الحرب على سورية: افعلها لو تجرؤ يا أوباما

american-missile

صحيفة الوطن السورية ـ
فرنسا- فراس عزيز ديب:
قيل وكُتب الكثير عن اقتراب الحرب على سورية. تكاد لا تخلو صحيفة أو برنامج سياسي عبر العالم من هذا الحديث. هناك من يُتعب نفسه كثيراً في تحليل ما يجري، وهناك من حلَّلَ سابقاً وتوصل لما يحصل اليوم أمامنا، وهو ببساطة: النظام العالمي الجديد سيولد من سورية

توالت التصريحات والتهديدات، لكن بشكلٍ عام يكفينا أن ندقق في ثلاثة تصريحاتٍ أساسية قد تختزل لنا المشهد السياسي والعسكري في المنطقة، أو ما سيكون عليه في المستقبل القريب جداً، إذا ما انطلقنا من منظورٍ واضحٍ بأن سورية جزءٌ من منظومة وليست نظاماً.
التصريح الأول: هو ما نُقل عن السيد الرئيس بشار الأسد خلال لقائه وفداً من الأحزاب الوطنية اليمنية إذ قال: «نحن بانتظار أن يطلَّ عدونا الحقيقي برأسه لنواجهه». هذا التصريح أعادنا لما قاله الأسد سابقاً في أحد خطاباته «عندما يكون هناك من يحمل سكيناً ليقتلك فإن معركتك ليست مع السكين بل مع حاملها».
التصريح الثاني: وهو للسيد وليد المعلم الذي أكد خلال مؤتمره الصحفي الأخير أننا تعايشنا مع سقوط قذائف الهاون فلا فرق بين الصواريخ الأميركية وقذائف الهاون. ربما هناك من نظر لهذه الجملة بشئٍ من البساطة، لكن ماعناه السيد وزير الخارجية أعمق بكثيرٍ، وهو ذاته يعيدنا لما قاله السيد الرئيس سابقاً في أحد خطاباته أيضاً: «العدو أصبح في الداخل».
أما التصريح الثالث فهو للرئيس الأميركي باراك أوباما والذي نستطيع ببساطة أن نضعه برسم من ابتلانا اللـه بهم من مثقفين ونخب كانت ولا تزال تسخر منّا عندما نتحدث عن ارتباط أي حدثٍ في المنطقة، بما فيها مطالب الشعوب بالحرية، بأمن الكيان الصهيوني أولاً وأخيراً، عندما وضع النقاط على الحروف بالقول:
إن أي حرب قادمة يجب أن تضمن شرطين، «أمن إسرائيل» وتدفق النفط. فأين هم من كانوا يتهموننا الآن بأننا لا نروج إلا لفكرة المؤامرة وربطها بالكيان الصهيوني من هكذا تصريح؟ إذن هل حقاً أن الولايات المتحدة وأذنابها من أحفاد الاستعمار القديم قرروا فجأة أن يشنوا الحرب على سورية، وعلينا نحن أن نصدق أنهم كانوا في السابق مجرد متفرجين، أم إن هناك أموراً طارئة جعلته في موقع المنخرط فعلياً في هذه المعركة؟ وهل أن سورية جاهزة لهذه المعركة أم إن السيناريو العراقي الذي كان أساسه قصف بغداد في أواخر التسعينيات وما تلاه من غزو للعراق هو الذي بدأ ينفَّذ فعلياً، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار تبدل أمرين الأول أن حجم الأكاذيب التي تسوقها الولايات المتحدة حول ذريعة الكيماوي لم تقنع أحداً، والأمر الثاني هو إعلان هذه الإدارة رسمياً أن هذه الحرب ستتم بمباركة من الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي بعد التشاور مع القادة «الإسرائيليين»!

