الحروب بعد عصر التطرف المناخي ليست كالتي قبلها

موقع الخنادق- 

زينب عقيل:

الواقع أن السبب الرئيسي للحياة على الأرض هي درجات الحرارة المعتدلة نسبة لبقية الكواكب المكتشفة في مجرتنا الشمسية. وأي اضطرابات تؤثر على اعتدال المناخ، ستؤدي إلى تأثر الحياة البحرية، وتأثر البراري، الزراعة، وعلى رأسهم جميعًا تأثر النشاط الاقتصادي. وهؤلاء جميعًا هم السبب الرئيسي للحروب بين البشر منذ الحضارات البدائية في التاريخ. لكن ما يميّز العالم اليوم عن عالم بداية التاريخ، أن الهجرات الجماعية كان يمكن أن تتم بسلمية، حيث تستوطن القبائل والشعوب الرحالة مناطق جديدة قابلة للعيش، وأحيانًا أخرى من خلال الغزو. أما اليوم، وتحت سطوة النظام العالمي الجديد، أصبحت قضايا المهاجرين على رأس البرامج الانتخابية للوصول إلى السلطة، والهجرات الجماعية لن تؤدي إلا إلى اضطرابات اجتماعية وثورات داخل الدول وخارجها.

في كتابه تحت عنوان Global Crisis: War, Climate Change and Catastrophe in the Seventeenth Century، عالج جيفري باركر ظاهرة الحروب والعنف التي حصلت في القرن السابع عشر والتي أدت إلى مقتل ثلث سكان الأرض، قاصدًا تأثير التغير المناخي لتفسير ما حدث من ثورات ومجاعات من أقصى الشرق إلى أقصى غرب الكوكب. في ذلك القرن أدى انخفاض درجات الحرارة الكبير إلى تعطيل الأنشطة الزراعية والاقتصادية، وفقدت الناس أرزاقها بفعل عوامل الطبيعة. وقد قام الكاتب بالربط ما بين التغيرات المناخية المفاجئة والعنف. ويعتبر الكتاب بمثابة إنذار لما يجري في العالم الآن في حال ارتفعت درجة حرارة الأرض.

 

ما يميز ارتفاع درجات الحرارة اليوم عن القرن السابع عشر، هو أن الاحتباس الحراري الذي بدأ تصاعديًا كلما تصاعدت الثورة الصناعية، هو ليس تطرفًا مناخيًا طبيعيًا بل هو من صنع البشر. وتعتبر الولايات المتحدة والصين، أكبر اقتصادين في العالم، هما أكبر ملوثان في العالم. ترفض الصين وهي مصنع العالم، الإذعان للاتفاقيات الدولية التي تقام حول المناخ، بينما ترفض الولايات المتحدة بشقها الجمهوري أن تصدّق أصلًا قضية المناخ وتعتبره كذبة.

عام 2004، وعندما كان بوش الابن على رأس الهيمنة القطبية على العالم، حضر إليه الخبير الاستراتيجي في البنتاغون أندرو مارشال الذي ساعد في تشكيل التفكير العسكري الأمريكي بشأن الاتحاد السوفيتي والصين، وكان له تأثيرًا كبيرًا على التفكير العسكري الأمريكي على مدى عقود. كانت موهبة مارشال هي تأطير السؤال واكتشاف السؤال الحاسم، وكان يختار دائمًا الموضوعات الأقل دراسة والأكثر أهمية من الناحية الاستراتيجية. قدم مارشال للرئيس بوش (الجمهوري) تقريرًا سريًا حول مستقبل كوكب الأرض بسبب التغير المناخي، معتبرًا أن قضية المناخ هي مسألة أمن قومي في المستقبل بالنسبة للأمريكيين. لكن بوش تجاهل التقرير، وقمعه المسؤولين الجمهوريين الأمريكيين، وأبقوه مخفيًا إلى أن حصل The Observer على نسخة منه.

