الحريري يأكل صنَمَه

saad-hariri

صحيفة الأخبار اللبنانية ـ
حسن عليق:

يكاد يكون مستحيلاً العثور على عاقل اقتنع بأن المقال المنشور في جريدة «المستقبل» أمس، «بقلم الرئيس سعد الحريري»، هو من نتاج الحريري نفسه. ففي النص كلمات وعبارات تفوق قدرة الرئيس السابق للحكومة على القراءة، فكيف الكتابة؟ فلنتخيل مبدع كلمة «هواجز» (بدلاً من هواجس في مقابلته الأخيرة مع الزميل مارسيل غانم) وهو يحاول استيعاب كلمتي «استنباط» و«تهافت» الواردتين في النص المنشور على الصفحة الاولى من جريدته. وهل يعقل لمن حاول ـــ عبثاً ـــ أن يتهجأ البيان الوزاري للحكومة نهاية عام 2009، أن يكتب مقالاً بهذه «الجودة»؟ لم لا؟ ربما يكون قد نهل في غربته من معين ملك آل سعود عبد الله بن عبد العزيز، ونائبه سلمان.

النقاش في الشكل والمضمون ليس هنا، بل إنه يتمحور حول سؤالين: هل يقرأ دولة الرئيس صحيفة المستقبل التي يملكها؟ وهل قرأ المقال الذي نُشِر فيها امس حاملاً توقيعه؟ يبدو أنه لا يفعل هذا، ولم يفعل ذاك. فلو أنه يقرأ «المستقبل» لاكتشف أن النظام السوري سقط صبيحة الثلاثاء الماضي، عندما خرجت علينا الصحيفة بمانشيت تهلل فيه لأن الرئيس السوري بشار الأسد «استسلم لأميركا من دون أي طلقة». ولو أنه ينظر إليها ولو عن بُعد، لاكتشف أن أصدقاءه الأعزاء في واشنطن «عازمون وجاهزون لضرب الأسد، ولن ينتظروا طويلاً»، بحسب ما بشرتنا به، مع كثير من الابتهاج، يوم الأربعاء الماضي، أي قبل يومين من نشر مقال الشيخ المغترب.
ولو أن الرجل قرأ مقاله، لمنع نشره بالتأكيد. فهل يرضى حامل لواء ما يسميه هو وثوار الأرز «الشرعية الدولية»، وقائد كتيبة «المجتمع الدولي» في شرقي المتوسط، هل يرضى بتوجيه انتقادات قاسية إلى هذا «المجتمع»؟ المقال لا شك مكتوب على عجل، ربما لمحاولة حجب الأضواء عن مقال الرئيس فؤاد السنيورة، لكن فات حاشية الحريري أن «فؤاد» حرّيف. خاطَب الرجلَ الأبيض بلغته، وفي عقر داره، وفي واحدة من «أهمّ» مجلاته: «فورين بوليسي»، أما وريث التيار الأكثر ديمقراطية في لبنان والمشرق، فلا يزال مصراً على أداء دور المبتدئ في السياسة والإعلام والعلاقات الدولية. كان بعض انصاره وحلفائه ينتظرونه على شاشة «سي أن أن»، فإذا به يطل من على منبره الإعلامي الشخصي، مستخدما لغة لطالما وصفها كبار مفكري فسطاطه بـ«الخشبية». يا للهول. سيد الليبرالية اللبنانية والعربية ينتقد «المجتمع الدولي»! السنيورة يتحدّث عن «الواجب الأخلاقي» للغرب، فيما الحريري يتهم «الأسياد» بإنكار وجود الشعب السوري. بات متأكداً، وبكل قوة، أن هؤلاء يهتمون بإسرائيل اولاً، وبتركيا ثانياً، وبالاردن ثالثاً، اما لبنان، فلا يُحسب له حساب، ولا تُشن الحروب لأجله. يطلعنا الحريري (اقرأ كاتب مقاله) على هذه الحقائق بحبكة درامية سريعة، قبل أن يصل إلى الخلاصة الصاعقة: «أسياد المجتمع الدولي يقيمون حسابا لكل المصالح وفي كل الاتجاهات، لكنهم مع الاسف لا يقيمون اي حساب للضحايا التي تتساقط كل يوم في أرجاء سوريا».
مات «المجتمع الدولي» امس. نعاه الشيخ سعد. «المجتمع الدولي» الذي ينظّر آل الحريري وحلفاؤهم في الوطن والمهجر للاعتماد عليه حصراً للدفاع عن لبنان وحمايته، ولرسم السياسات الاقتصادية والمالية، ولتحقيق العدالة، سقط من عين زعيم تيار المستقبل. فالاكتشاف العبقري الذي عرضه علينا أمس، هو أن «المجتمع الدولي» لا يكترث إلا لمصالحه.
مسكين الشيخ سعد. بدا في مقاله امس كمن انهارت دنياه، فأكل الصنم الذي يعبده.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.