ماذا تعني الحرب؟
يبدو من السطحية بمكان اعتبار التهديدات بشن الحرب على سورية أمراً جديداً وحديثاً، فهذا الأمر حسب ما رسموا وخططوا كان يجب أن يتم منذ الفيتو الأول والثاني في مجلس الأمن، لكن إطالة أمد الحرب وصمود سورية بثالوثها المقدس، مع تمسك كل من روسيا والصين بالشرعية الدولية جعلا الأمر يتوقف عند أسوار طموحات «آل ثاني» و«آل سعود». أدركوا بعد ذلك أن الحل هو باستنزاف سورية من جميع النواحي، مع التلويح الدائم بضرورة الحل السلمي من باب رفع العتب، تحديداً أن ما تحدثوا به وبثّوه للمعارضة من شرط تنحي الأسد، كان بمثابة مؤشر قطعي على استحالة انعقاد أي مؤتمر لإيجاد حل سياسي.
بات مستعربو النفط يضعون أنفسهم في مواجهةٍ مع شخص السيد الرئيس. كان الأسد ولا يزال يدفع ثمن صراحته وعدم مجاملته أحد في المواقف المفصلية، لم ينس مستعربو النفط أنهم بنظره أشباه الرجال، ولعلها المجاملة الوحيدة التي أطلقها في حياته، لأنهم لا يستحقون فعل الشبهة أساساً. هم ثلة من مخنثي الفكر والانتماء، لم تسمح لهم بيئتهم الحاقدة وحقدهم الدفين على كل ما هو عروبي منذ زمن عبد الناصر حتى الآن التفكير بالجملة، لكنهم هرعوا ولا يزالون للثأر منه ومنها. حاولت العصابات المسلحة التي تأتمر مباشرةً من أجهزة المخابرات الأميركية و«الإسرائيلية» السيطرة على مراكز القوة التي تُرعب أعداء سورية، إن كان منصات الدفاع الجوي أو ما يسمونها هم «مخازن الأسلحة الكيميائية». من هنا ومع تساقط العصابات المسلحة في مراكز قوتها ومع ما يحكى عن اصطياد عدد من العناصر التي دخلت سورية سراً من حملةِ الجنسيات المعادية وغيرها، الذين يقودون العمليات على الأرض، كان لابد من تدخل الأصيل بعد أن أخفق الوكيل.
قد يبدو الأمر وكأنه حرب إعلامية من أجل ضرب الروح المعنوية للقوات العربية السورية وللمواطن السوري الذي حمل شعار «نشوي الفولاذ ونأكله، لكن لن نركع أبداً»، من مبدأ أن اسم البوارج الأميركية وحده قد يثير الرعب والخوف في نفوس السوريين فيتخلون عن قيادتهم وجيشهم. لكي نعي تماماً ماذا يعني الأمر حرباً نفسية تسبق الحرب على الأرض، علينا فقط أن نبدِّل من طريقة طرحنا للتساؤل بمعنى آخر:
لن نقول إن التهديدات بشن الحرب على سورية قد انتهت أو تراجعت، أو ماذا ستفعل الصواريخ المعادية بمراكز قوتنا، لأن علينا أن نعي أن هناك من أنهى الا ستعدادات لكل الاحتمالات وسيرد أياً كانت النتيجة. لن نقول إن مجلس العموم البريطاني رفض مشاركة بريطانيا بالحرب، مع أن القرار ليس ملزماً لحكومة كاميرون بل علينا أن نرفع القبعة وننحني لكل من أوصل بعد عامين من الحرب على سورية دولة تدعي أنها عريقة في الديمقراطية كبريطانيا لهذه الحالة من التخبط السياسي. لن نسأل ماذا ستستخدم الولايات المتحدة من أسلحة في هذه الحرب بل علينا أن نسأل ماذا أعددنا نحن من بنك أهداف يطال الجميع ودون استثناء، كردٍّ على هذه الحرب. لا تقل لي ماذا يحمل الجندي الأميركي أو الفرنسي من عتاد، بل قل لي ماذا يحمل من قيم وقضية لكي يحارب من أجلهما، عندها سأجيبك أنك إن كنت على حق وتحمل من الحضارة والإنسانية ما تحمله، منذ أن كان البعض يتلهى أجداده بأكل لحوم البشر، عندها فقط عليك أن تعي ماذا تعني الحرب على سورية.
هي ليست يوم القيامة بمفهومه كنهاية للعالم، ولكنها وبمعنى أدق يوم الحساب لكل قطرة دمٍ بريئة سقطت في فييتنام والعراق وأفغانستان وحتى مالي، وصولاً إلى منطقتنا العربية التي أغرقتها «دشاديش» النفط ببحرٍ من الدماء.

