افتتاحية جنيف 2: المدلول الكبير لمناورة المعلّم

geneva2-conference-moallem

موقع إنباء الإخباري ـ
دمشق ـ سمر عبود:
كما أسلفت في مقالي السابق، فثقتي لم تتزعزع بوطني وقدرته على النهوض من أزمة أنهكت قواه.
البارحه ابتدأ مؤتمر جنيف، وهناك أثناء دوامي وبين أوراقي تابعت أحداث افتتاحيه المؤتمر، وحين أتى موعد كلمة الجمهورية العربية السورية، يلقيها المعلم، تنفست الصعداء، فعرفت أن ذلك الرجل لن يخذلنا كما لم يفعل يوماً.
افتتح المعلم وزير الخارجية الحديث مفصلاً كل ما حدث في بلادي، معددا فصولاً من موسم الموت الذي حل على موطني، تدمير ونهب وقتل أضفى لوناً أسود، حاصداً آلافاً من شبابنا الطامح بالغد، المقبل على الحياة، مشرداً آلافاً آخرين، مطوقاً عنق شعبنا بالعقوبات، مانعا عنهم الحق في العيش الكريم، وفي التزود بالحاجات الأساسية..

تابعت كلام المعلم بفخر، لأنني شعرت أنني أقف أمام هالة من السياسة، أتعلم منها كل يوم القليل من فنون المفاوضات، فما حصل هناك، حتى المداخلات، هو رسالة للعالم أجمع من سوريا أننا لا نزال هنا، ولا نزال نقرر، ولا أحد يقرر عنا، مؤمنين بنصرنا.
المعلم تابع مخاطبا وزير خارجيه امريكا كيري قائلا له بشكل مباشر

“لا أحد يحق له إعطاء الشرعية أو سحبها إلا الشعب السوري، لا أحد سيد كيري”

لا أحد، لا أنت ولا دولتك ولا تهديداتكم ولا حربكم الاعلامية، سوريا بلد ستتذكرونه كل أيامكم، وما حييتم. ستعلمون أولادكم ما معنى الإصرار على الحياة والكرامة والكبرياء والسيادة، من درسكم الذي تعلمتموه هنا، على أرض الياسمين .

تلك هي كلمات قليلة ذات مدلول كبير تفيد معنى سيادة الوطن، ونهج الكرامة، وعدم الخنوع لأي كان،  إلا ما يناسب آراءنا ونهجنا. فنعم سيد كيري، أنا أيضاً أقولها، وغيري الكثيرون. لا أحد، بما فيهم أنت ودولتك التي موّلت ودعمت الإرهابيين، وأوعزت لصغار الدول أن تمولهم أيضا مثل قطر والسعودية، وجلبت الدمار والقتل إلى بلادي، لن تكون هي من تقرر، بل نحن من نقرر.

مراوغة المعلم للأمين العام بان كي مون حول الوقت مقصودة، أكاد أجزم، فتلك المراوغة والحديث الذي كان أمام عدسات الكاميرات ونقل ببث حي ومباشر إلى العالم أجمع لأهميته لها مدلول كبير، فهي حرب باردة بين أمريكا وروسيا تقوم على المصالح شئنا أم أبينا وهي نتيجة خيارات سوريا التي خالفت إرادة امريكا.

رنين الجرس الذي أعلن انتهاء الوقت المخصص لم يثنِ المعلم عن إكمال كلمته بل تابع حتى تجاوزها بكثير، مما اضطر الامين العام إلى المداخلة طالباً منه أن يختصر الكلمة خلال دقيقتين فرد المعلم:

“أنت سافرت 20 دقيقة لتأتي إلى هنا، أما أنا فسافرت 12 ساعة وجئت لأوصل الرواية السورية لحقيقة ما حصل، فهذا من حقي”

اعترض الأمين العام وبرر اعتراضه بانه سيكون مضطرا لمنح البقية نفس الوقت فاجابه المعلم:

“نحن هنا من أجل سوريا، أنت تعيش في نيويورك أما أنا في سوريا وحقي أن أتكلم”

وتابع كلامه غير آبه، متحديا الكل، مثبتاً أن سوريا هي من تقرر حتى في اشكالية مدة الكلمة، ومن ثم توالت التدخلات حتى قال له بان: أنت وعدتني فاوفِ بوعدك، فرد عليه المعلم ثانية مبتسما: “سوريا تفي بوعودها دائماً”.

حتى وإن كانت كلمات على هامش الخطاب، إلا أن مدلولها كبير. المعلم جاء مفوضاً من قبل الشعب السوري لينقل حقيقة ما جرى، وهذا واجبه ولن يتنازل عنه.

