إنتخابات الرئاسة اللبنانية.. التدخلات الخارجية والفراغ حاكم

موقع الخنادق:

وسط ترجيح المحلّلين لسيناريو الفراغ الرئاسي في لبنان، وفي ظل الانقسام السياسيّ وفشل القوى السياسيّة في تشكيل الحكومة، يظهر التدخّل الخارجي في الملف الرئاسي في الاتصالات التي تجريها بعض الدول الخارجيّة كالسعودية وفرنسا والولايات المتحدة مع قوى سياسية محليّة.

 

إلى ذلك، تطرح التعقيدات السياسيّة والدستوريّة في ملف الرئاسة مجموعة تساؤلاتٍ بشأن مصير البلد، وكيفية إدارة البلاد في حال الشغور الرئاسي، والسيناريوهات المحتملة في مثل هذه الظروف. خاصّة أن الرئيس المكلّف نجيب ميقاتي لم ينجح بعد بتشكيل حكومةٍ جديدة، وبحسب الدستور، لا يمكن أن تتشكل الحكومة من دون توقيع رئيس الجمهورية، الأمر الذي يبقي البلاد بيد حكومة تصريف الأعمال محدودة الصلاحيات.

 

داخليًا، تبرز العقدة الرئيسة في أن الانتخابات النيابية الأخيرة لم تنتج أكثرية نيابية متجانسة، بل مجموعة من الفرقاء من الصعب أن يجتمعوا بأكثرية مطلقة لانتخاب الرئيس، وحتى لو اتفق الثنائي الشيعي والتيار الحر وحلفاؤهم على مرشح واحد، يمكن للباقين أن يعمدوا إلى تعطيل النصاب.

 

التدخّلات الخارجيّة في الانتخابات الرئاسيّة

 

التدخّلات الخارجيّة في انتخابات رئيس الجمهوريّة قديمة منذ تأسيس لبنان. في فترات معينة كانت تخضع لتوافقٌ مصريٌ، وفي أخرى لتوافقٌ سعوديٌ، وسوري أميركيٌ، أو سعودي أميركي، وأيضًا عندما احتلّ الكيان الاسرائيلي لبنان، عيّن بشير الجميّل رئيسًا للجمهورية. ثمّة استثناء واحد حصل لدى انتخاب الرئيس ميشال عون، الذي جاء في لحظةٍ دوليّةٍ سمحت لموازين القوى في البلد أن تعيّنه رئيسًا، والسبب أنّ هذه القوى استطاعت تعطيل الانتخابات، وأجبرت القوى الخارجية على الإذعان والموافقة على عون.

 

أما اليوم، فتتكثف التحركات الديبلوماسية والتصريحات الفرنسية لإنجاز هذا الاستحقاق. كانت لافتة زيارة السفير السعودي وليد البخاري النادرة للرئيس ميشال عون، الذي أكّد على “حرص السعودية على وحدة لبنان وشعبه وعمقه العربي، انطلاقاً من المبادئ الوطنية الميثاقية التي وردت في اتفاق الطائف، الذي شكل قاعدة أساسية حمت لبنان وأمنت الاستقرار فيه”. وشدد على “أهمية إنجاز الاستحقاقات الدستورية في مواعيدها”.

 

وكانت منظمة هيومن ديالوغ السويسرية، وهي تعنى بحلّ النزاعات، قد وجهت دعوات لقوى وشخصيات سياسية وناشطة لحضور عشاء من تنظيمها في مقرّ السفيرة السويسرية، وقد شملت قوى السلطة والمعارضة والتغييريين، فأوعزت السعودية إلى أطراف حليفة لها، في مقدمتها القوات اللبنانية وبعض النواب التغييريين، أن يرفضوا المشاركة في الحفل، وظهر التدخل السعودي بوضوع من خلال تغريدة السفير السعودي التي تضمنت هجومًا على مبادرة الحوار وكأنه مؤتمر تأسيسي بديل عن اتفاق الطائف، وهو ما نفته السفارة السويسرية في بيان إعلان تأجيل العشاء، بأن هذا النشاط هو “للتحضير لمناقشات تشاورية وليس مؤتمر حوار”.

