أيـن تنتصـر أميركـا وأيـن تُهـزم؟

IRAQI FREEDOM

صحيفة السفير اللبنانية ـ
سمير كرم:

تحتفل أميركا هذه الأيام بالذكرى العاشرة لغزوها العراق.
وتحتفل ايضاً بعد عدة شهور بالذكرى الثانية عشرة لغزوها أفغانستان.
وتحتفل بذكرى «الربيع العربي» الذي قادها، بمساعدة اوروبية صريحة، الى غزو تونس ومصر وليبيا وسوريا، وإن يكن غزو تونس ومصر قد تم بأساليب سياسية ولم يصل الى استخدام القوة العسكرية. اما في حالتي ليبيا وسوريا فإن الولايات المتحدة استخدمت ولا تزال تستخدم ترساناتها من الاسلحة كما تستخدم ترسانات بلدان الخليج من المال.
نستطيع ان نضيف ان الولايات المتحدة تحتفل بالذكرى الرابعة والثلاثين لحربها، التي لا تتوقف فيها التهديدات بحرب حقيقية كاملة العدة والعتاد ضد ايران، منذ ان انطلقت الثورة الايرانية في العام 1979.
بطبيعة الحال فإن لكل من هذه الحروب شخصيتها وملامحها الخاصة، إنما يلفت النظر بشدة ان الولايات المتحدة استطاعت ان تغزو العراق ولا تزال تحتفظ في الاراضي العراقية بقوات مسلحة بأثقل انواع الاسلحة. فقد احتفظت في العراق بعدد غير معلوم ـ وإن كان من المؤكد انه عدد كبير ـ من القواعد العسكرية المدججة بالأسلحة والقدرات القتالية الكبيرة لغزو اي بلد قريب من العراق جغرافياً أو تاريخياً. مع ذلك فإن الولايات المتحدة لا تجرؤ على ان تقول، إنها انتصرت في العراق. إنها تفضل ان لا تتطرق في تصريحات قادتها المدنيين والعسكريين الى نهاية حربها في العراق والنتيجة التي انتهت اليها. وكأن لدى هؤلاء المسؤولين شعوراً لا يمكن الفرار منه بأن حرب العراق قد تنشط من جديد. ومعنى هذا ان دماء الجنود والضباط الاميركيين معرضة لأن تنزف بالمزيد في تلك البلاد عند اول منعطف تصبح فيه مظاهر الوجود الاميركي مهددة من جديد بأخطار الحرب.
اما في حالتي ليبيا وسوريا، التي لعبت فيهما الولايات المتحدة دور القيادة من بعيد والاشراف على الطرق البعيدة والقريبة التي تسلكها الاسلحة الخفيفة والثقيلة الى هذين البلدين، فإن الامور لم تستقر الى الحد الذي يمكن عنده القول إن الدور الاميركي قد انتهى. ليبيا لم تستقر على الحال الذي يمكن ان يكون مرضياً للولايات المتحدة او للدول الاوروبية التي خاضت الحرب فيها بمشاركة عربية، خليجية في الاساس. اما سوريا فلا يزال القتال مستمراً فيها بإشراف اميركي من بعيد ايضاً ولكنه اقرب من ان يزيح كلية فكرة التدخل الاميركي الوشيك او الاسرائيلي المشترك. ذلك ان تقديرات القيادات العليا الاميركية أصابها خلل كبير جعل هذه القيادات تتوقع ان تنتصر القوى التي تحارب لحسابها في سوريا ـ وهي نفسها القوى التي تحاربها اميركا في أفغانستان (…) ـ خلال وقت قصير حُسب بالايام في مرحلة اعقبتها مرحلة اصبح يُحسب فيها بالأسابيع، ثم بدأ يُحسب بالشهور في مرحلة لا تزال مستمرة. لكن مرارة الاستمرار تنضح على كل المشاركين بلا استثناء. وذهب الخبراء الاستراتيجيون الناطقون بلسان الحكومة الاميركية الى ان الحرب الدائرة في سوريا تهدد بالتحول في اي لحظة الى حرب اهلية. ونسي هؤلاء الخبراء – او هم في الواقع تناسوا – ان الحرب في سوريا مستمرة بسبب القوى الخارجية التي تسلحها الولايات المتحدة والدول الاوروبية (وتركيا، وعبر الاراضي التركية) وتنفق عليها اموال دول الخليج التي لا تنضب ولا تحقق الانتصار الذي تأمله هذه الدول الخليجية اكثر من غيرها.
