الروسية والعربية.. نحن والروسيا

marwan-soudah-arabs-russia

موقع إنباء الإخباري ـ
الأكاديمي مروان سوداح*

في العلاقات الثنائية بين الشعوب والدول، تلعب اللغات دوراً رئيسياً لجهة تجسير الصِّلات، وتعميق المَعرفة بالآخر، فهمهُ وإدراكهُ كما هو وعلى حقيقته. ومن غير الطبيعي أن تقام علاقات بين الدول والعمل على تعزيزها بين شعوبها بدون وجود مجموعات فاعلة فيها، تعمل بمُثل عُليا، وتتمتع بثقافة موسوعية قادرة على السير في عملية التعريف الإيجابية لتلك الشعوب على بعضها البعض.

الاردن يمتلك علاقات وثيقة مع الروسيا، وهي تتطور باستمرار في مختلف المناحي، ولدينا روابط عميقة مع الشعب الروسي، لم تبدأ منذ 21 آب 1963، حين أقيمت العلاقات الدبلوماسية بين عمّان وموسكو، بل تمتد هذه العلاقات – ضمن العلاقات التاريخية العربية الروسية – إلى ما قبل ذلك بكثير.

مؤخراً، شهدت الجامعة الاردنية الاحتفال بيوم اللغة الروسية ويوم الثقافة الروسية. لم يكن هذا الاحتفال الأول من نوعه في الاردن، فقد كان لي الشرف بحضور احتفالات كثيرة مماثلة، أُقيمت سنوياً بجهود المركز الثقافي السوفييتي السابق الذي كان تم تأسيسه فإفتتاحه في أواخر سنة1970. بينما الاحتفالات الحالية، وهي حاشدة، تُنظّم بطريقة مختلفة عن السابق. ففيها يُنسّق الجانبان الاردني والروسي بصورة وثيقة، لإحياء فعالياتها من خلال مؤسسات علمية وثقافية اردنية، لذلك نراها ترتدي حُلّة طلابية وشعبية في الاردن ضمن برامج المركز الثقافي الروسي في عَمّان وممثلية الوكالة الفيديرالية الروسية للتعاون الدولي في الاردن ومديرهما الهمام الدكتور فاديم زايتشيكوف، والجامعة الاردنية، ورئيس قسم اللغات الآسيوية في الجامعة الدكتور النابه أحمد العفيف، ورئيسة شعبة اللغة الروسية في “أم الجامعات الاردنية” – الاستاذ المساعد الدكتورة يلينا ريزونينكو المومني، حيث يتم تدريس اللغة الروسية في قاعات “الاردنية”، والاطلاع على ثقافة الروسيا وحضارتها ويومياتها وتاريخ العلاقات العلمية والثقافية بين البلدين، وتُعد الأنشطة الجاذبة، وهي أنشطة مشابهة لِما يتم في الإتّجاه نفسه بتدريس لغتنا العربية والتعريف بالاردن في عدد من جامعات الروسيا ومؤسساتها، ومنها جامعة لينينغراد الحكومية – سانت بطرسبورغ حالياً – التي تخرّجت من كلية الصحافة فيها، قبل عدة عقود، وهي تعمل على تدريس العربية منذ تأسيسها في الحقبة القيصرية.

في سبعينات القرن المنصرم، درستُ اللغة الروسية في المركز الثقافي السوفييتي في العاصمة عمّان، وكان موقعه في جبل عمّان العريق، ونلت شهادة التخرّج منه. وللعقد الخامس على التوالي ما أزال أتابع عن كثب تطوّر اللغة الروسية وتدريسها في الاردن وعلاقات بلادنا مع الروسيا. واليوم يمكن القول وبكل ثقة، أن اللغة الروسية غدت تشغل مكانة رئيسية في الاردن، فهي اللغة الأجنبية المحكية الثانية بعد الإنجليزية، ويتحدث بها عدد كبير من الاردنيين، إضافة الى الجالية الروسية في البلاد، وزوجات الاردنيين وعائلاتهم وعديدها كبير جداً.

لذا، غدت الروسية لغة مَسموعة في الأماكن العامة في الاردن، ويتم الحديث بها في مواقع عمل كثيرة تمتد من أطراف الشمال الى أقاصى الجنوب الاردني، وهو وضع مشابه تقريباً للغة العربية في الروسيا المترامية الأطراف، ما يُشير الى نجاح مجموعات المُتخصّصين والعامة في الشعبين، في إنجاز مهامهم الشريفة بمواصلة عملية تطوير التفاهم بين شعبينا من خلال اللغة، وبجسور الثقافة والتناغم والتلاقي الحضاري المتواصل، الذي قطع أشواطاً كبيرةً في أوساط الشعبين الصديقين شيباً وشباباً، ما يُمكّنه من توسيع عَملانية التبادلات في مختلف الإتّجاهات، وهو ما نلاحظهُ على مِثال الجامعة الاردنية والمركز الثقافي الروسي في عمّان وممثلية الوكالة الفيديرالية الروسية للتعاون الدولي في الاردن، وبالتعاون الوثيق بين هذه الأطراف الذي يَصبُ في خير الشعبين والبلدين، وينسجم مع تطوّر وتعميق عملية الحضرنة العالمية لصالح شعوب العالم أجمع.

*متخصص أردني بالشأن الروسي ورئيس رَاَبِطَة الَقَلَمِيِّين الاَلِكْتْروُنِيّةِ مُحِبِّيِ بُوُتِيِن وَرُوسيِّهَ فِيِ الأُردُن وًالعَالَم العَرَبِيِ

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.