التي ترددت عن ان دافيد كاميرون الوزير الاول البريطاني سينظم استفتاء عاما السنة المقبلة اذا ما فاز بالانتخابات النيابية وسيطلب فيه من البريطانيين ان يقرروا البقاء او الانسحاب من الاتحاد الاوروبي.

ثمة من يعتقد ان “سخرية” فابيوس تعكس ضيقا فرنسيا متراكما من الاعتراض البريطاني المنهجي على السياسة الاندماجية الاوروبية التي يشجعها بقوة المحور الفرنسي  ـــــــــ الالماني وهو اعتقاد صحيح ربما يرقى الى ما قبل دخول بريطانيا الى اوروبا الموحدة حيث كان الجنرال شارل ديغول يرفض انضمامها احيانا وهي ترفض احيانا اخرى الانتماء الى هذا التكتل بشروطه الى ان تم تذليل العقبات ودخلت لندن الى اوروبا الموحدة بشروطها وسهرت على احترام هذه الشروط في كل مراحل  المفاوضات على تطوير وتعزيز الاندماج داخل  المؤسسات الاوروبية حتى صار واضحا انها تقطف حسنات الاتحاد االاوروبي ونجاحاته وتناى بنفسها عن سيئاته واخفاقاته الامر الذي اثار وما زال يثير غيظ معظم دول الاتحاد وليس الفرنسيين وحدهم.

واذا كان السيد فابيوس وربما الحكومة الفرنسية والمعارضة مجتمعتين لا تحتفظ بعواطف متأججة حيال بريطانيا وبالتالي لن ينافس الفرنسيون احدا في الحرص على بقاء البرطانيين داخل الاتحاد فان الامر يختلف مع المانيا التي تعبر عن ضيقها ايضا لكن ازاء احتمال خروج لندن من الاتحاد وليس بقائها لان الالمان يعتقدون ان اللعبة الثلاثية داخل الاتحاد بين دوله الكبرى تسمح لهم بهامش واسع للمناورة بين باريس الاندماجية  المطلقة ولندن  التي تكره الاندماج.

وعلى الرغم من التقارب الالماني الفرنسي الكبير الذي احتفل البلدان قبل ايام بيوبيله الفضي فان السيدة انجيلا  ميركل ومن قبلها غيرهارد شرودور قد صرح مرارا ان بلاده متمسكة ببقاء بريطانيا في الاتحاد الاوروبي وان اقتضى الامر تقديم التنازلات تلو التنازلات لتسهيل بقائها كي لا تنفرد بمواجهة فرنسا وجها  لوجه وبالتالي تضعف ادواتها الرادعة للنزعة الاندماجية الفرنسية.

والبادي ان تعليق فابيوس “العنيف” على تصريحات كاميرون نقل النقاش الى مرحلة ما بعد الانسحاب البريطاني من الاتحاد الاوروبي في حين ان التصريحات نفسها تنطوي على اشتراطين كبيرين الاول هو ان ينجح رئيس الوزراء اتلبريطاني في الانتخابات المقبلة وهو امر غير مؤكد والثاني ان يوافق الرأي العام البرطاني على الانسحاب من المشروع الاوروبي وهذا ايضا غير مؤكد. والراجح  بحسب الخبراء في الشأن البريطاني ان  يكون ديفيد كاميرون قد استخدم هذه القضية لغرض انتخابي حتى اذا ما قضى حاجته اختلق الذرائع حول مخاطر الانسحاب وصرف النظر عنه  ثم انه قد يستخدم فكرة الاستفتاء نفسها للضغط على الاتحاد الاوروبي من اجل مزيد من التنازلات واخيرا يمكن ان ينظم الاستفتاء ويهيء السبل حتى تاتي النتيجة لصالح البقاء في الاتحاد وبالتالي اعطاء شرعية جديدة للتيار الاوروبي في المجتمع البريطاني.

يبدو واضحا من خلال تعدد الفرضيات وتضاربها ان هذه القضية ستكون محور نقاشات وسجالات عديدة خلال العامين القادمين حيث لن يعدم المساجلون طرح اسئلة حول انعكاس الانسحاب البريطاني على الاتحاد الاوروبي  وما اذا كان  مفيد ام مضرا بالعمل بهذا المشروع الذي تعتبره شعوب كثيرة جديرا بالاتباع.

وهنا ايضا تتعدد الاراء وتتناقض فبعضها يوحي بان رحيل بريطانيا عن الاتحاد من شأنه ان يسهل عمله خصوصا ان مجموعة الدول التي تتذرع بالموقف البريطاني في طلب الاستثناءات ستضعف كثيرا ولن يعود بوسعها وضع العصي في دواليبه بالمقابل يرى البعض الاخر ان غياب بريطانية سيضع القطبين الفرنسي والالماني بمواجهة بعضهما البعض وبالتالي ستتعزز فرص الاشتباك بينهما وبالتاكيد سيضعف الاتحاد جراء افتقاره لدولة اوروبية اساسية ويرى البعض الثالث ان خروج بريطانيا لن يتسبب باذى كبيرا للطرفين لانها قد تخرج من الاتحاد بصيغته الراهنة لكنها ستعود اليه عبر اتفاق مستقل يشبه اتفاق بعض الدول التي تريد الشراكة المستقلة مع الاتحاد دون الاندماج بهيئاته واليات عمله.

تبقلى الاسشارة  الى  ان مبادرة ديفيد كاميرون تتصف بالكقبر من المهارة السياسية الرفيعة فهي تضعه وتضع حزبه في قلب النقاشات المتصلة بالاتحاد الاوروبي خلال العامين القادمين متفوق على خصومه بكونه لاعبا ينعقد حوله مصير اوروبا وليس فقط مصير المملكة المتحدة وبهذه الطريقة يعلو ويواصل العلو خلال الانتخابات القادمة من غير ان يكون مضطرا لتقديم كشف حساب حول برنامج حكومته المنصرم ..

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.