إستراتيجية الدولة السورية لإدارة الأزمة: مقاربة أمنية ـ سياسية.. بانتظار تغييرات دولية

 

صحيفة السفير اللبنانية ـ
دمشق ـ زياد حيدر:
أثمرت استراتيجية الدولة السورية نسبياً ازاء الحرب التي تخوضها في حين فشلت الاستراتيجيات المقابلة.
ومع اقتراب الصراع السوري من الدخول في عامه الخامس، يمكن القول ان التركيز على خطر الإرهاب صار محور الاهتمام الدولي، فيما بقيت الاستراتيجيات البديلة أقرب إلى السياسات الإعلامية المترافقة مع التوتير الأمني منها الى الخطط السياسية.
وربما يكون أبرز أسباب فشل الطرف الآخر هو عدم وجود هذه الإستراتيجية فعلياً، واقتصار السياسات على الرغبة في تحقيق أهداف سريعة، من بينها «إسقاط النظام»، من دون وضوح ما بعده، أو حتى كيفية حصول ذلك أو إمكانيته، وهي حال سياسات أممية أصابت دولاً عدّة بمصائب لا شفاء عاجلا منها، وبينها ليبيا ومصر والعراق… وبالطبع سوريا.
من جهتها، ومنذ الأشهر الأولى للصراع الذي بدأ فعليا في 18 آذار العام 2011، بدا للحكومة السورية، بمستوياتها السياسية والأمنية والعسكرية، أن عربة البلاد قد وضعت على سكة مواجهة لم يعد ممكناً تفاديها، وذلك بعد أشهر من استقرار الخيار الأمني للمعالجة، في مقابل فشل إمكانية اجتراح حلول سياسية واجتماعية على مستويات محلية ضيقة أو مناطقية.
وبالرغم من أن المحتجين نُعتوا منذ الأيام الأولى في الإعلام الرسمي، وعلى لسان بعض المسؤولين، بصفة «الإرهابيين»، إلا أن سياسة الدولة لم تواجههم علانية وبشكل «إعلامي صريح» حتى خريف العام 2011.
وابتداءً من تلك الفترة، تحولت الإستراتيجية الأمنية والسياسية نحو تحقيق مطالب سياسية لجناح، وتصعيد الحملة الأمنية والعسكرية على جناح آخر.
وكان الوقت حينها بعيداً عن عقلية اللحظة الراهنة، التي تروج فيها الدولة السورية وتشجع على المصالحات الوطنية القائمة على توافقات بين المسلحين، أبناء بيئة معينة، وبين الجيش، والتي درجت وحققت فعالية مقبولة في مناطق عدّة.
وحتى الأشهر الأخيرة التي أعلنت فيها هذه المصالحات، كانت الدولة السورية ترفض إعطاء الصراع الدائر أي صفة أهلية، مركزة على البعد الخارجي فحسب. والواقع أن هذا التجاهل ما زال مستمراً، بالرغم من اعتراف كل سلطات الدولة، وكذلك الإعلام المحلي الرسمي والخاص، بوساطات وهدن ومصالحات تجري بين طرفين سوريين بشكل حصري، وإن اتهم بتعطيلها في كثير من الأحيان «الأجانب» من مقاتلين ومتنفذين خارج القطر لهم كلمة طولى على المجموعات المحلية.
إلا أن الإستراتيجية العامة لم تتأثر، عموماً، كنظرة معمقة لما ستؤول إليه المنطقة، وليس البلد بحد ذاته، بعد عام وعامين، بل وأكثر، فالقيادات في سوريا كانت تعرف جيداً، ما الذي يعنيه فسيفساء الشرق الأوسط، وعمق الصراع المذهبي القائم بين طبقات السياسيين الإقليميين، متمثلين بجناحي إيران والسعودية، ومستوى الاحتقان المذهبي على المستوى الشعبي المستعد للانفلات، ولا سيما أنها كانت اختبرته عمليا خلال فترة دعمها لـ «المقاومة العراقية» إبان الغزو الأميركي، والذي اعتبره مسؤولون سوريون كثيرون، تحدثت إليهم «السفير» في بدايات الحرب السورية، من «أكبر علامات الساعة» بالمفهوم السياسي لا القدري.
وكان الحديث حينها يدور عن احتجاجات في مدن سورية محدودة، وإن سالت دماء ضحايا مدنيين فيها، فيما ترددات الزلزال الأكبر تأتي من القاهرة.
