حلب.. إلغاء «ربط النزاع»

syria-halab-army

صحيفة الوطن السورية ـ
محمد عبيد :

فجأة ومن دون مقدمات صار أهالي مدينة حلب هدفاً أول للمجموعات الإرهابية التكفيرية التي تحتل جزءاً منها أو لتلك التي تتمركز في ريفها الأقرب. فحلب التي كان ومازال حلم السيطرة الكاملة عليها واقتطاعها مع ريفها يراود القيادة المشتركة التركية- السعودية شكلت حتى اليوم السد السياسي- العسكري المانع لإمكانية فرض شروط واشنطن وأتباعها على القيادة السورية وحلفائها، ذلك أنه باستطاعة المُمسِك بورقة السيطرة على هذه المدينة وريفها أو معظمه باتجاهاته كافة أن يدير دفة التفاوض وأن يحدد مواعيده بل يمكن القول أيضاً إنه يمكنه وضع بنود أجندة الحل المفترض والأفق الزمني للأزمة في سورية. وليس في الأمر مبالغة أبداً، فعدا كون حلب العاصمة الثانية فعلياً والأولى اقتصادياً، فهي باتت الممر الوحيد المتبقي المفتوح للتدخلات الإقليمية والدولية من البوابة التركية بعد ضبط الحدود اللبنانية- السورية بالكامل والأردنية- السورية بنسبة عالية والعراقية- السورية المغلقة على عمق كل من البلدين، لذلك يمكن وصف حلب بأنها نقطة الارتكاز في رقعة الشطرنج السورية بحيث إنه وفق حركة اللاعبين الدوليين والإقليميين على ساحتها وصولاً إلى حدودها مع تركيا تُرسَم صورة الرابحين والخاسرين وتتحدد خريطة موازين القوى في المنطقة لسنوات طويلة مقبلة.

 

مع خطوة السابع والعشرين من شهر شباط الماضي وقف الأعمال القتالية في معظم مناطق المواجهة مع «داعش» و«النصرة» ومثيلاتهما- حلب وريفها ضمناً- كانت معركة تحرير معظم هذا الريف وتطويق الجزء المحتل من المدينة قد بلغت ذروتها، ذلك أن أطراف المحور المقابل كانوا في حالة إرباك نتيجة التضارب في ترتيب أولوياتهم. فواشنطن التي توظف بعض التنظيمات الكردية في مواجهة «داعش» حاول رئيسها في لقائه الأخير في الحادي والثلاثين من آذار الماضي دفع الرئيس التركي أردوغان إلى غض النظر عن التمدد الكردي وهو أمر لم يستسغه الأخير الذي حاول مقايضة هذا المطلب بتأكيد التزامه بمحاربة «داعش» متجنباً الحديث عن «جبهة النصرة»- الفرع السوري للقاعدة، هذه الجبهة التي تشكل ركيزة التحالف التركي- السعودي وخصوصاً أنها لم توضع على رأس لائحة الإرهاب الأميركي كما «داعش» أو على الأقل ليست أولوية ضاغطة حتى الآن. إضافة إلى أن الرئيس الأميركي كان يهدف من خلال دعم توسع التنظيمات الكردية إلى فتح الطريق إلى الرقة الممر الإلزامي وفق التوصيف الأميركي لعزل الموصل وحسم المعركة ضد «داعش» وهو ما لم يكن يعتبر أمراً استراتيجياً وملحاً بالنسبة لتركيا ومعها السعودية، فرهان الاستفادة من «داعش» كان ومازال قائماً لديهما باعتباره عدو أعدائهما فلِمَ إنهاؤه والمعركة لم تنتهِ بعد، إلى جانب أن استثمارهما العسكري الأساسي في الميدان يتركز في جبهة النصرة والتنظيمات الأخرى المتفرعة منها والتي تحمل أسماء متنوعة وفق ضرورات الجذب الشعبي والمناطقي.

وسط هذه الحسابات المتضاربة في المحور الأميركي والموحدة في المحور الآخر الذي كان ومازال يُفَضل الحل السياسي على الخيار العسكري تقع مدينة حلب وريفها، لذا أوعزت تركيا ومعها السعودية وبرعاية أميركية إلى أتباعهما عبر الحليف الأساس: جبهة النصرة تفجير الوضع الميداني بما يسمح بإعادة ترجيح كفة التفاوض لمصلحة المحور الأول بعد الهزيمة السياسية التي مُني بها في الجولة الأخيرة في جنيف واستباقاً لمعركة حاسمة لابد آتية تنهي الابتزاز العسكري بدماء المدنيين الذي تمارسه الولايات المتحدة الأميركية وأتباعها من البوابة الحلبية، وتلغي أيضاً صيغة «ربط النزاع» السياسي الذي استثمرت فيه وعليه منذ أن وظفت أنقرة كمنصة متقدمة للحلف الأطلسي تقف عليها أو تعبر من خلالها لإسقاط النظام في سورية وتحديداً رئيسه وتباعاً تطويع إيران بعدما تعذر ذلك عبر الاتفاق النووي وحصار حزب اللـه بعدما تجاوز تداعيات عدوان تموز2006 الأميركي-الإسرائيلي عليه وروسيا بعدما نجحت في منع تحويل أوكرانيا إلى مستنقع تغرق فيه.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.