حرب المأزومين بداية الانتحار
يقولون إن أوباما قطف كل ورود البيت الأبيض ليجري استفتاء بينه وبين نفسه، هل يشن الحرب على سورية أم يتريث. لا يبدو التريث في مصلحته تماماً كما أن شن الحرب يتعارض مع مصالحه. أشرنا سابقاً في أكثر من مقال عن فكرةِ أن الآخر مأزوم، ونحن لا نقول هذا الكلام من باب رفع المعنويات، لكن هي حقيقة وهذه الحقيقة أثبتها كل من أوباما ووزير خارجيته في مؤتمرهما الصحفي الأخير. ففي الوقت الذي أكد فيه كيري أن الحكومة السورية استخدمت السلاح الكيميائي كان المتحدث باسم البيت الأبيض قد سبقه بعدم وجود أدلة على ذلك. كان واضحاً حرصهما على سوق الأكاذيب لإقناع الرأي العام الأميركي أولاً واسترضاء الكيان الصهيوني ثانياً. فهل من عاقلٍ يشرح لنا ماذا يعني أنه استشار القيادة الصهيونية في مسألة استخدام سورية للسلاح الكيميائي، أو حتى أنه يستشهد بمنظمات ساقطة كالجامعة العربية لا تمثل إلا نفسها ولا تمثل شعوبها للحديث عن غطاء لهذه الحرب؟
الدليل الآخر على تخبط الإدارة الأميركية هو تصريح باراك أوباما الأخير عن أمن «إسرائيل» وضمان تدفق النفط، فهو بمثابةِ مقتل له ولدبلوماسيته، فهو قال إن الحرب يجب أن تضمن أمرين أمن إسرائيل وتدفق النفط. فإذا افترضنا أن القيادة السورية هي من ضربت الكيماوي والضحايا كلهم قتلوا بسلاحها، ولكننا من ناحيةٍ ثانية لا نستطيع محاربتها لأن أمن إسرائيل في خطر، فعن أي دوافع إنسانية تتكلم؟
هل أدرك بعض الذين مازالوا في غياهب الربيع العربي أن كل ما يجري هو فقط من أجل ضمان أمن الكيان الصهيوني. من ناحيةٍ ثانية ألا يعني هذا التصريح أن أي شعب في دول الخليج العربي يقرر أن يثور على طغاته سيكون مصيره الحرق والذبح والسحل، إن كانت ثورته تلك تتعارض مع أمن الكيان الصهيوني أولاً ومع ضمان تدفق النفط ثانياً؟
هم لا يفكرون ماذا سيضربون بقدر ما يفكرون ماذا سيتلقون. لكنهم ببساطة يسعون لسيناريو محدَّد يضمن ولوج العصابات المسلحة نحو العاصمة والمراكز الهامة، مستغلين حالة من الضياع المفترضة قد تصيب القيادة بعد حدوث العدوان، وهذا الأمر بات مكشوفاً من خلال ما يجري الإعداد له شمال الأردن. يعلم أوباما تماماً أنه يملك خيار البدء لكن هيهات منه تحديد قرار انتهاء الحرب ونتائجها، وإن انسحب بعد كل هذا التصعيد فإن الكارثة أعظم لأن هذا الأمر معناه في السياسة أننا بتنا في زمن بات فيه التصريح بالتصريح والصاروخ بالصاروخ فعن أي أحاديةٍ عالميةٍ تتحدثون بعد اليوم. عن أي مصادرةٍ لمقدرات الشعوب ومعاقبتها بحججٍ واهية؟ بالتالي هو بكل الأحوال يدرك أن زمن الهيمنة الأميركية قد ولّى، فلربما يحاول أن يخرج بشيء من الكرامة لدرجة طلب فيها عبر وسطاء أن تكون الضربة محدودة لا تستدعي رداً سورية، لكن ما زاد تخبطه أن الجواب كان واضحاً وصريحاً: لك أن تبدأ، وعلينا أن ننهي ونقطة على السطر.