 

هذه التحركات السعودية ليست معزولة عن إطار تنسيق الجهود الخارجية في هذا الاستحقاق، وزيرة أوروبا والشؤون الخارجية الفرنسية كاترين كولونا التقت عون وبري وميقاتي ونظيرها اللبناني عبدالله بوحبيب، فشددت بدورها على “ضرورة إيفاء القادة اللبنانيين بمسؤولياتهم” لجهة انتخاب رئيس الجمهورية المقبل في الموعد الدستوري، وتشكيل حكومة جديدة. واعتبرت أنه “مكلفٌ وخَطِر أن تفرض على اللبنانيين أزمة سياسية لها توابع وعواقب لأزمة سياسية اقتصادية أخرى”. ومن المعروف أن لفرنسا أربع مرشحين للرئاسة في لبنان هم: زياد بارود، سليم إده، جهاد أزعور وسمير عساف.

 

الفراغ الرئاسي في لبنان

 

العديد من الثغرات القانونية تبرز في النقاش الدستوري الحالي في البلد حول حكومة تصريف الأعمال، هل يحق لها أن تتولى صلاحيات رئيس الجمهورية أم لا؟ وهل تجيّر كل صلاحيّات الرئيس إلى مجلس الوزراء مجتمعًا وإلى كل وزير؟

 

كان لبنان قد شهد الشغور الرئاسي عدة مرات، الأولى من 18 إلى 22 أيلول 1952 بعد عزل الرئيس بشارة الخوري، إذ تشكّلت حكومة عسكرية برئاسة فؤاد شهاب لأيام قليلة تولّت صلاحيات الرئيس حتى انتخاب كميل شمعون رئيسًا. أما الثانية فامتدت من 23 أيلول 1982 إلى 23 أيلول 1988: مع انتهاء ولاية الرئيس أمين الجميل وتعذّر انتخاب خلفٍ له، شهد لبنان انقسامًا سياسيًا أدى الى قيام حكومتين الأولى برئاسة العماد ميشال عون والثانية برئاسة الدكتور سليم الحص. أما الثالثة فكانت بين 23 تشرين الثاني 2007 الى 25 ايار 2008: مع انتهاء ولاية الرئيس اميل لحود وتعذّر انتخاب خلفٍ له، تولّت حينها حكومة الرئيس فؤاد السنيورة صلاحيات رئس الجمهورية حتى انتخاب العماد ميشال سليمان. ثم كانت الرابعة في 24 أيار 2014 عندما انتهت ولاية الرئيس ميشال سليمان، الذي غادر قصر بعبدا فتولت حكومة تمام سلام الصلاحيات.

 

الفراغ المحتمل

 

يبدو أن لبنان ذاهب باتجاه فراغ رئاسي جديد قد يستمرّ لعدة أشهر في ظل التطورات الإقليمية والدولية بما في ذلك الاتفاق النووي، والموقف السعودي، والعلاقات السعودية السورية، والعلاقات السعودية الإيرانية، والعلاقات الغربية الإيرانية، والتي تأتي مجتمعة في لحظة تقاطعات دولية. إلى ذلك يجرى الحديث حول المصلحة الغربية في استقرار في لبنان. وعليه، يجري انتخاب رئيس للجمهورية حفظًا للاستقرار وأمن الطاقة في ظل الحرب الروسية الأوكرانية، خاصّة بعد اتفاق ترسيم الحدود، وبدء عملية تصدير الغاز.

 

أبرز المرشحين المتنافسين

 

على الرغم من سعي الأطراف المتنازعة لطرح أسماء مرشحين، ودور البطرك الراعي اللافت في طرح الترشيحات، إلا أن اسمين اثنين فقط يحضران بقوة، هما المرشح سليمان فرنجية، والمرشح الأميركي قائد الجيش جوزيف عون الذي لن يقبل به حزب الله من دون ضمانات.

 

وفي سياق الطروحات، يرى نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم أن ثمة أسماء تطرح ليتمّ حرقها “من أجل شخص في الخفاء لوقت الحشرة، فتكون المناورة بشخص لا يريدونه”. إلى ذلك ثمة مبادرات داخلية وخارجية لمعرفة موقف حزب الله، وما هي مواصفات المرشح لديه، من المتوقع أن يعلن الحزب عنها قريبًا.

 

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.