وبالرغم من أن الأحداث تأخذ طابعاً مختلفاً نسبياً في ليبيا ومصر وتونس، وكانت قد بدأت للتو في سوريا، إلا أن النظرة العامة كانت أن ما يجري هو من آثار الغزو الأميركي للعراق، بسبب «حالة الواقع الراهن التي أنشأها»، والتي كانت تأخذ منحيين: «الأول سابقة تغيير نظام سياسي عربي بالقوة العسكرية من دون ردع إقليمي أو دولي، والثاني إيقاظ الحقن المذهبي الذي كانت السطوة العراقية تفرضه» ما سمح بنمو الحالة المذهبية وصولا الى «جريمة اغتيال رئيس وزراء لبنان رفيق الحريري»، والتي وضعت حينها في السياق ذاته.
لذا كانت القناعة السائدة، منذ الأشهر الأولى، أن ما يجري في شقه الخارجي هو احد اثنين: «إما مشروع استنزاف للدولة يأتي بعده ما يأتي من مشاريع»، أو «مشروع إسقاط صريح للنظام لتنصيب نظام آخر، كان الاعتقاد السائد أنه من قيادات الإخوان المسلمين، المدعومين من قطر وتركيا، وبقبول أميركي، وبشكل لا يخلو من إشارات طائفية هو الآخر».
وبالرغم من أن القيادة السورية قدمت، نهاية العام 2011، «إصلاحات سياسية» كان الغرض منها سحب حجة الرغبة بالإصلاح لدى «المعارضة»، إلا أن الحل الحقيقي المستند إلى إستراتيجية بعيدة المدى كان متابعة الخيار الأمني العسكري، مع ترك موجة الجنون التي تعصف بالإقليم تأخذ مداها، في ظل رغبة تركيا في ركوبها، وتسليحها ومدها لوجستياً بالعناصر البشرية، بقبول غربي ومساندة خليجية، حتى صار الخطر أكبر من أية إمكانية لمواجهته على مستوى فردي، أو حتى على مستوى تحالف جوي دولي.
وبالرغم من أن كثيرين يقولون أن احتواء الأزمة في سوريا كان ممكناً قبل أن تتحول إلى صراع دموي، ومن ثم إلى حرب إقليمية بالوكالة، وذلك عبر اتخاذ خطوات تصالحية في مدينة درعا، التي بدأ بها الحراك الشعبي، وإجراء إصلاحات سياسية حقيقية تصيب جوهر النظام السياسي لا شكله، إلا أن المواجهة التي استعدت لها دول عدّة، مثل قطر وتركيا، منذ الأشهر الأولى، ودعواتها الملحة إلى تغيير سياسي يعيد جماعة «الإخوان» إلى صلب السلطة السياسية من دون أدنى مجهود سياسي من قبلهم، وصولا إلى قفزة سريعة لمطلب رحيل النظام متمثلا برأسه، يعزز موقف الرأي الآخر، الذي يعتبر أنه لم يكن من مفر من المواجهة.
وهذا كان من بين الأسباب التي وضعت فيها الدولة بنداً ثابتاً في إستراتيجيتها الطويلة الأمد، تمثل في قرار الحفاظ على الدولة، بمؤسساتها، وسير عملها، ومشاريعها المستقبلية قدر الإمكان، فظلت مؤسسات الكهرباء تعمل بطاقتها الممكنة، واستمر تدفق الرواتب الى آلات الصرف الآلي، ولم يتوقف روتين ختم الأوراق لتسيير المعاملات المختلفة، كما لم يتوقف عناصر شرطة المرور عن تسطير مخالفات السير، حتى في أوقات سقوط الصواريخ والقذائف على أحياء دمشق، علماً بأن كلفة هذه «الاستمرارية الخدمية للدولة» تفوق خمسة مليارات دولار سنوياً، وفق ما قال مسؤولون سوريون لـ «السفير».
وظل العمل، ولا يزال، على ترسيخ القناعة المحلية كما الدولية، على أن الدولة باقية لا محالة، وصولاً إلى استنتاج الأعداء قبل الحلفاء أخيراً، بأن بقاء الدولة السورية، ولو بصورتها التي لا يحبذون، أبقى على نوع الاستقرار النسبي، كان يمكن دونه أن تدمر كل خاصرة شرق المتوسط أمام خطر التطرف.
ومع مرور أربع سنوات، تبقى كل الفرضيات محيرة فيما اذا كان ممكناً تجاوز ما جرى أم لا، ولا سيما أن قراءة الواقع الإقليمي وتغيراته السريعة والجذرية، لا توحي بأن فترة ربيع العام 2011 كانت تقبل بمصالحات، سواء على مستوى داخلي تعززه حالة الجموح الشعبي التي ينقلها الإعلام (وإن كانت مبالغا بها) مقابل حالة التصلب المطلوبة من قبل النظام من جهة، وإقليمي ودولي من جهة أخرى ترى إمكانية رسم خريطة نفوذ جديدة في الشرق الأوسط المضطرب، مقابل صمود للدولة الخصم.