يحذّر التقرير من أن المدن الأوروبية الكبرى ستغرق تحت ارتفاع منسوب مياه البحار مع غرق بريطانيا في مناخ “سيبيريا” بعد حوالي 20 عامًا (أي هذه الفترة التي تعيشها اليوم). وأنه سوف تندلع الصراعات النووية والجفاف الشديد والمجاعة وأعمال الشغب واسعة النطاق في جميع أنحاء العالم. وتتنبأ الوثيقة بأن تغير المناخ المفاجئ يمكن أن يدفع الكوكب إلى حافة الفوضى حيث تطور الدول تهديدًا نوويًا للدفاع عن إمدادات الغذاء والماء والطاقة المتضائلة وتأمينها. “إن التهديد الذي يتعرض له الاستقرار العالمي يفوق إلى حد كبير تهديد الإرهاب، كما يقول الخبراء القلائل المطلعون على محتوياته، وسيكون الاضطراب والصراع من السمات المتوطنة للحياة”، يقول تحليل البنتاغون ويختتم “مرة أخرى، ستحدد الحرب حياة الإنسان”.

أما حول أبرز ما جاء في هذا التقرير، فيمكن تلخيصه بأن حروب المستقبل سوف تخاض حول مسألة البقاء بدلًا من الدين أو الأيديولوجيّة أو الشرف الوطني. وأنه بين عامي 2010 و2020، ستكون أوروبا الأكثر تضررًا من تغير المناخ بمتوسط انخفاض سنوي في درجة الحرارة يبلغ 6 درجات فهرنهايت. وسيصبح المناخ في بريطانيا أكثر برودةً وجفافًا، حيث تبدأ أنماط الطقس كما في سيبيريا.

ويتوقع التقرير أن يصبح الوصول إلى المياه ساحة معركة رئيسية. وتم ذكر كل من النيل والدانوب والأمازون على أنها عالية المخاطر. وستصبح المناطق الغنية مثل الولايات المتحدة وأوروبا “حصونًا افتراضية”، لمنع ملايين المهاجرين من الدخول بعد أن أجبروا على مغادرة الأراضي التي غرقت بسبب ارتفاع مستوى سطح البحر أو لم تعد قادرة على زراعة المحاصيل. كما ستواجه أوروبا صراعات داخلية ضخمة في الوقت الذي تتعامل فيه مع أعداد هائلة من المهاجرين الذين يجذّفون إلى شواطئها. ويبحث المهاجرون من الدول الاسكندنافية عن أجواء أكثر دفئًا في جنوب أوروبا الذي سيكون محاصرًا باللاجئين من البلدان المتضررة بشدة في أفريقيا.

ما تحقق من تنبؤات التقرير هو بدء موجات الجفاف الضخمة على الغرب الأوسط الأمريكي، وبدأت الصراعات على أحواض الأنهر مثل حوض نهر النيل الذي يضم 9 دول متشاطئة، ونهري دجلة والفرات اللذين يضمان 3 دول متشاطئة. بالإضافة إلى 200 نهر ًا ذكرهم التقرير. ربما لم تبدأ الصراعات في أوروبا بسبب سلال الغذاء، إلا أن تقريرًا نشرته الفايننشال تايمز البريطانية، تحدّث كيف يعيد عصر الحرارة الشديدة اليوم إعادة تشكيل الاقتصادات، فنظرًا لأن موجات الحرّ التي حطمت الأرقام القياسية قد أصبحت الوضع الطبيعي الجديد، فإن مجموعة من الصناعات تستعد للتغييرات في الطريقة التي تمارس بها أعمالها.

في الفترة الماضية، كان الحلّ بالنسبة لبعض الدول الأوروبية، وبنسبة معينة للولايات المتحدة، كان الحلّ هو نقل المصانع إلى الدول النامية وخاصة في شرق آسيا، وهو الأمر الذي يمكن أن يؤخر التطرف المناخي لدى دولهم، ولتذهب تلك الدول إلى الجحيم. إلا أنّ المرتفعات والمنخفضات الجوية حول العالم، تتحرك في الغلاف الجوي للأرض ضمن مسارات لا تفرق بين دول الشمال ودول الجنوب، والكأس يشرب منه الجميع في العالم اليوم.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.