حرب على سورية تستجديها «المعارضة السورية» فعن أي حل سياسي تتكلمون؟
يبدو التصريح الروسي عن ضرب الحل السياسي في حال شن الحرب على سورية، تجسيداً واضحاً لما تريده إرادة الشعب السوري والمعارضة الوطنية السورية. من خلال ما جرى في الأيام الماضية، كان السؤال الذي يسأله المواطن السوري بغض النظر عن تأييده للقيادة السورية من عدمه:
هل من يستجلب التدخل الخارجي وقصف سورية بالطيران من حملة الجنسية السورية، يريد اقناعنا أن الصواريخ هذه ستميز «انتماء المواطن»؟ هل يمكن أن نتفاوض على المستقبل السياسي لسورية مع إحدى الأدوات من حملة الجنسية السورية والذي قال بغبطة «اتفقنا مع اصدقائنا الفرنسيين والأميركيين والبريطانيين على توجيه ضربةٍ عسكرية لسورية»! عن أي سورية يتحدث؟ هل حقاً هو يتحدث عن سورية الوطن الذي نعيش فيه والذي يريد أن يقصفه هو وحلفاؤه؟ كيف يمكن للعبد أن يمنحنا الحرية، وكيف يمكن للرخيص أساساً أن يفاوضنا على وطنٍ بحجم سورية ثمنه بثمن قطرات الدماء البريئة التي روته!
حقيقة هذا السؤال يجب أن نطرحه بجديةٍ اليوم، على من لا يزال مقتنعاً أن في حروب الوطن هناك شيء اسمه طرف ثالث، باعتبار أن من يحارب مع العصابات المسلحة مهما تعددت مسمياتها من جيش حر إلى جبهة النصرة بات ميؤوساً منه، لكننا نتحدث عن تلك الطبقة التي تريد أن تقنعنا بنرجسيتها أنها ضد القتل وتساوي بين القاتل والمقتول، تساوي أيضاً بين من يدافع عن الوطن كي لا يتكرر سيناريو أبو غريب في سورية وبين من يتسول غزو بلاده وهو جالس في الفنادق الفارهة. من هنا كان السؤال الذي يطرحه المواطن عن أي حل سياسي نتحدث؟ هل يمكن لنا بعد اليوم أن نجلس على طاولة المفاوضات مع أي شخصٍ هلل وفرح لهذه الحرب، بل إن هناك الآن من يتسابق ليعلن أنه هو من أقنع الأميركيين بشن هذه الحرب فهل من الممكن أن يكون هذا الشخص يهدف لبناء وطن؟ كيف للمواطن السوري أن يصدِّق أن من باع وطنه مرة لن يبيعه ألف ألف مرة؟
حال المواطن السوري الآن يقول: أتمنى لو تحدث الحرب فعلاً، حيث أنني أثق بالانتصار على العدو ولكن هل بعد كل ذلك سيأتينا من يقول تعالوا إلى حل سياسي؟ هذه الحرب إن حصلت فيجب أن نوجه صاروخنا الأول باتجاه جنيف 2، وما قد يتبعه، دون أن نتخلى عن المعارضة الوطنية في سورية والتي أعلنت وجاهرت أنها ضد أي عدوان، ومع هذه معارضة ومع المستقلين يمكننا ببساطةٍ إعادة تكوينِ عقدٍ اجتماعي سياسي سوري لا يستثني أحداً إلا الذين قامروا بمصير وطنهم، عندها فقط يكون للانتصار الآتِي لا محالة معانٍ كثيرة، اقتلعت ما كان في الوطن من طفيليات وإن كان الثمن باهظاً، ولكن الأثمان كلها ترخص من أجل سورية الوطن. عندها فقط نعود للتصريحات الثلاثة لنختزل المشهد ونقول:
عدونا أطل برأسه، بعد أن أخفق وكلاؤه بإصابة الهدف عبر صواريخه، فكان لابد من التدخل لأن أمن إسرائيل وما يتبعها من «إسرائيليات النفط» أهم. لذلك لا تنظروا إلى تهديداتهم بالحرب من باب الدولة القوية التي تحاول فرض هيمنتها، بل انظروا إليها من باب ما يمكن تسميته «صحوة الموت». أيها السوريون أنتم الآن تكتبون التاريخ من جديد.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.