السعودية ملجأ الرؤساء المخلوعين!

موقع الخنادق-

مريم السبلاني:

لم يكن الرئيس اليمني المنتهية ولايته عبد ربه منصور هادي، الرئيس الأول الذي لجأ للسعودية بعد اسقاطه، ولم يكن الأخير. فلطالما كانت المملكة الوجهة الأولى التي يفكر بها الرؤساء المخلوعون، الذين ارتبطت أسماؤهم طيلة سنوات حكمهم بالفساد والاختلاس والقمع والقتل. تماماً كالرئيس الأوغندي عيدي أمين، الذي كان يرمي جثث معارضيه للتماسيح في بحيرة فيكتوريا. حيث وردت معلومات عن توجه الرئيس السريلانكي غوتابايا راجاباكسا إلى الرياض بعد ثورة شعبية غاضبة.

يروي الكاتبان الأمريكيان بروس جونز ونيل بلاندفورد في كتابهما “أشرار العالم” انه بعد تولي أمين الحكم، أصبحت العاصمة كمبالا في مرحلة صعبة تعد من أبشع الفترات في تاريخها. فبعد عدة شهور على توليه الحكم، لاحظ أبناء العاصمة ان انقطاع الكهرباء يستمر طويلاً، في الوقت الذي لاحظ فيه القاطنون قرب بحيرة فكتوريا إصابة التماسيح بأعراض التخمة الشديدة. لم يكن لتلك المشاهدات أثراً فعلياً في البداية، إلا ان علِم المهندسون الكهربائيون المعنيون بالكشف عن وجود خلل ما، ان أمين (والمعروف بـ عيدي أمين دادا) يقوم بقتل معارضيه والقاء جثثهم للتماسيح في البحيرة وبشكل مستمر. حتى قدّر عدد ضحاياه خلال فترة حكمه بالـ 400 ألف.

في 11 نيسان /ابريل عام 1979، نجح الأوغنديون في الإطاحة بالزعيم الديكتاتوري بعد 8 سنوات من الحكم الدامي، وطردوه خارج البلاد. كانت وجهته الأولى، ليبيا، حيث صديقه المقرب معمر القذافي. إلى ان توجه إلى السعودية، واستقبله الملك فهد بن عبد العزيز بحفاوة في إحدى قصوره الفخمة. ومكث هناك حتى وفاته عام 2003.

وفق وكالة “أسوشيتد برس” فإن راجاباكسا، قد سافر على متن رحلة الخطوط الجوية السعودية إلى سنغافورة يوم الخميس، متوجها إلى جدة. بعدما حاكمه الشعب السيرلانكي بتهم اغتيال وتهديد معارضين وحقوقيين وصحفيين، وتشكيل فرقة عسكرية سرية لتصفيتهم، وارتكاب جرائم حرب وانتهاكات لحقوق الإنسان، وفر خارج البلاد.

الصحفي ريحان أودين Rayhan Uddin، وصف هذه الخطوة بأنها ستنضم “إلى قائمة لا يحسد عليها من الحكام المخلوعين الفارين إلى المملكة الخليجية، إما للتقاعد أو لتكون محطة توقف قصيرة على طريق العودة إلى السلطة”. وفي مقال له نشر على موقع ميدل ايست آي، يتابع أودين إنه “بدءا من توفير الملاذ للطاغية الأوغندي الوحشي عيدي أمين في الثمانينيات وعدد من القادة الباكستانيين في العقد الأول من القرن الحالي، إلى الترحيب بالرئيسين التونسي واليمني في أعقاب انتفاضات الربيع العربي، كانت المملكة في كثير من الأحيان ملاذا للحكام الذين تم الإطاحة بهم والموصومين بالعار والمحاصرين بعيدًا عن أوطانهم”.

موطن لتقاعد “غير مسيس”

يوضح المؤرخ في جامعة أكسفورد ومؤلف كتاب عن المملكة، أندرو هاموند، أن “سياسة استضافة القادة المخلوعين الذين لا يحظون برضا شعوبهم من جميع أنحاء العالم تعكس نظرة ذاتية تقليدية للقيادة السعودية للبلاد كمكان محايد وغير مسيّس”.

