الأزمة الصهيونية العميقة

موقع العهد الإخباري-

إيهاب شوقي:

يحلو للكثيرين بقصد أو بغير قصد، ترديد ذات الدعايات الأمريكية بأن الأزمة في داخل الكيان الصهيوني هي أزمة ديمقراطية، وأنها صراع بين معتدلين ومتطرفين، وأن الإدارة الأمريكية التي يحكمها الديمقراطيون من اليسار تنحاز للديمقراطييين الصهاينة ويجدون صعوبة وأزمة في التعامل مع الحكومة اليمينية المتطرفة.

وهذه المقاربة هي مقاربة خاطئة بامتياز. فالمدخل الصحيح لتناول الأزمة داخل الكيان هو المدخل العنصري. وقبل الخوض في الأسباب العميقة للأزمة الصهيونية، يمكن استعراض ملامح الأزمة الظاهرية بين أمريكا والكيان والتي تمثلت في تناقض تصريحات الرئيس بايدن مع سفيره لدى الكيان، حيث قال السفير الأمريكي لدى الكيان “توم نيديس” إنه يتوقع أن يتلقى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو قريبًا دعوة طال انتظارها إلى البيت الأبيض، بينما سارع الرئيس جو بايدن بالقول إنه لا يخطط لدعوة نتنياهو إلى البيت الأبيض، وذلك عندما سأله الصحفيون قبل مغادرته على متن طائرة الرئاسة عما إذا كان سيدعو رئيس حكومة العدو إلى واشنطن، حيث أجاب بايدن: “لا، ليس في المدى القريب”.

ووفقًا لوسائل الإعلام الصهيونية، فإن ردود الفعل الإسرائيلية القاسية لم تطل، حيث قال رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إن “”إسرائيل” دولة مستقلة وتحدد سياستها حسب احتياجاتها” حسب تعبيره. كما كان الوزراء اليمينيون المتطرفون في حكومته مثل وزير الأمن الداخلي إيتمار بن غافير أكثر قسوة، حيث قال إن “”إسرائيل” ليست نجمة مضافة على نجوم علم الولايات المتحدة”.

وقال موقع “ديبكا” الصهيوني إنه كانت هناك بالفعل مؤشرات على هذا الاضطراب في العلاقات الأمريكية – الإسرائيلية عندما قال مصدر سياسي إسرائيلي رفيع للصحفيين في لندن إن “إدارة الرئيس بايدن حاولت مرتين مؤخرًا الإطاحة بنتنياهو من السلطة، وإن الأزمة بين بايدن ونتنياهو يمكن أن تزداد سوءًا وقد تتضرر العلاقة بين جيش الولايات المتحدة والجيش الإسرائيلي بشكل أكبر، وفي مثل هذا التطور، ستنخفض قدرة “إسرائيل” على مهاجمة البرنامج النووي الإيراني بشكل كبير”.

وهنا لا بد من إلقاء الضوء على حقيقة وجوانب الأزمة في الكيان كما يلي:

أولا: مكونات تحالف نتنياهو

يتكون معسكر اليمين المتحالف مع نتنياهو من:

1- “يهود شرقيين” وذلك نكاية في اليسار ولرفع التمييز والاضطهاد التاريخي الذي مارسته ضدهم النخب اليهودية الغربية التي حكمت عبر حزب مباي التاريخي بزعامة مؤسس الكيان دافيد بن غوريون والذي أصبح حزب العمل فيما بعد.
2- “متدينين متزمتين” يلقبون في الكيان بـ”الحريديم”، وينقسمون بشكل عام إلى تيارين مركزيين، أحدهما يجمع اليهود الحريديم من أصول شرقية، وآخر يضم أولئك المنتمين لأصول غربية ويرون في اليمين حليفاً محافظاً وقريباً منهم.
3- يمين استيطاني متطرف ومتشدد قومياً، ويحارب لمنع عودة سيناريو اتفاق أوسلو أو انسحاب آخر من الضفة الغربية.

