هل أنقذ نتنياهو الكيان من الانفجار الكبير؟

موقع العهد الإخباري-

شارل ابي نادر:

كان الحدث مهولًا في الكيان المؤقت مؤخرًا على خلفية اقتراح تقدمت به حكومة نتنياهو لاجراء تعديلات محددة على بعض البنود القضائية، مضمونها يتركز حول تقييد بعض صلاحيات القضاء وخاصة المحكمة العليا، لمصلحة السلطة التنفيذية (الحكومة).

فيما ظهر جليًا حجم الانقسام الداخلي الذي كان يمكن أن يكون قاتلًا بعد أن تحول إلى برميل بارود قادر على تفجير كل الكيان، استطاع بالأمس نتنياهو استيعاب الأمر مؤقتًا من خلال قرار تجميد العمل بـالتعديلات القضائية من دون التنازل عنها أبداً. نتنياهو اعتبر أن هناك قلة مستعدة لاستخدام العنف وإشعال النار، واضعًا التبرير الرئيسي لتراجعه في خانة ضرورة المحافظة على الجيش، بعد أن صدرت دعوات لرفض التجنيد في الجيش، معتبرًا أنه لن تقوم لـ”إسرائيل” قيامة من دون الجيش.

فهل يمكن القول إن الأزمة قد حُلَّت ونجا الكيان من الانفجار الكبير؟ وهل أن مشكلة الأخير هي فقط في طريقة تقاسم الصلاحيات بين السلطة القضائية أو المحكمة العليا تحديدًا وبين الحكومة؟ واستطرادًا، أين مصلحة جبهة مقاومة الاحتلال من هذا الخلاف؟ وأي تأثير لطريقة توزيع الصلاحيات داخل الكيان على معركة محور مقاومة هذا الاحتلال؟

لا شك أن الكيان الإسرائيلي يعيش حاليًا مرحلة حرجة جدًا، وهي حتمًا أوسع وأبعد من موضوع الخلاف على الصلاحيات المذكورة، فصحيح أن التعديلات القضائية كانت الشرارة التي أحدثت الانفجار، ولكن الشحنة المتفجرة هي بالأساس عبارة عن تراكم خلافات وتباينات وانقسامات تكدّست فوق بعضها بعضا، ولتظهر فاضحة بعد وصول الكيان إلى هذا الوضع، مع حكومة “المتشددين” ومع قراراتها أو مع اقتراحات القرارات التي تحضر لها، لناحية التعديلات القضائية أو لناحية إعادة تفعيل الاستيطان أو لناحية ما يوصف بـ “التشدد” أكثر في مواجهة المقاومة الفلسطينية والتصرف بطريقة أكثر دموية من قبل الأجهزة الأمنية والعسكرية.

من المنطقي أن تسارع موجات الاعتراضات بهذا الشكل الهستيري، والتي ظهرت غير مسبوقة في شراستها وفي حدتها، لم يصل الى هذا المستوى فقط لأن هناك تباينًا في النظرة القانونية لناحية توزيع الصلاحيات بين القضاء والحكومة، لأن هذا التباين لا يظهر إلا للاختصاصيين من رجال القانون والدستور والادارة العامة، وجموع المعترضين بطريقة جنونية، حتمًا لا يملكون مستوى الفهم القانوني المطلوب لتحديد هذه التباينات.

بل إن المحرك الرئيسي لهذه المجموعات المتضاربة هو الانقسام الاجتماعي والسياسي والفكري والاخلاقي، والذي تبين أنه متجذر بين مكونات مختلفة المشارب، تجمعت من كل أقاصي الأرض لتاتي الى فلسطين وتعيش مستفيدة من تقديمات كانت محرومة منها في المناطق والدول التي هاجرت منها، والدليل على ذلك أن اليهود المتمكّنين اقتصاديًا واجتماعيًا في كل دول العالم، لم يلتزموا بالهجرة الى “أرض الميعاد” كما يدعي منظرو الاحتلال، وهذه المكونات المتعددة الجذور، جمعتها العنصرية والمصلحة المادية فقط، ولم تجمعها عصبية الروابط القومية الحقيقية لأي “شعب”.