ويضيف هاموند “من ناحية، هذا يعني أنه لا يمكن أن تكون هناك أحزاب سياسية واحتجاجات ومطالبات وغير ذلك من الظواهر الحديثة المتعلقة بالسياسات الانتخابية التمثيلية ولكن من ناحية أخرى، هذا يعني أن البلد يمكن أن يكون منفتحًا ومُضيفاً لأشخاص من مختلف الأطياف والأصول، طالما أنهم ينأون بأنفسهم عن الانتماءات السياسية أو يتصرفون ضمن القواعد التي وضعتها الحكومة”.

في معظم حالات اللجوء، يُمنح القادة اللجوء ويصبحون ضيوف الحكومة السعودية. عاش الزعيم الأوغندي أمين، الذي اتسمت فترة حكمه التي دامت ثماني سنوات في السبعينيات بانتهاكات واسعة النطاق لحقوق الإنسان وعمليات قتل خارج نطاق القضاء وفساد، العقدين الأخيرين من حياته بسلام في جدة.

على غرار أمين وغيره، اختار الدكتاتور التونسي زين العابدين بن علي بدوره الحياة الهادئة بعد أن فرّ إلى المملكة في كانون الثاني/يناير 2011 في أعقاب الثورة التي اندلعت في بلاده وأشعلت شرارة انتفاضات الربيع العربي في جميع أنحاء المنطقة.

يقول أندرياس كريغ، الأستاذ المساعد في قسم الدراسات الدفاعية في كينغز كوليدج لندن، لموقع “ميدل إيست آي”، إنه “بصفتهم حكاما سلطويين زملاء، يتعاطف السعوديون مع من يواجهون تهديد الاضطرابات الشعبية ويعطون الأولوية لأمن النظام على أي شيء آخر. وغالبا ما يجد قادة الأنظمة التي عرفت اضطرابات شعبية ملاذا لهم في المملكة”. ويضيف “السعوديين يعتبرون أنفسهم من الأنظمة المعادية للثورات لذلك هم يسعون إلى حماية الأنظمة الاستبدادية القائمة”.

السعودية تصحح “حسابات خاطئة”

واصل الرئيس اليمني السابق عبد ربه منصور هادي محاولة إدارة حكومته من منفاه في السعودية. بعد فترة وجيزة من السيطرة على العاصمة صنعاء سنة 2014، فر هادي إلى الرياض، التي قادت تحالفًا من الدول للتدخل في اليمن، مما أدى إلى اندلاع أسوأ أزمة إنسانية في التاريخ الحديث.

أدار هادي حكومته في المنفى لعدة سنوات حتى تنازل عن السلطة في النهاية لمجلس قيادة جديد في نيسان/ أبريل. وحسب بعض المسؤولين، فقد أجبرته السلطات السعودية على الاستقالة وفرضت عليه الإقامة الجبرية.

في الواقع، ليست هذه هي المرة الأولى التي يُزعم فيها أن الرياض تعتقل زعيمًا محاصرًا. في تشرين الثاني/نوفمبر 2017، اتُهمت المملكة باحتجاز رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري بعد أيام من إجباره على الاستقالة في خطاب متلفز ألقاه من الرياض.

يعتقد هاموند أن استضافة القادة المخلوعين قد تكون محاولة لتحسين صورة السعودية على الساحة الدولية، في إشارة إلى مقتل الصحفي السعودي، جمال خاشقجي. ويقول “بالنسبة لولي العهد محمد بن سلمان، إنها بالتأكيد فرصة لتبييض صورته من التقديرات الخاطئة التي طالته في السنوات الأخيرة، مثل اختطاف رئيس وزراء لبنان أو قتل كاتب معارض كان محبوبًا في دوائر النخبة الأمريكية”. ويضيف “سيعزز ذلك أهميته لإدارة بايدن مع زيارته”.

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.