اشتباكُ الوعي المجتمعي وحربُ الغذاء العالمي

صحيفة المسيرة اليمنية-

 هلال مطير الجشاري:

الأزمة الحقيقية في أي بلد تبدأ بسَببِ عدم الفهم وعدم الوعي وَعدم المسؤولية، وأخطر الأزمات التي تلوح حَـاليًّا بالأفق هي الأزمة الاقتصادية، وهنا يجب علينا جميعاً التوقف عن ذلك والتفكير بتفاؤل وإعادة النظر في كُـلّ شيء بمعنى النظر للمستقبل بمسؤولية ووعي وتركيز وتوجّـه الجميع لما ينفع أمتنا وهذا مسؤولية دينية ووطنية يعرفها الجميع وهو أَيْـضاً حاضر في كُـلّ زمان ومكان لكنه اليوم يبدو أكثر إلحاحاً وراهنية في ظل الدلائل والوقائع والمؤشرات التي تشير إلى سنوات عجاف قادمة على خلفية تطورات هزت العالم كله سياسيًّا وعسكريًّا وكان انعكاسها الاقتصادي من النوع القاتل الذي طال دولاً في العالم الأول لم تكن شعوبها تعرف يوماً مصطلحات وإجراءات مثل تخفيض حصص الغذاء أَو تقنين حوامل الطاقة وغيرها، في ظل عجز حكوماتها اللافت عن مواجهة الآثار الفادحة لهذه التطورات، بل إن بعض هذه الدول حاولت بعدة طرق ومنها من أتت بفبركات فكان مصيرها الفشل حتى لو كانت وقائعها حقيقة، وبكلام أكثر مباشرة يبدو أن كُـلّ سياسة غير محمولة على اقتصاد متين هي مُجَـرّد توغل في المجهول مهما كانت أسبابها ودوافعها الأُخرى سامية وموضوعية ولدينا درس العملاق السوفياتي الذي انهار اقتصاديًّا قبل أي شيء آخر وذلك عين ما تحاول أمريكا استعادته في حربها مع موسكو وبكين ويحاول هؤلاء أَيْـضاً رده إلى ملعبها، وما يعنينا أكثر هو ما تحاوله أمريكا ودول العدوان في اليمن ودول المنطقة عبر احتلالها وممارسة بلطجة سافرة على ثرواتها ومقدراتها لإركاعها تجويعاً بعد أن فشلت خطة إركاعها إرهاباً وعسكريًّا، هذا وغيره مما يدور حولنا من تغيرات سياسية واقتصادية جعلت من كوكب الأرض ساحة صراع ضخمة وصدام القوى الكبرى ولن يكون ذلك مرتبط بدولة أَو مكان، بل في الكون كله أرضاً وبحراً وسماءً ومجرات و… إلخ!