ثانيا: أسباب الأزمة الأخيرة

ترى قوى اليمين أن المحكمة العليا جزء من اليسار، ولا تشكل تمثيلًا لشرائح المجتمع كلها بشكل عادل، وخلال السنوات الأخيرة، طالب أعضاء أحزاب اليمين بإجراء تعديلات على القضاء وخاصة المحكمة العليا، لكونها تعارض توجهات هذا الاتجاه ومشاريعه.

كما يرى حزب مثل “شاس”، الذي يمثل “اليهود الشرقيين”، أن المحكمة لاحقت زعيمه آرييه درعي، وحرمته أخيرًا من منصب وزاري بسبب “أصوله الشرقية”، فيما تطغى الأصول الغربية على أعضاء المحكمة.

ثالثا: السبب المباشر في تراجع نتنياهو

تضافرت عدة أسباب ليعلن نتنياهو إرجاء التعديلات على مشروعه ولعل أبرزها الانقسام الذي حدث بجيش العدو الصهيوني، ولكن الأسباب العميقة هي وقوف البيروقراطيين والمكونات العميقة للكيان ضد مشروع نتنياهو، وهو ما لا يقوى على مواجهته بسبب سيطرتهم على الاقتصاد.

ولعل الكاتب “أرتيوم كيربيتشينوك” وهو مؤرخ وفيلسوف روسي- إسرائيلي قد أوضح جانبًا كبيرًا من علاقة نتنياهو بهذه المكونات والصراع معها، حيث استشهد بتصريح نتنياهو الشهير والمتكرر بأنه “لا توجد ديمقراطية هنا، كل شيء تحت هيمنة البيروقراطيين والقانونيين”.

وقد خرج الكاتب بخلاصة في أحد تقاريره تقول إن الصراع هو بين نتنياهو وبين النخب القديمة، ومكونات الكيان العميقة، وأن المؤسسات التي يكون فيها تأثير ما يسمى بـ”الدولة العميقة” قويًّا بشكل خاص هي الجيش والصحافة والنظام القانوني، وهي تتعرض لضغوط قوية من نتنياهو بسبب الحقائق الاقتصادية، والسكانية، والاجتماعية الجديدة. وهذه الضغوط تطال أيضًا النخب الأشكنازية القديمة، التي تهاجر تدريجيًّا من “إسرائيل”، أو تفقد مناصبها في السلطة. مضيفًا إن المؤسسات والفئات الاجتماعية التي رشحت بنيامين نتنياهو، أكدت – من خلال انتخابها له من جديد- رغبتها في الانتقام السياسي؛ لذلك فإن المواجهة بين النخبة القديمة وخصومها، وهم أتباع اليهودية الأرثوذكسية، واليهود الشرقيون، وأنصار الليكود، ستظل عاملًا مهمًا في السياسة الإسرائيلية في السنوات المقبلة.

والخلاصة، أننا نشهد صراعًا معقدًا متعدد الأبعاد داخل الكيان الصهيوني، بين النخب القديمة العنصرية والتي تشكل ما يسمى بـ”دولة عميقة” (كيان) تحمل علاقات راسخة مع أمريكا والتي فقدت مناصبها ومكتسباتها بسبب صعود اليمين المتحالف مع اليهود الشرقيين ومن يحملون ثارات مع النخب القديمة ومع المستوطنين الجدد والتي بلورت تحالفها في حكومة “المجانين”.

وهذا الصراع يدخل في جميع أوصال لكيان سواء في الجيش أو القضاء أو الصحافة والمؤسسات الثقافية، وهو انقسام يعصف بأي دولة راسخة، فما بالنا بكيان استعماري هش يقوم فقط على العسكرة والدعم الأمريكي ليؤدي مهام وظيفية لخدمة الاستعمار.

هذا الكيان أصبح عبئًا على داعميه وأصبحت سبل التعايش بداخله صعبة ومريرة، والمطروح على الفلسطينيين هو التمسك بالثوابت والحفاظ على المقاومة، لأن التمسك بالمقاومة هو الذي يبرز خلافات العدو ويقطع الطريق على لملمة شتاته ويفضح ماتخفيه نخبه وتياراته، ولا ننسى أن اليسار الصهيوني المزعوم هو الذي أسس الكيان عبر المجازر التي ارتكبتها عصاباته والتي كانت نواة جيشه.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.