لكن ماذا يميز حرب التهديد المتواصلة التي تشنها أميركا على إيران منذ الثورة؟ ولماذا قدر لهذه الحرب، وما يرافقها من ضغوط اقتصادية وسياسية ونفسية تبدو بلا نهاية، ان تستمر من دون ان تتحول فيها التهديدات الاميركية الى حرب مشتعلة النيران فعلا في المنطقة التي تقع فيها إيران؟
يميز الحرب التي تتعرض لها إيران من جانب الولايات المتحدة واسرائيل شيء واحد يمكن اعتباره مسؤولاً عن هذا الاستمرار الذي اتم اربعة وثلاثين عاماً. ذلك هو صمود إيران الإعجازي في وجه الضغوط الاميركية وفي وجه التصاعد المستمر للتهديدات الاميركية التي لم يسبق ان بلغت هذا الطور ولا هذا الاقتراب بآلة الحرب الاميركية البحرية والجوية من المياه الإقليمية الإيرانية.
ومن المؤكد ان الولايات المتحدة توقعت نتيجة لهذه التغيرات الاستراتيجية العالمية ان تبدي إيران رضوخاً امام التهديدات والضغوط الاميركية. ولكن ما حدث هو ان إيران ازدادت قوة وازدادت نتيجة لذلك تحدياً للولايات المتحدة. وبالمقابل فإن الولايات المتحدة لم تجد امامها إلا أن تزيد الضغوط على ايران ـ في شكل عقوبات اقتصادية وفي شكل تحرشات بحرية وجوية من مناطق الخليج المتاخمة. وعندما اعتقدت إسرائيل ان باستطاعتها إرغام الولايات المتحدة على ان تبدأ حرباً مع إيران ـ بمشاركة اسرائيلية او بدون هذه المشاركة – فإن الولايات المتحدة اتخذت موقفاً يدل على إدراك عميق بأن المسألة لن تكون محسوبة النتائج، خاصة في ضوء قوة إيران العسكرية اولا، وفي ضوء الوضع الاستراتيجي بالغ الدقة في منطقة تعتبرها الولايات المتحدة اهم مناطقها الاستراتيجية في العالم الخارجي، وهي منطقة الخليج. ولا يمكن استبعاد ان تكون الولايات المتحدة قد استنتجت ان اسرائيل لا تمانع في توريطها عسكرياً في مواجهة إيران بصرف النظر عن النتائج المحتملة لمثل هذه الورطة. لكن أغلب الظن ان تكون الولايات المتحدة قد رأت ان الدفاع عن اسرائيل يقتضي التريث في تحدي ايران، لأن هدف إيران الاول في الرد على هجوم اميركي او اميركي – اسرائيلي مشترك سيكون على الأرجح موجهاً ضد اسرائيل.
وليس خافياً ان الولايات المتحدة تعتبر الدفاع عن امن اسرائيل هدفها الاستراتيجي الاول في منطقة الشرق الاوسط. ويبدو انها ـ الولايات المتحدة ـ تمكنت من إقناع دول الخليج النفطية، او الأغنى بينها والأكثر ارتباطاً بالولايات المتحدة عسكرياً واقتصادياً، بأن ترضخ لهذا الهدف الاميركي الاول ـ الدفاع عن اسرائيل استراتيجياً ـ اذا كانت تريد من الولايات المتحدة ان تستمر في نشر مظلتها العسكرية الواقية فوق رؤوس ملوكها وأمرائها. واذا اقتنعنا بهذا فإننا نكون قد ادركنا سبب اقتراب دول الخليج النفطية اكثر من اي وقت مضى نحو اسرائيل والقبول بوجودها. وحتى ان لم يتحقق الاعتراف الرسمي بإسرائيل بعدُ من جانب هذه الدول، فإن المسألة اصبحت تبدو ـ خاصة للقيادات الاميركية الحاكمة ـ مسألة وقت لا أكثر.