النقطة الأخرى التي تؤسس للمشكلة الأساسية للخلافات التي ظهرت مؤخرًا داخل الكيان، في مستوى أبعد وأعمق من التعديلات القضائية، هي ما ظهر داخل الجيش، والذي كان دائمًا صمام أمان الاحتلال، وهذا ما أشار إليه نتنياهو بطريقة ضمنية في تبرير تراجعه عن طرح التعديلات. فليس من المنطقي بتاتًا، أن ينكشف هذا الجيش في توازنه وفي التزامه بدوره، بمجرد حصول خلاف دستوري قانوني على تعديلات قضائية، ليظهر وبطريقة علنية ما يشبه التمرد الواضح من قبل وحدات أساسية أو احتياطية داخله، حيث من المفترض أن يبقى دوره والتزامه بمهمته ثابتًا أكثر عند أي فقدان للتوازن الأمني والاجتماعي داخل الكيان.

في الواقع وعمليا، لن يكون لهذه التعديلات القضائية أي تاثير بتاتًا في الصراع مع كيان الاحتلال، ومهما كانت صحة أو عدم صحة هذه التعديلات لناحية البعد القانوني الدستوري أو “الديمقراطي” في توزيع الصلاحيات بين القضاء وبين الحكومة، فإن المواجهة مع الكيان هي في مكان آخر، وعلى مستوى أبعد من خلافات إدارية أو سياسية داخل “اسرائيل”.

في الواقع، الخلاف الحقيقي بين الحكومة والمعارضة هو عمليًا على كيفية إدارة الصراع بمواجهة محور مقاومة احتلالهم داخل الكيان أو خارجه، وحيث يرى البعض منهم ضرورة التصرف بتشدد ظاهر وعلني، والذهاب بعيدًا وبطريقة مكشوفة في اجراءات القمع الدموي الشعب الفلسطيني، وتثبيت الاحتلال عبر تثبيت الاستيطان وتوسيعه، يرى الآخرون أن الأنسب هو في تغطية وتخبئة نوايا القمع والاحتلال والاستيطان، والموجودة أصلًا لدى الفريقين التزامًا وثباتًا وعلى نفس المستوى.

من هنا، وبعد انتهاء هذه الجولة الغامضة من الصراع الداخلي في “اسرائيل”، يمكن استنتاج ما يلي:

١- لن يكون تعليق طرح مشروع التعديلات القضائية حلًا للمشكلة التي شهدها الكيان مؤخرًا، لأن الانقسام الداخلي متجذر وعميق بين مكونات العدو، وهو أبعد من خلاف شكلي على إدارة الصراع بمواجهة محور المقاومة وتحديدًا بمواجهة المقاومة الفلسطينية في الداخل، والكيان سيكون حتمًا على موعد وقريب ربما مع خلافات مماثلة، وستظهر أكثر شراسة وتحت عناوين متعددة.

٢- لا توجد أي مصلحة لمحور المقاومة في تغلب الحكومة الإسرائيلية على المعارضة أو في العكس من ذلك، ولا يوجد أي تأثير فعلي على المواجهة بين الكيان وبين هذا المحور، في حال سلكت التعديلات القضائية أو في حال لم تسلك، أو في حال تراجع نتنياهو وضعف ائتلافه الحكومي أو العكس، فعناصر الصراع الحقيقي ضد هذا العدو هي في مستوى تطور قدرات الردع النوعية ضده، وهي في الثبات على مفاهيم وقواعد الاشتباك التي تم فرضها عليه، بمعزل عن صلاحيات حكومته أو محاكمه القضائية، التي مهما توسعت أو تقيدت صلاحيتها، لم تكن يومًا إلى جانب الحق والعدالة والقانون الدولي، بل كانت دائمًا وستبقى غطاء خادعًا للاحتلال ولجرائمه.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.