وما يجري حَـاليًّا إلا البدايات لمرحلة جديدة من الصراع الكوني بداية بما تسمى الدول الاقتصادية العظمى (الأفيال) وهناك مثل أَو حكمة تقول الأفيال عندما تتصارع يموت العشب؟! الدول الضعيفة الفقيرة المعتمدة على غذائها من الخارج هي هذا العشب الذي سيداس ويموت في هذه المعارك (وصلت الفكرة)!، المهم الذي سوف يتعدى هذه المرحلة ويتجاوز كُـلّ هذه التغيرات فقط هم البلدان المرتبطة ارتباطاً قوياً بالله الواثقة به البلدان الواعية الفاهمة المتعاونة المنتجة محليًا المعتمدة على نفسها ومواردها المتاحة، والقيادة باليمن قد استشعرت ذلك مبكرًا ونبهت وحذرت منه وقدمت مقابل ذلك تضحيات جسيمة حتى تكللت وخرجت للضوء وبات الجميع يلمسها في جميع المجالات وبالنسبة للزراعة فهناك توجّـه عام ومعالجات قائمة حَـاليًّا ساعية للنهوض بالجانب الزراعي محمودة وفي الطريق الصحيح، ولكنها ما زالت محدودة وبحاجة إلى أن تتظافر كُـلّ الجهود بما فيها الحكومية والمجتمع والقطاع الخاص وسرعة التحَرّك المسؤول الواعي المنظم في كُـلّ المجالات ورفع وتيرة وحركة الاستثمارات المنتجة في الداخل بكل صورها وقطاعاتها والعمل السريع على توجيه كُـلّ الطاقات والتركيز على القطاع الزراعي الذي يشكل الركيزة الأَسَاس للأمن القومي فالفرص الاستثمارية هذه الأيّام في الزراعة وَالتصنيع وهي نفسها أَسَاسيات الحياة وتمثل التحدي الحقيقي للجميع، كما أثبتت التجربة ليس لدينا فقط بل في كُـلّ دول العالم أَيْـضاً، فمن ملك قوته ملك قراره، والمثل اليمني يقول (الحرب حرب الموائد) أي حرب الغذاء حرب لقمة العيش الحرب التي تستهدف كُـلّ البشر لا يستثنى منها أحد وحتى دول العالم الغنية المنتجة للنفط لن تسلم من أزمة الغذاء القادمة إذَا لم يوجدوا اقتصاداً بديل غير اقتصاد النفط من عائدات النفط للمستقبل ويحولوا الرمل إلى تربة صالحة للزراعة ويستخرجوا آبار مياه حلوة صالحة للشرب والري ويقيموا المزارع بأنواعها والمصانع التي تعتمد على إنتاج هذه المزارع؛ لأَنَّ أغلب أراضي هذه البلدان صغيرة وصحراوية، بعكس بلدنا اليمن التي حباها الله بأرض طيبة ومناخ مناسب ومتغير من منطقة لأُخرى مما يساعد على استمرار الزراعة والإنتاج لجميع المحاصيل الزراعية على مدار السنة.

فيجب علينا جميعاً مجتمعاً وحكومةً أن نضع نصب أعيننا المجاعة القادمة وتفعيل التوجّـه العام للقيادة والاهتمام بالزراعة والبحث العلمي وانتخاب وإكثار البذور ومواكبة العالم المنتج وتفعيل الإرشاد الزراعي واستصلاح الأراضي وزراعة القمح والشعير والذرة والبقوليات والقطن والبن وكل المحاصيل الاقتصادية ومحاصيل الفاكهة والاهتمام بتربية الأبقار والمواشي والدواجن كمزارع نموذجية وإقامة المصانع التي تعمل على إنتاج هذه المزارع وتكثيف نشر الوعي المجتمعي بكل نواحي الحياة اليومية وتشجيع المبادرات المجتمعية والمشاريع الصغيرة والمتوسطة إلى جانب المشاريع الكبيرة الزراعية والتنموية وخصوصاً منها الزراعية والاهتمام بالريف بشكلٍ خاص وتشجيع تربية الأبقار والدواجن والمواشي وإقامة المزارع بتسهيل القروض للمشاريع الزراعية المنتجة، وتحسين نسب الاكتفاء الذاتي بصورةٍ تدريجية وُصُـولاً إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي من الحبوب والمحاصيل الأُخرى بشكلٍ عام والقمح بشكلٍ خاص، تعزيز وتطوير الإنتاج الزراعي وتخفيض تكاليف الإنتاج وحماية المنتج المحلي، دعم وتشجيع المزارعين في مناطق الزراعات المطرية على زراعة المدرجات والأراضي الزراعية في تلك المناطق والتوسع والاهتمام في زراعة كُـلّ القيعان والأودية الزراعية وإدخَال التقنيات الزراعية الحديثة، والحد من زراعة القات، تحسين التسويق وتطوير السعة التخزينية للمحاصيل وعمل مخزون استراتيجي من الحبوب والمحاصيل الأُخرى ذات الأهميّة الغذائية بشكلٍ عام والقمح بشكلٍ خاص، وتحفيز القطاع الخاص على الاستثمار في القطاع الزراعي من خلال مشاريع الزراعة التعاقدية التي سوف تسهم في تخفيض فاتورة الاستيراد من جانب والحد من العجز الغذائي من الجانب الآخر؛ من أجل الحد من الفجوة الغذائية للوصول في المحصلة النهائية إلى تحقيق السيادة على غذائنا وبالتالي تحرّر القرار الوطني من الوصاية الخارجية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.