نتساءل كيف ولماذا تُهزم اميركا ـ أقوى دول العالم عسكرياً واقتصادياً ـ في بلد هو بكل المقاييس صغير وضعيف، أفغانستان، بينما تنتصر في مصر، وهي من اكبر وأقوى بلدان المنطقة، من دون ان تطلق رصاصة واحدة. ولماذا تكتفي بأن تتخذ موقف المراقب الوثيق الصلة لتقرر ماذا تفعل ازاء التطورات داخل مصر، بانتظار ان تعرف ماذا سيكون مصير طرفين في الصراع المصري يمكن ان يقرر اي منهما مصير البلد، تنظيم الإخوان والجيش؟.
ان الولايات المتحدة تتخذ موقفاً إيجابياً من كل من تنظيم «الإخوان المسلمين» والقوات المسلحة المصرية. وهي تدرك جيدا ان الساحة المصرية لن تتسع لهذين الطرفين ما دام ان الخلافات بينهما قد بدأت. تتخذ الولايات المتحدة موقف المراقب لأحداث مصر لانها تتردد في اتخاذ قرار بان تكون في صف اي منهما. وهي لا تعلم اي الطرفين يمكن ان يخرج منتصراً من مواجهة بينهما قد تصل الى حد الاقتتال. ويبدو ان الولايات المتحدة لا تمانع في ان ترى مصر تنحدر نحو وضع اكثر سوءا مما هو الآن. إن الولايات المتحدة لا تمانع في ان ترى السيناريو السوري يتكرر في مصر بصورة اخرى. وأخطر ما في هذه الصورة ان يحاول تنظيم الاخوان المسلمين الاستعانة بتنظيمات اخوانية غير مصرية في محاولة لحسم الوضع لصالح اخوان مصر. عندئذ ستكون مصر قد اتسعت لتنظيمات خارجية اجنبية مسلحة ولمواجهة بين هذه التنظيمات والجيش المصري.
هل يمكن ان تطيق الولايات المتحدة مثل هذا الوضع؟ ام ان السؤال هو ما اذا كانت الولايات المتحدة ستحاول تجربة هذا السيناريو في مصر لتعرف اذا كان يفيد استراتيجيتها ويفيد ايضاً استراتيجية اسرائيل؟ هل كانت الولايات المتحدة منذ ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، وبالتحديد منذ ان استسلمت لحقيقة حتمية سقوط حسني مبارك وقبول سلطة الإخوان، تدرك احتمالات تطور الوضع المصري في هذا الاتجاه؟
يبدو ان الولايات المتحدة هي الآن بصدد الاتفاق مع اسرائيل على تحقيق حد أدنى من التوافق بين السلطة الفلسطينية واسرائيل حتى لا تعود هذه الجبهة تشكل مصدر صداع اساسي لأميركا. ان ملامح مثل هذا الاتفاق تبدو من خلف نوافذ زيارة الرئيس الاميركي اوباما لاسرائيل والمنطقة الفلسطينية في الضفة الغربية. ولم تعد هناك قوة في المنطقة ـ خاصة مصر وسوريا ـ قادرة على مواجهة مثل هذا الوضع في ضوء الضعف الذي اصابهما نتيجة للظروف الداخلية في كل منهما. وبالتالي فإن باستطاعة السلطة الفلسطينية ان تمرر مثل هذا الاتفاق بالموافقة عليه هي واسرائيل.
بهذه الاستراتيجية تكون اميركا ـ وهي مهزومة في افغانستان وغير منتصرة في العراق ـ قادرة على إخضاع باقي المنطقة لهيمنة عسكرية اميركية – اسرائيلية تشمل التنظيمات الارهابية التي تساعد المخطط الاميركي في سوريا وقد يمتد الى مصر بقوة حكم «الإخوان المسلمين» وحلفائهم الخارجيين.
كان السؤال في الماضي هل تتدخل اميركا، والآن اصبح متى تنتصر اميركا في بلادنا ومتى تنهزم؟

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.