شعرت بفخر ما بعده فخر بذلك الرجل الذي نقل صورة الواقع، متحدياً الجميع، مخاطباً الدول المموّلة للإرهاب بعينها، والتي تجلس في المؤتمر وربما تترأسه، بالأخص حين قال: سيد كيري، موجهاً خطابه له مباشره بلا ريب ولا مواربة، مطالباً إياهم بكف يدهم عن بلاده في خطوات بناء الثقة، حتى يكون ممكناً البدء في مرحلة الحوار، فلا حوار وشلال الدماء ما زال مستمراً في بلادي، موضحاً أن أي قرار يخلص إليه المؤتمر رهين الاستفتاء، ومن يقرر في نهاية المطاف هو الشعب السوري.

أنهى المعلم خطابه فانفرجت الأسارير، وعمّ فرح قلبي وقلوب كثيرة، فبعد الظلمة نور وبعد الليل نهار.

وحين حان موعد خطاب الجربا، رئيس الائتلاف، ابتدأ بالكذب حين قال: “في تاريخ 28 ايار 2011 كانت هاجر في طريقها إلى المدرسة” محاولاً مخاطبة المشاعر الإنسانية للمشاهد. وهنا أود أن أتوجه للمشاهد والقارئ معاً: عزيزي، لا تكن مجرد قارئ، بل كن مفكراً، أبحِر في الخبر وتقصَ جوانبه حتى تصل إلى الحقيقة، فيا جربا، هذا التاريخ يوم سبت، الذي هو عطلة من الدوام الدراسي، فأي مدرسة وأي طريق؟ ألا يعقل أن تكون هاجر ضحيتك كما غيرها؟
لقد بدأ بتغيير الواقع والكذب والتلفيق وتصوير الواقع كما يحلو له، مزيفاً الحقائق، مستمراً في نهج الكذب الذي ساروا عليه حتى اليوم، وسبقه كيري في كلمته وفي كذبه.

من تخدعون؟ قولوا لي.
حتى في ما يتعلق برواية الكيماوي، أمريكا ـ وبحسب تقارير وضعت مؤخراً ـ قالت إن اتهامكم للدوله كاذب وعارٍ عن الصحة، كما كل قصصكم الواهية والخيالية، فأنتم من تدخلون المدن والقرى، تروّعون من بها وتأخذونهم دروعاً بشرية تحمون بهم أنفسكم، فلا تلوموا جيشاً يدافع عن سيادته. لا تنسَ يا جربا أنه بحسب القانون أولئك مصنفون تحت خانة التمرّد المسلح، وللدولة حق بحسب القانون الدولي أن تحاربهم لتحمي الوطن والمواطنين.
لا ننكر موت الأبرياء، ولكن هذا الدم في أعناقكم أيها المراؤون الخونة .
لن يفوتني الموقف الهزلي الذي حصل بعد بدء الجلسة، حين خرج السفير الأمريكي فورد ليأتي بوفد الائتلاف ويجلسهم في أماكنهم. حدث هذا أمام عدسات الكاميرات التي وثّقت ما حصل. ألا يقول هذا ـ عزيزي القارئ ـ أن تلك الزمرة ما هي سوى دمى تحركها أمريكا؟ تغيّرها، تحلّها وتشكلها كل حسب مصلحتها .

لربما اعتقدت أمريكا يوما أن سوريا ستخضع لها وتلبي طلباتها، وتكون دمية كما البقية، ولكن فاتها أن سوريا لها حلفاء أقوياء وازنوا الكفة وساعدوها في الصمود مع جيش نسف كل مخططاتهم، معلناً النصر بصمود، وقف العالم بأجمعه مذهولأ لقوته، فها هو الدبلوماسي الأمريكي يقول في جنيف عقب الجلسة قد أصبحت المعادلة على الأرض لصالح الدولة، ولهذا لن يكون هناك حل عسكري بل حوار، وأردف قائلاً: من قال إننا لا نجري الحوار المباشر، لكننا لا نجاهر به، فهل بعد هذا نصر؟

هذه يا سادة هي سوريا التي أخضعت الكون وما زالت تفرض شروطها وتقول الأشياء جهاراً دون خوف.
وما زلت أعتقد أن نتيجة المؤتمر هي منع الإرهاب ومحاربته، ورفع العقوبات وإنشاء هيئة انتقالية لحين الانتخابات وإعادة إعمار سوريا .

وأخيراً، لا يسعني إلا أن أقول إنني فخورة بكوني أنتمي إلى بلاد الياسمين.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.