إلا أن ما تتفق عليه، كل الأطراف المعنية بحرب سوريا الدموية، هي أن احداً لم يتخيل أن تصل الأمور إلى ما وصلت إليه، من مآس ودمار معنوي ومادي.
كما تتفق هذه الأطراف، على أن حساباتها لتوقيت الصراع الزمني ومداه، لم تكن لتمتد لسنوات أربع مستمرة.
وتتمثل الإستراتيجية القائمة حالياً في المشاركة الإيجابية بمناقشة الأفكار السياسية المطروحة من قبل الأصدقاء، أو بسبب ضغطهم، والسعي لتحقيق المزيد من المصالحات الوطنية على مساحات أوسع، من دون التنازل عن المسار العسكري، والذي صار مؤخرا يحظى بمشاركة عسكرية إقليمية صريحة ومعلنة رسمياً، وذلك بانتظار أن يعي العالم ما جرى تجاهله منذ نقلت وكالة «فرانس برس» صورة أول مقاتل لتنظيم «القاعدة» في قرية زارا الحمصية في ربيع العام 2012… أي أن ثمة خطراً عالمياً لا يمكن مواجهته من دون التنسيق مع دمشق.
مؤتمرات حوارية
÷ حزيران 2011: المؤتمر التشاوري
عقد المؤتمر برعاية رئيس الجمهورية، وأداره نائب الرئيس السابق فاروق الشرع، وتميز بمحادثات ومداخلات لا سابق لها بين مسؤولين بعثيين وشخصيات معارضة، وبحضور متنوع لممثلين عن شرائح المجتمع. وعقد بهدف التمهيد لمؤتمر وطني جامع.
وانتهى المؤتمر بإصدار بيان استغرقت عملية صياغته يوماً كاملاً، واتفق فيه على وقف العنف والتشاور بين الشخصيات المشاركة، بهدف عقد مؤتمر حوار وطني يتم فيه الاتفاق على أسس التغيير السياسي في سوريا. لكن المؤتمر لم يتقدم خطوة منذ تاريخه.
÷ تشرين الأول 2012: مؤتمر الحوار الوطني في طهران
عقد مؤتمر الحوار الوطني في طهران، بموافقة من الحكومة السورية، وذلك كـ «مساهمة» في التمهيد لحل سياسي، لكن من دون مشاركة شخصيات معارضة خارجية. واختتم بالاتفاق على تشكيل لجنة متابعة، قال مساعد وزير الخارجية الإيرانية للشؤون العربية والأفريقية أمير عبد اللهيان وقتها إن هدفها الإعداد لاجتماع مقبل في دمشق.
وعقد المؤتمر، تحت شعار «لا للعنف، نعم للديموقراطية»، بمشاركة حوالي 170 شخصية سياسية سورية، بينها نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية قدري جميل ووزير المصالحة الوطنية في سوريا علي حيدر، بحضور وزير الخارجية الإيراني السابق علي أكبر صالحي.
÷ شباط ـ آذار 2013: مؤتمر الحوار الوطني الداخلي
جرى برعاية من «حزب البعث»، وشكل في واقع الحال حواراً بين كوادره وفعاليات اقتصادية واجتماعية لا تنتمي في واقع الأمر الى المعارضة المعروفة أو المعلن عنها. واعتبر المؤتمر بالنسبة لقيادات سورية، كما للإعلام المحلي في حينه، مكملاً للمؤتمر الوطني الذي تأخر عقده، بالرغم من وعود متكررة بعقده، من دون أن يثمر جدوى حقيقية.
÷ حزيران 2012: مؤتمر «جنيف 1»
انبثق مؤتمر «جنيف 1»، الذي عقد في 30 حزيران العام 2012، عن اتفاق الجانبين الأميركي والروسي على وثيقة سميت «جنيف 1» الشهيرة، التي تنص على فترة انتقالية تمهد لقيام نظام سياسي جديد، استناداً إلى حوار أو مفاوضات تقوم بين المعارضة والنظام.
÷ كانون الثاني 2014: مؤتمر «جنيف 2»
جلسة الحوار المفترض بين النظام والمعارضة، والتي تمثلت بقوى «الائتلاف» المعارض، عقدت لمدة يومين، ولم تؤدِّ إلى نتيجة تذكر، بسبب اختلاف الطرفين على أجندة المؤتمر وأولوياته.
÷ كانون الثاني 2015: منتدى «موسكو 1»
عقده الروس، بتشجيع أميركي وأممي، بين وفد حكومي رفيع المستوى وممثلين عن المعارضة الداخلية والخارجية، لكن من دون تمثيل حقيقي لـ «الائتلاف». ويفترض أن يعقد منتدى «موسكو 2» في نيسان المقبل إن لم تطرأ تغييرات.

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.